" من أسباب دفع العقوبات : التوحيد "
" من أسباب دفع العقوبات: التوحيد "
التوحيد هو إفراد الله بالعبادة وبالربوبية، وبصفات (الكمال في الذات والأسماء والصفات والأفعال). كما جاء في الكتاب والسنة، فلا يخاف ولا يرجو ولا يعبد إلا الله وحده.
ويعلم أن الله على كل شيء قدير، ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو سبحانه الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويدافع عن الذين آمنوا، ويرحم من عباده الرحماء، وينصر أولياءه في الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.
فإنه هو المعبود الحق، وحده لا شريك له، فيخلص في عبادته والتوكل عليه، لقوله سبحانه وتعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات:56].
حيث إن الله خلق الثقلين لعبادته، وأمرهم بطاعته، وضمن لهم الرزق، فواجب عليهم أن يشتغلوا بما خلقوا له من وأن يتوكلوا على الله في حصول ما ضمن لهم، مع مباشرة الأسباب المشروعة.
فالعبادة هي التوحيد، وقد تكفل الله لخلقه بالرزق، والمد والعطاء، فقال تعالى: " مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ " فهو سبحانه لا يريد منا رزقًا، ولا إطعامًا له، لأنه سبحانه غني بذاته عن جميع خلقه، فله الغنى المطلق، وكل غنى لأحد من الخلق فهو منه سبحانه، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر:15].
وإن من ثمرات التوحيد التوكل على الله تعالى، الذي يتحقق فيه تفويض أمر العبد إلى الله تعالى، ثقة به واعتمادًا عليه مع مباشرة الأسباب المشروعة، التي أمر الله رسوله بها، فمن توكل على الله كفاه قال تعالى: " وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [إبراهيم:11] " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " [الطلاق:3].
وقد أخبر سبحانه بأنه بيده ملكوت كل شيء " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " [يس:82].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا (أي جياعًا) وتروح بطانًا (أي شباعًا)» [أخرجه الإمام أحمد 1/30 والحاكم 4/318].
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية – يرحمه الله – كفاية الله لعبده على حسب إيمانه، فإن كان إيمانه قويًّا كانت الكفاية كبيرة وعظيمة، وكلما قل الإيمان قلت الكفاية – نسأل الله العافية -.
ولهذا لما قال الناس للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد أحد: " إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران:173] فكفاهم الله أمر العدو، حيث قال: " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " [آل عمران: 174] فأمنوا من السوء، وفازوا بالفضل.
وهكذا كل من أخلص لله في توحيده، وصدق الله في توكله، فإنه سبحانه يكفيه ما أهمه وما لم يهتم به.
فالتوحيد الذي هذا شأنه، وتلك ثمراته من أجله بعث الله جميع رسله، يدعون إليه، وأنزل جميع كتبه لبيانه والتحذير من ضده، كما قال تعالى: " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " [النحل:36].
مختارات