" من العلاقات الشيطانية التى توقع الإنسان فى الحرام : العشق الشيطاني "
" من العلاقات الشيطانية التى توقع الإنسان فى الحرام: العشق الشيطاني "
من مكايد الشيطان ومصايده: العشق؛ أو ما يسمى بالتعلق والإعجاب، وهو: الإفراط في المحبة؛ تتركز فتنته – غالباً – على الشكل والصورة، أو انجذاب مجهول السبب؛ لكنه غير متقيد بالحب لله؛ سواء كان المعشوق من الرجال أو النساء.
هذه الصداقة صداقة فاسدة؛ لفساد أساس الحب فيها؛ بعدم انضباطها بضوابط الشرع، والعشق رغم سهولة بداياته إلا أن نهايته انتكاس للعاشق، وخروج عن حدود الشرع، ولهذا كان بعض السلف يستعيذ بالله من العشق؛ فهو إفراط في الحب في أوله، وهو عبودية للمعشوق في نهايته تضيع معها عبودية العبد لله (الصداقة في الإطار الشرعي، د.عبد الرحمن الزنيدي).
وإن سقوط الشاب أو الفتاة في شباك العشق لهو من أخطر الأمور؛ إذ إن الهوى من صفاته أنه يهوى بصاحبه، وإذا ما استحكم في القلب سيطر على العقل والفكر، وهنا يقع الإنسان في عبودية هواه؛ قال تعالى: " أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا " [الفرقان: 43].
مظاهر الإعجاب (العشق):
إن من أبرز مظاهر الإعجاب هو تعلق القلب بالمعشوق؛ فلا يفكر إلا في محبوبة، ولا يتكلم إلا فيه، ولا يقوم إلا بخدمته، ولا يحب إلا ما يحب، ويكثر مجالسته، والحديث معه الأوقات الطويلة من غير فائدة ولا مصلحة، وتبادل الرسائل، ووضع الرسومات والكتابات في الدفاتر وفي كل مكان، ويقوم بالدفاع عنه؛ بالكلام وغيره، ويغار عليه، ويغضب إذا تكلم مع غيره أو جلس معه.
أسباب الإعجاب (العشق):
إن من أهم أسباب الوقوع في الإعجاب المذموم والعشق الشيطاني هي:
1- ضعف الإيمان، وخلو القلب من حب الله ورسوله؛ فإن العشق يتمكن من قلب فارغ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسولهُ أحب إليه مما سواهما، وأن يُحب المرء لا يحبهُ إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكُفر كما يكرهُ أن يُقذَفَ في النارِ» [متفق عليه].
2- فقدان العاطفة والحنان في محيط البيت - وخاصة من الأبوين - وتفكك الأسرة؛ فيبحث الابن أو البنت عمن يجد عنده ما فقده في البيت؛ وخاصة أولئك الذين يعانون نقصاً في المحبة، ويعيشون الحرمان؛ فهم يستسلمون بسرعة إلى ما يُظهره الآخرون من عشق ومحبة؛ هذا الحرمان يكون سبباً في سرعة انخداعهم ووقوعهم في وحل العشق الشيطاني.
3- ضعف الشخصية، وعدم وجود القدوة الصالحة التي يقتدى بها.
4- الفراغ؛ فإن الوقت إذا لم يُشْغَلْ بالطاعة أشغل بالمعصية؛ فيكون الجلوس والحديث الطويل الذي يؤدي إلى التعلق والعشق.
5- التقليد الأعمى للغير؛ فقد تكون البداية مجرد تقليد لأصدقاء السوء.
6- المبالغة في المظهر والزينة؛ سواء من الشباب أو الفتيات؛ مما يؤدي إلى الإعجاب ومن ثمَّ إلى العشق.
مخاطر الإعجاب (العشق):
إن للإعجاب (العشق) مفاسد دينيةً ودنيويةً؛ وذلك من وجوه:
أحدهما: الاشتغال بذكر المحبوب عن حب الله تعالى وذكره؛ فمن المعلوم أنه لا يجتمع مع الله حب: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " [البقرة: 165]؛ لذا فإن العاشق لا يجد حلاوة الإيمان التي من شروطها: «أن يكون الله ورسوله أحب مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله» [متفق عليه].
ولا يأمن العاشق أن يجره ذلك إلى الشرك كما جر ذلك الشاعر الخاسر حين قال:
وَصْلك أشهى الى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
نعوذ بالله من الخسران المبين.
الثاني: العذاب والحسرة والشقاء؛ لتعلُّق قلبه بمعشوقه؛ وهذه من العقوبة الدنيوية قبل الأخروية؛ فمن أحب شيئاً غير الله عُذِّب به، وفي الآخرة يتبرأ بعضهم من بعض؛ قال تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ " [البقرة: 165-167].
الثالث: ستر العيوب أو تجاهلها؛ فحينما تصل المحبة العادية مرحلة التعلق والعلاقات القوية المتأصلة يظهر فيها أثر ستر العيوب وحجبها بصورة عجيبة؛ حتى يصل الوضع أن يواجه كل من يقدم نصيحة لهذا الشخص بالرد العنيف، ويضمر حقده في قلبه؛ لكن عندما ينقطع هذا العشق يكون الندم والحزن.
الرابع: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه.
الخامس: فساد الحواس؛ ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب» [متفق عليه].
فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان؛ فيرى القبيح حسناً.
السادس: أنه قد يؤدي إلى ارتكاب الفواحش كالزنا واللواط؛ لأن الفواحش أصلها المحبة لغير الله؛ سواء كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة؛ قال تعالى: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ... " الآية [البقرة: 268].
إن لكل مخادع وجهين ذوي صفة شيطانية لا يبغي من ورائها سوى إشباع شهواته الحيوانية؛ فهو يعمل على تحقيق مآربه تحت ستار الحب والعشق؛ لذا يجب أن يحذر من دعاة العشق والحب الكاذب.
علاج الإعجاب (العشق):
ودواء هذا الداء القتَّال أن يعرف أن ما ابتُلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما من جهله وغفلة قلبه عن الله؛ فعليه أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولاً، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر في المعشوق، ويكثر اللُجْأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وعليه بالإخلاص في ذلك؛ وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: " كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ " [يوسف: 24] ؛ فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء بإخلاصه (الجواب الكافي، ابن القيم).
ومن أنفع الأدوية للتخلص من هذا الداء أن يبتعد المبتلى به عن معشوقه، ومن يحرك كوامن الشهوة فيه؛ بحيث لا يراه ولا يسمع كلامه؛ فالابتعاد عنه أهون بكثير من الاسترسال معه (الفاحشة، محمد الحمد ) والوقوع في الآثام والمعاصي.
توجيه عاطفة الأبناء والبنات لما هو مفيد، واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة مثل هذه الظاهرة، وعدم التغاضي عنها؛ لأنها قد تؤدي إلى ظواهر أخرى سيئة.
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ...الآية " [البقرة: 165-167].
أخي الكريم... أختي الكريمة:
فمما سبق يُعلم أن الشيطان يحاول بشتى السبل ومختلف الوسائل أن يضل بني آدم، ولن يكف عن ذلك حتى يُدخل من أطاعه نار جهنم؛ قال تعالى حكاية عنه: " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ " [الأعراف: 15-17].
وقد كتب الله عليه أن من اتبعه فإنه يهديه إلى السعير: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ " [الحج: 4].
ولكن الله حذرنا منه في مواضع كثيرة من القرآن، وأن لا نستمع لغوايته والإعراض عن الصراط المستقيم؛ قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " [البقرة: 208].
ولم يقتصر البيان القرآني على هذا؛ بل قد كشف للناس المخطط الشيطاني؛ حتى يبصر كل ذي عينين ويتفكر أولو الألباب؛ فقال عن إبليس: " وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا " [النساء: 118-120].
ولكن يوم القيامة يتبرأ الشيطان من أتباعه، وهناك يندم أتباع الشيطان، ولات ساعة مندم؛ قال تعالى: " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [إبراهيم: 22].
ولقد أخبر سبحانه أنه لا سلطان لشيطان على عباده المخلصين المتوكلين؛ فقال سبحانه: " قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ " [الحجر: 39-42].
فعلم عدو الله أن من اعتصم بالله وأخلص له وتوكل عليه لا يقدر على إغوائه وإضلاله، وإنما يكون له سلطان على من تولاه وأشرك مع الله؛ فهؤلاء رعيته وهو سلطانهم ومتبوعهم (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، ابن القيم).
مختارات