" مراتب المنكر الذي ينكره المرء "
" مراتب المنكر الذي ينكره المرء "
* يختلف المنكر قوة وضعفًا، فتارة يكون من الشرك، وتارة يكون من المعاصي، هذا من جانب.
* ومن جانب تفاوته في الأمر، إذا وجد منكرًا متفاوتًا فهنا يحكمه أو يدلنا على علاجه وإنكاره، قوله عليه الصلاة والسلام، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا رضى الله عنه إلى اليمن فقال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينهما وبين الله حجاب» (أخرجه البخاري ومسلم).
فإذا كان المنكر الذي أمامك درجات في حد ذاته، فابدأ بأكبره وأعظمه. ولنوضح ذلك بالمثال التالي:
لنفرض أن أمامك زانيًا خمارًا مشركًا؛ وتريد أن تنكر عليه (والإنكار هنا هو الدعوة، والدعوة هي الإنكار، وإن قسمت اصطلاحًا).
فهنا تبدأ معه بما يصلح معتقده وينقي سريرته، ويثبت إيمانه، وبما يرده إلى التوحيد، فلو قال لا إله إلا الله ودخل في الإسلام، جاء بها مستجمعًا لشروطها، ولم يرتكب مانعًا من موانع الاستفادة منها، وعنده ما عنده من الكبائر. لو مات عند هذه الخطوة لكان من المسلمين، وكان من أهل الجنة، إن دخل النار طهر منها، وإن لم يدخلها وشمله قول الله تعالى: " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " [النساء: 48].
إذن فلنبدأ في معالجة الإنكار بأهمه وأعظمه، ولنتدرج تدرجًا تنازليًا لا تصاعديًا.
* وأما مراتب إنكار المنكر من جانب آخر، فقد ذكر ابن القيم – رحمه الله تعالى – أربع مراتب هي:
المرتبة الأولى: أن يغلب على ظنك أنك إذا أنكرت هذا المنكر أن يحل محله معروف.
المرتبة الثانية: أن يغلب على ظنك أنك إذا أنكرت المنكر أن يخف المنكر.
المرتبة الثالثة: أن يتساويا، أي بمعنى أنه قد يترك المنكر الذي هو واقع فيه، لكن ينتقل إلى منكر يساويه.
المرتبة الرابعة: أن ينتقل من منكر إلى ما هو أشد وأنكى منه.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -:
* أما الأولان فمشروعان: يعني إذا كان إنكار المنكر يؤدي إلى إجلال معروف، أو يخف المنكر فهذا لا يختلف عليه.
* وأما الثالثة إذا تساويا: يعني إذا خرج من كبيرة أنكرتها عليه، ذهب وارتكب كبيرة مشابهة لها، فيقول – رحمه الله -: «أما هذا فمحل اجتهاد». بمعنى أن الإنسان يجتهد إن رأى المصلحة في الإنكار عليه أنكر، وإن رأى المصلحة في تركه فليتركه.
* وأما الرابعة وهي الخطرة: وقد قال: «إذا رأيت من هو على منكر وأنكرت عليه وترك ما هو فيه لذهب وارتكب لما هو أشد منه» ويضرب – رحمه الله – لهذا بمثال:
يقول: فلو أن رجلاً كان مغرمًا بقراءة كتب الجنس والروايات والغرام ومنهكمًا في هذا الأمر، وعنده رغبة في القراءة والاطلاع، ولكنك إذا أنكرت عليه وترك هذا المنكر لانتقل إلى كتب الابتداع أو الإلحاد؛ أيهما أشد ضررًا، يقول: (نتركه على كتب الجنس الصادر عن مرض الشهوة، لئلا ينتقل إلى كتب الابتداع والإلحاد الصادر عن مرض الشبهة).
ومعلوم أن مرض الشبهة أشد وأنكى من مرض الشهوة، فيقول – رحمه الله تعالى -: (مثل هذا دعه لا تنقله من سوء إلى ما هو أشد منه).
* وينقل ابن القيم عن شيخه (شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى –) ما نصه فيقول: «مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس» (إعلام الموقعين).
مختارات