" كيف ترق القلوب "
" كيف ترق القلوب "
وأما كيف السبيل إلى رقة القلب وانكساره، فلا يكون ذلك إلا بتشخيص دائه وعلته، والعزم على قلعها من القلب واجتثاثها، وإحلال الدواء والعلاج مكانها.
قال رجل للحسن يا أبا سعيد ! أشكو إليك قسوة قلبي قال: أدنه من الذكر !.
وقد روي أن رجلا سأل عائشة رضي الله عنها: ما دواء قسوة القلب؟ فأمرته بعيادة المريض وتشييع الجنائز، وتوقع الموت !.
وشكا رجل إلى مالك بن دينار قسوة قلبه فقال: أدمن الصيام، فإن وجدت قسوة فأطل القيام، فإن وجدت قسوة فأقل الطعام.
وسئل ابن المبارك: ما دواء قسوة القلب قال: قلة الملاقاة.
وقد ذكر الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلاما جميلا في بيان أسباب رقة القلب فقال: لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلب ذكر الله ـ عز وجل.
ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، فجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك صدأ، فإذا ذكره جلاه.
وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب.
وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبا على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب: لم ينطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه.
فإذا تراكم عليه الصدأ واسود، وركبه الران ! فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقا، ولا ينكر باطلا، وهذا أعظم عقوبات القلب، وأصل ذلك من الغفلة، واتباع الهوى، فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره قال تعالى: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " (الكهف: 28 ) (صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب ص80).
إذًا، فرقة القلب سبيلها الطاعة ثم الذكر والاستغفار.
فأما الطاعات فلأن الطاعة نور يزداد القلب بها نورا وضياء، قال تعالى: " نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ".
وعن محمد بن حامد قال: قال أحمد بن خضرويه: القلوب أوعية، فإذا امتلأت من الحق أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح، وإذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح.
وأما الاستغفار والذكر فإنه يصقل القلب ويذهب ظلمته وغفلته، ويجدد فيه الحياة، فعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» (رواه البخاري 11/206 الفتح، ومسلم (6/68 النووي).
وأهم الطاعات التي تحصل بها رقة القلب:
1- أداء الفرائض كما أمر الله جل وعلا.
2- اجتناب الكبائر والصغائر، لاسيما الكذب والغيبة والحسد والنميمة.
3- الاشتغال بذكر الله ـ جل وعلا ـ أو المداومة على أذكار الصباح والمساء، وملازمة الاستغفار على سائر الأحوال.
4- الرحمة بالضعفاء والمساكين والدنو من الفقير والمحتاج، وزيارة المريض، واتباع الجنائز، فإن هذه الأعمال تحيي في القلب الانكسار، وتجعله مراقبًا لنعمة الصحة متعلقا بالله ـ راغبًا في عفوه، ورحمته.
5- تدبر الآخرة، والتفكر في القيامة وأحوالها ومنازلها ومشاهدها، وما أعده الله للعصاة من عذاب ونكال وجحيم، وما أعده لعباده الصالحين من نعيم.
6- الخلوة بالنفس ومحاسبتها، وتجديد الإيمان فيها بالتفكر في آيات الله وآلائه.
7- البعد عن الخلطة السيئة، وإصلاح خواطر القلب الضارة فإنها باب الشر وأصله.
عن علي بن الحسين قال: قال أبو تراب: ليس من العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلب.
مختارات