" من أشراط الساعة "
" من أشراط الساعة "
* أعظم أشراط الساعة:
خروج المهدي المنتظر، عبد من ذرية نبينا صلى الله عليه وسلم، يوافق اسمه اسم نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو محمد ابن عبد الله، من ذرية الحسن بن علي، على ما عليه أكثر المحققين من العلماء، أجلى الجبهة، وأقنى الأنف، يملك الأرض سبع سنين، يملأها عدلاً، كما ملئت جورًا وظلمًا، أخبر ذلك نبينا صلوات الله وسلامه عليه(أخرجه أحمد وأبو داود) فإذا خرج هذا العبد الصالح حارب أهل الكفر والطغيان سنين حتى يكون في أيامه خروج المسيح الدجال.
* والمسيح الدجال: يخرج في آخر الزمان وظاهر السنة أنه ما زال حيًا يرزق، كما جاء في حديث الجساسة من حديث تميم بن أوس الداري رضى الله عنه عند مسلم وغيره من أصحاب السنن فيخرج هذا الرجل فتنة للناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة هي أعظم من الدجال» (أخرجه مسلم).
وقد حذر عليه الصلاة والسلام من سمع به أن يخرج إليه، وكذلك المؤمن العاقل إذا سمع بالفتن يفر منها قدر الإمكان، فإذا ابتلي بها واجه بمنهاج بين وطريق من مشكاة الوحيين؛ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام: «أنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، فإنه خارج فيكم لا محالة، وما من نبي جاء قبلي نوح فمن بعده إلا أنذر قومه إياه»(أخرجه ابن ماجه).
هذا الرجل له أمارات خلقية، وأمارات خلقية، من أعظم أماراته الخلقية، أن عينه اليمنى كأنها عنبة طافية، ممسوح العين، والجبين الذي عليها، بين عينيه ثلاثة أحرف (ك – ف – ر) يقرأها كل مؤمن بنور الله يجيد القراءة أو لا يجيدها، ويغيب عن قراءتها كل كافر ومنافق أحسن القراءة أو لم يحسن.
تلك الفتن إنما يهدي الله سبحانه وتعالى فيها ويبين بنور الإيمان والتوحيد الذي في القلوب، يمكث في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كأيامنا هذه، يعيث يمينًا وشمالاً، يأمر الأرض الخربة أن تخرج كنوزها فتخرجها فتتبعه كنوزها، قبل خروجه يكون جدب في الديار، وقلة في الأمطار، ومع ذلك يأمر الأرض أن تنبت فتنبت، ويأمر السماء أن تمطر، فتمطر، فتنة من الله سبحانه وتعالى لعباده.
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خروج الدجال من أعظم الفتن»، وأرشد عليه الصلاة والسلام المؤمنين إذا خرج بين ظهرانيهم، أن يقرأوا عليه أوائل وفواتح سورة الكهف.
قال بعض العلماء: إن المناسب في قراءة فواتح سورة الكهف على هذا الطاغية أن المؤمنين الفتية من أهل الكهف، لما خرجوا وقاهم الله سبحانه وتعالى برحمته وفضله في الكهف، يوم أن ضرب الله على آذانهم وقاهم الله سبحانه وتعالى شر الطاغية الذي كان في زمانهم، فمن قرأ من المؤمنين فواتح سورة الكهف أيام خروج الدجال يقيه الله سبحانه وتعالى – إن صدق النية مع الله – فتنة الدجال.
يعيث الدجال في الأرض يمينا وشمالا، لكن تحرم عليه مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما، وكما في حديث تميم بن أوس الداري أن الدجال سأله عن نخل بيسان أيثمر أو لا يثمر؟ فأجابوه: يثمر قال: يوشك ألا يثمر، وسأل عن بحيرة طبرية أفيها ماء، أو ليس فيها ماء؟ فأخبروه أن ثمة ماء فيها، فأخبرهم أنه سيأتي يوم لا يكون ماء فيها، وهاتان أمارتان على وقت خروجه.
وقد قلنا: إنه يخرج أيام المهدي، فيقاتله المهدي، ويلقى المسلمون، والصالحون من عباد الله آنذاك كربًا عظيمًا، الله سبحانه وتعالى أعلم به.
* ثم بعد ذلك وفي حرب المهدي مع الدجال، ينزل عيسى بن مريم – صلوات الله وسلامه عليه – فهي أشراط متتابعة، يتبع بعضها بعضًا، كالسبحة إذا انخرطت، ينزل عيسى بن مريم واضعًا يديه على أجنحة ملك، وقد قال الله سبحانه وتعالى في الكتاب: " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " [النساء: 157، 158] وذكره الله في الزخرف قائلاً: " وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّون " [الزخرف: 57] ثم قال تعالى: " وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ " [الزخرف: 61] أي: علامة، وأمارة من أمارات الساعة.
وقال - سبحانه وتعالى - عن أهل الكتاب: " وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا " [النساء: 159].
ينزل صلوات الله وسلامه عليه كأن في وجهه بللاً، وإن لم يترشح بالماء، فينزل، فما أن يراه عدو الله الدجال حتى يذوب كما يذوب الملح في الماء، لكن عيسى يريد أن يطمئن المؤمنين أن هذا عبد خاسئ لا يملك من صفات الألوهية شيئًا، فيقتل عيسى الدجال بحربة كانت في يده، ليري المسلمين دمه ويطمئنوا على أن عدو الله قد هلك.
فيمكث عيسى والمؤمنون الذين معه ما شاء الله سبحانه وتعالى لهم أن يمكثوا، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير.
* ثم في تلك الأيام يوحي الله - سبحانه وتعالى - إلى عيسى أنني أخرجت عبادًا ليس لأحد بهم قوة، يريد الله قبائل يأجوج ومأجوج، من نسل يافث بن نوح، على نوح الصلاة والسلام، وهم في ردم بناه عليهم ذو القرنين، كما قال الله سبحانه وتعالى عنه: " آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " [الكهف: 96، 97] قبائل لا يحصي عددهم إلا الله - سبحانه وتعالى - يخرجون في آخر الزمان وهم ما يزالون اليوم ساعين في أن يفتحوا ذلك الردم.
دخل عليه الصلاة والسلام، كما عند البخاري ومسلم وغيرهما على زينب بنت جحش قائلاً: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج» - وحلق صلى الله عليه وسلم بأصبعيه – بين الإبهام والسبابة(أخرجه البخاري ومسلم) وهذا يدل على أنهم ساعون في حفره، لكن الله - سبحانه وتعالى - كلما حفروا شيئًا منه رد الله - سبحانه وتعالى - ما حفروه على ما كان، ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً، حتى يأتي اليوم الذي يأذن الله - سبحانه وتعالى - بخروجهم فيخرجون.
قال الله - سبحانه وتعالى -: " حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ " [الأنبياء: 96، 97] فيخرجون يعيثون في الأرض فسادًا.
فيفر عيسى والمؤمنون الذين معه إلى جبل الطور من أرض سيناء، ويمكث هؤلاء يفسدون في الأرض، فيشربون بحيرة طبرية، يشربها أولهم، ولا يبقى لآخرهم شيء ويعيثون في الأرض فسادًا، ثم إنهم لما لم يبق لأحد من أهل الأرض بهم يدان يرمون النشاب إلى السماء، فيرد الله رأس الرمح أحمر فتنة لهم، فإذا رأوه أحمرَ قالوا: قهرنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء.
ثم إن عيسى عليه الصلاة والسلام يدعو الله سبحانه وتعالى عليهم فيستجيب الله له، فيبعث الله - سبحانه وتعالى - على رقابهم دودًا يكون هلاكهم على يديه، فيموتون فرسى (جمع (فريس) وهو القتيل) كأنهم نفس واحدة، فسبحان ربك الذي يحيى ويميت، ويبدئ ويعيد، ولا يبقى إلا ملكه، ولا ذلة إلا بين يديه، ولا عزة إلا بطاعته.
فإذا ماتوا ينزل عيسى عليه السلام والمؤمنون الذين معه، فيدعو الله - سبحانه وتعالى - عليهم كرة أخرى، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت تحملهم وتلقيهم في البحار، ثم ينزل الله سبحانه وتعالى مطرًا لا لأهل زرع، ولا لأهل ضرع، وإنما ليغسل الأرض من نتنهم وزهمهم فتصبح الأرض بيضاء نقية.
فإذا نزل عيسى والمؤمنون الذين معه لا يعبد في تلك الفترة إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يبقى على ظهر الأرض كافر، لأن عيسى لن يقبل إلا اِلإيمان، أو يخيرهم بين القتل والإيمان، فتوضع الجزية، ويكسر الصليب، ويعيش الناس كأنعم ما يعيشون على وجه الأرض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للعيش بعد المسيح، طوبى للعيش بعد المسيح، كل ذات حمى أي: كل ذات بغضاء وشحناء وحقد وشر ينزعها الله سبحانه وتعالى من قلبها» حتى أخبر صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق – أن الطفل الوليد الرضيع يضع أصبعه في فم الحية فلا تضره ولا تعضه، ويتعرض الوليد الصغير للأسد فلا يضره أبدًا، ويكون الذئب بين الغنم كأنه كلبها، ويأمر الله سبحانه وتعالى الأرض أن تخرج بركتها، وأن تنبت ثمرتها، فلو أن عبدًا من عباد الله غرس حبة على صخرة ملساء لأنبت الله سبحانه وتعالى غرسها وكل ذلك بأمره – تبارك وتعالى -.
* فيكون الناس على هذا ما شاء الله لهم أن يكونوا، ثم يقبض عيسى عليه الصلاة والسلام ثم يقبض المؤمنون شيئًا فشيئًا، ويقل الخير في الناس، ويقبض الأخيار (يوشى كما يوشى الثوب) أي يذهب شيئًا فشيئًا، يسرى على القرآن في ليلة واحدة فلا يمكث على ظهر الأرض ولو آية، ويأتي ذو السويقتين من أرض الحبشة إلى الكعبة فيهدمها ويقلعها حجرًا حجرًا، ويستخرج كنوزها، ويسلبها حليها، ولا يبقي منها شيء، ولا تُؤم الكعبة بعده، فلا يؤدى فيها عمرة ولا حجة.
* تهدم الدنيا تدريجيًا على هذا، حتى تخرج الدابة، كما قال الله تعالى: " وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ " [النمل: 82] تخطم الناس وتسمهم على خراطيمهم، فينشأ الناس بعد ذهابها، فيشب الصغير ويصبح كبيرًا، فإذا باع ثوبًا أو اشتراه، فسئل ممن اشتريته؟ قال: اشتريته من ذلك الرجل المخطوم أي: الذي خطمته الدابة ووسمته، يبقى الناس على هذا حتى تأتي الشمس تستأذن ربها سبحانه وتعالى كما تستأذنه كل يوم – أن تخرج وتطلع على الناس من المشرق، فلا يأذن العلي الكبير لها، فتطلع على الناس من المغرب، فإذا رآها الناس آمنوا وقت لا ينفع الندم.
قال الله سبحانه وتعالى: " يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا " [الأنعام: 158] يومها يغلق الله سبحانه وتعالى باب التوبة، فلا يتوب الله سبحانه وتعالى بعد طلوع الشمس من مغربها على أحد.
مختارات