" ما ينبغي لصاحب الستين فما فوق "
" ما ينبغي لصاحب الستين فما فوق "
إن المرء المسلم ينبغي له أن يكون على ما يحبه الله تعالى في كل وقت، شابا كان أو شيخاً، لكن الأمر أكثر تأكيدا في حق كبير السن.
لقد ذهب أكثر العمر في شأن الدنيا ولم يبق إلا القليل جداً من العمر فلنجعله أو أكثره في شأن الآخرة، فإنها والله الحياة الحقيقية كما قال تعالى: " وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ " [العنكبوت:64] والمعنى: (لهي دار الحياة التي لا موت فيها، ولا تنغيص يشوبها كما يشوب الحياة الدنيا) (زاد المسير).
ولأن الغالب (أن الشيخ قد حفظ العلوم والتجارب الكثيرة ومارس الأمور ودربها وكثرت تجاربه، وهذه الأحوال تعينه على وجوه الفكر وقوة النظر، فقامت مقام النقصان الحاصل بسبب ضعف البدن والقوى) (الروح).
فإن المطلوب منه تجاه الآخرين: بذلُ الرأي الحسن والمشورة الصادقة والتعليم النافع لمن دونه، فذلك منتظر منه أكثر من غيره.
أما تجاه نفسه: فالاجتهاد في الذكر والاستغفار وألوان العبادة وملء الوقت بها مطلوب أكثر ممن هو دونه في السن.
ولئن كان يطلب كل ذلك ممن بلغ هذا العمر فإنه لا يعني التبتل وترك الدنيا تماماً، فإن ذلك مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولكن المطلوب مزيد عناية بأمر الآخرة الباقية، والتخفف من الدنيا العاجلة الفانية.
جاء عند البخاري أن صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل».
وقال: «يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حب المال وطول العمر»وعند مسلم: «يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر».
قال النووي: معنا أن قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه.
وقال: والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في الشباب أكثر وبهم أليق، لكثرة الرجاء عادة عندهم في طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا.
قال القرطبي: في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وأن ذلك ليس بمحمود.
وقال غيره: الحكمة في التخصيص بهذين الأمرين: أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فأحب لذلك طول العمر، وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبا طول العمر، فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه (فتح الباري).
ويستغرب أن يكون في بعض من بلغ هذا السن من لا زال معرضا سادراً، لكن وعيده عند الله عظيم ما لم يتب، خصوصا من أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه : «لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» رواه مسلم.
وفي حديث آخر: «أشيمط زان» (صحيح الجامع).
قال القاضي عياض عن مثل هؤلاء: (سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها منه وعدم ضرورته إليها وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يعذر أحد بذنب، لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة ولا دواع معتادة أشبه إقدامُهم عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته لا لحاجة غيرها، فإن الشيخ لكمال عقله وتمام معرفته بطول ما مر عليه من الزمان، وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ويخلى سره منه فكيف بالزنا الحرام؟....) (شرح صحيح مسلم).
ويذكر أن الربيع بن خثيم كان بالأهواز ومعه صاحب له فنظرت إليه امرأة فتعرضت له، فدعته إلى نفسها فبكى الشيخ، فقال صاحبه: ما يبكيك؟ قال: إنها لم تطمع في شيخين إلا رأت شيوخاً مثلنا (حلية الأولياء).
ألا فليتق الله كل مسلم و صاحب الستين – فأكثر – أولى بتقواه والاستعداد للقائه.
مختارات