" عَصَبُ الحياة "
" عَصَبُ الحياة "
إن الشباب هم عصب الحياة في الأمة، وإن أشدَّ فقر يمكن أن يلحق بالأمة هو الفقر بالرجال، فالأمم تستطيع أن تعالج الفقر في جميع أمورها أما إذا أصيبت بقحط في رجالها فتلك الداهية التي تسلب الأمة قوتها وثقتها بنفسها، قال (ستورث): «قيمة المملكة تتوقف على قيمة أفرادها» (سر النجاح) ومن أجل ذلك تبذل الأمم الأموال الهائلة في صناعة هؤلاء الرجال وإيجادهم بفكرهم وعلمهم حتى يديروا دفة حياتها نحو برَّ الأمان وما أصدق الشاعر حين قال:
وخيرُ الصناعات صنع الرجال فهم أسُّ نهضتنا والعمادْ
على الدين والعلم تبنى النفوس وبالجد صرح المعالي يشاد
وأمة الإسلام اليوم هي بأمس الحاجة إلى هؤلاء الشباب الرجال الأقوياء جسدًا وروحًا.
والمسلم الذي تريده الأمة لقيادتها وصنع مجدها ليس بذلك الإنسان الذي استند إلى جدار الأمنيات يبذل عطايا الأوهام لأمته بلا حساب، وليس بذلك الإنسان الذي يعيش في دنياه بعين ملؤها شهواتها، فحياته حب وعشق لكنه من الحب الذي يهوي من القلب حتى يجاوز السرة، وليس بذلك الإنسان الذي تدثر بماله فهو كدودة القز التحفت بالحرير وربما خرج من ذلك الحرير الخيط الذي تشنق به، لا فهؤلاء أكبر عيوبنا التي نفذ منها أعداؤنا إلى حياتنا فسمموها:
ما دخل اليهود من حدودنا
وإنمـا
تسربوا كالنمل من عيوبنا
وإنما المسلم الذي تريده الأمة هو الشاب صاحب القلب النقي والنفس المشرقة والعقل الذكي، الشاب المتوثب بالحياة الدافعة الزاخرة بكل ما هو عظيم لأنه من نسل العظماء، والذي يعيش بعين امتلأت بمآسي الأمة وآلامها فهو المعذب والمسهد حتى يذب عن أمته الأذى، هو الشاب صاحب الحياة المضيئة لأن حياته قبسٌ من نور الحقيقة يتلوى ويمتد ويندفع لا سكون له ولا خمود يضيء للأجيال على مر القرون لا تخمده فتنة ولا يقيده الحديد لأنه بفكرته قبل أن يكون بجسده.
إن الأمة تريد جيلاً من الشباب المؤمن الذي امتلأ بصفات الخير والهداية، تريد جيلاً قويًّا أبيًّا يفلح الآفاق البشرية ليبذر بذرة الخير.
هذا الجيل الفذ والشباب الطموح يجب أن تتوفر فيه مطالب سامية، ويجب عليه السعي الجاد المثمر حتى يكتسبها ولو كانت قرن الشمس.
مختارات