"النهي عن اقتراب الفواحش "
" النهي عن اقتراب الفواحش "
تعريف الفواحش:
الفحش في اللغة: قال ابن منظور: الفحش معروف، وقال ابن سيده: الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعها الفواحش، والفحشاء اسم الفاحشة، والفحش قد يكون بمعنى الزيادة والكثرة (لسان العرب).
وفي الشرع: قال ابن منظور: هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي (لسان العرب).
في بيان معنى الفواحش:
أحد الوصايا في سورة الأنعام النهي عن اقتراب الفواحش الظاهرة والباطنة، قال تعالى: " وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) " (الأنعام، الآية: 151) قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: «فيه خمسة أقوال:
أحدها: أن الفواحش: الزنا، وما ظهر منه: الإعلان به، وما بطن: الإسرار به، قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: أن ما ظهر: الخمر ونكاح المحرمات، وما بطن: الزنا، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
الثالث: أن ما ظهر الخمر، وما بطن: الزنا، قاله الضحاك.
الرابع: أنه عام في الفواحش وظاهرها علانيتها، وباطنها: سرها، قاله قتادة.
الخامس: أن ما ظهر أفعال الجوارح، وما بطن: اعتقاد القلوب، ذكره الماوردي في تفسير هذا الموضع، وفي تفسيره قوله: " وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ " (الأنعام، الآية: 120)، وقال السدي: أما ما ظهر منها فزواني الحوانيت، وأما ما بطن: فما خفي (كما في تفسيره زاد المسير) وقال الضحاك: ما ظهر منها يعني العلانية، وما بطن يعني السر (ذكره الطبري في تفسيره ) وقال أيضًا: ما ظهر: الخمر، وما بطن: الزنا(ذكره الطبري في تفسيره ).
قال البغوي رحمه الله: ما ظهر يعني العلانية، وما بطن يعني السر، وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسًا في السر، فحرم الله الزنا في العلانية والسر(ذكره الطبري في تفسيره ).
وقال القرطبي رحمه الله: قوله: ما ظهر: نهي عن جميع الفواحش وهي المعاصي، وما بطن: ما عقد في القلب من المخالفة (كما في تفسيره الجامع ).
قلت: والفواحش: كل ما قبح وفحش من الذنوب، والله يغار على محارمه، قال ابن مسعود رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» (أخرجه البخاري ومسلم) الحديث، وأما صغائر الذنوب التي سمَّاها الله سبحانه وتعالى «اللمم»، حيث قال: " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ " (النجم، الآية: 32) فلا يسلم منها أحد إلا ما شاء الله، ولهذا مدح الله الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.
وعيد الله لمن فعل شيئًا من ذلك:
ساق الله سبحانه وتعالى جملة من المعاصي التي فحش قبحها فتوعدهم بمضاعفة العذاب فقال: " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا " (الفرقان: 68، 69).
وتوعَّد قاتل النفس التي حرم الله، فقال: " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " (النساء، الآية: 93).
وتوعَّد المرابي فقال: " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " (البقرة، الآية: 275).
وعن جابر رضى الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء» (أخرجه البخاري)، وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» (أخرجه البخاري ومسلم).
قلت: ذكرت هذه الأدلة بناءً على مَنْ قال أن الفواحش عامة في كل ما قبح وفحش من الذنوب.
مختارات