" مقدمة "
" مقدمة "
بعد أن أُهبط إبليس من الملأ الأعلى وحرم عليه الجنة، فنزل إلى الأرض حقيراً ذليلاً مذؤوماً مدحوراً متوعداً بالنار هو وأتباعه من الجن والإنس - من ذلك اليوم جاهد كل الجهد على إضلال بني آدم بكل طريق وبكل مرصد؛ كما قال تعالى: " قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا " [الإسراء: 62].
وحذرنا الله منه، ودعانا إلى عدم طاعته وطاعة جنوده؛ قال تعالى: " يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ " [الأعراف:27].
وهو مخلوق من نار؛ قال تعالى حاكياً قول إبليس: " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ " [الأعراف:12] وزعيم الشياطين إبليس؛ قال تعالى: " إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ " [الحجر:31].
واسمه أيضاً الشيطان؛ قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " [البقرة:168].
ومن خطوات الشيطان التي يسعى عن طريقها في إغواء وإضلال البشر العلاقات الشيطانية التي تفسد الإنسان أو تفسد غيره.
علاقة بين الشيطان والإنسان؛ فهو له قرين؛ قال تعالى: " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ " [الزخرف:36، 37]؛ فيوسوس له فعل المعاصي وارتكاب الآثام.
وعلاقة بين الإنسان والآخرين؛ لتضليلهم وعمل الفواحش والمنكرات، بسبب إغواء الشيطان لهم؛ قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [النور:21].
وسأعرض بياناً لبعض هذه العلاقات الشيطانية للحذر منها، وسبل العلاج لها، وقبل هذا يجب أن تعرف:
أماكن الشيطان:
الشياطين يسكنون هذه الأرض التي نعيش فيها، ولكن لا نراهم؛ قال تعالى: " إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ " [الأعراف:27].
ويكثر تواجدهم في الخراب والفلوات ومواضع النجاسات؛ كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر، ويكثر تواجدهم أيضاً في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق؛ فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم سليمان الفارسي رضي الله عنه قال: «لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها؛ فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته» [رواه مسلم].
والشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس، وتطردها التسمية، وذكر الله، وقراءة القرآن، خاصة سورة البقرة، وآية الكرسي منها.
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تنتشر في الظلام، ولذا أمرنا أن نكفَّ صبياننا في هذه الفترة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم فأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخمَروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم»[متفق عليه].
مجالس الشياطين:
إن للشيطان أماكن يأوي إليها ويترصد الناس فيها ليكيدهم ويلحق الضرر بهم في دينهم ودنياهم؛ فعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه؛ فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة؛ يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً ! قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نِِعْمَ أنت» قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه [رواه مسلم].
فمن مجالسهم:
1-أماكن العبادة:قد يحضر الشيطان أماكن العبادة ليوسوس للعبد فيها، وليلهيه عنها، ويشوش عليه؛ ليبطل تلك العبادة أو ينقص من أجرها؛ عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» [رواه مسلم].
2-أماكن اللهو: وأماكن اللهو المحرم من مجالس الشيطان، وهي مصائد الشيطان؛ فيها تؤتى الفواحش، وتهتك الأعراض، ويزين الشيطان فيها كل فجر وضلالة لمن يقصدها.
3- مواضع النجاسات: والمراحيض، والحمامات؛ فالشيطان يرتاح للخبث، وينظر عورات الناس في المرحاض والحمام، ولذا أُمرنا أن نسمي الله قبل دخول الحمامات والمراحيض، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» [رواه مسلم وأحمد].
4-الأسواق ومفترق الطرق: هذه من أماكن الغفلة يجد الشيطان فيها طريقه إلى قلوب العباد، فينشر فيها الفساد ويهيئها لما يريد.
من أعمال الشيطان (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان):
إن إبليس عليه من الله ما يستحق، منذ أن طرد من الجنة وحتى الآن وإلى يوم القيامة، ليس له عمل إلا إضلال الخلق وإفسادهم، وله في ذلك طرق وأساليب، منها:
الإغواء: قال تعالى: " فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " [ص:82].
وقال تعالى: " قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " [الحجر:39].
الاستزلال: قال تعالى: " إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا " [آل عمران: 155].
الكيد: قال تعالى: " إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا " [النساء: 76].
الوعود الكاذبة:قال تعالى: " يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا " [النساء:120].
العداوة والبغضاء:قال تعالى: " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ " [المائدة:91].
الوسوسة: قال تعالى: " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا " [الأعراف:20].
النزغ: قال تعالى: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ " [الإسراء:53].
الدعوة إلى عبادته: وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله والكفر بالله وشريعته، قال تعالى: " يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ " [مريم: 44].
الفتنة:قال تعالى: " لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ " [الحج: 53].
الأمر بالفحشاء والمنكر: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [النور:21].
الصد عن الخير: وهو لا يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي؛ بل يصدهم عن فعل الخير؛ فلا يترك سبيلاً من سبل الخير يسلكه عبد من عباد الله إلا قعد فيه، يصدهم ويميل بهم؛ قال تعالى: " وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " [الزخرف: 62]، وقال تعالى: " فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ " [الأعراف:16، 17].
التزيين: فهو يزين للإنسان الشرك والمعاندة والمعاصي؛ قال تعالى: " وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [الأنعام: 43].
هذا هو السبيل الذي كان الشيطان ولا يزال يسلكه لإضلال العباد؛ فهو يُظهر الباطل في صورة الحق، والحق بصورة الباطل، ولا يزال بالإنسان يحسّن له الباطل، ويكرهه بالحق حتى يندفع إلى فعل المنكرات ويعرض عن الحق؛ كما قال إبليس لرب العزة: " رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " [الحجر:39، 40].
هذه بعض أعمال الشيطان التي يسلكها في إضلال بني آدم ليتبعوه ليكونوا من أصحاب السعير؛ قال تعالى: " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " [فاطر: 6].
مختارات