" قم وانهض وأسأل الله "
" قم وانهض وأسأل الله "
روى في السنن عن علي بن أبي طالب –عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يذنب ذنبا فيتوضأ ويحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له» وقرأ هذه الآية: " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " (سورة آل عمران: 135) (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه) إذاً قم وانهض وامسح عن قلبك ران البعد، وواظب على الطاعة ثم رجاء الله فهل ينبت البذر دون تفقد الأرض؟ عزيمة وإرادة تصميم وشجاعة، تجاهد بها جيوش إبليس، فقد قطع على نفسه العهد، كما جاء في قوله تعالى: " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " (سورة ص: 82-83).
وفي المقابل ذكر الله عز وجل: " إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا " (سورة النساء: 76)، قم واسأل الله أن يشرح صدرك فقد سأله موسى –عليه السلام- وهو نبي قال: " رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي " (سورة طه: 25). عندما أراد أن يواجه فرعون الظالم الطاغية.
قلها وواجه عدوك إبليس بها، وحطم سلاسله الغلاظ بنور التوحيد، قل في تسليم ويقين: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
استعن بالله ولا تعجز، استأنف المسير، حطم ظلام الماضي تعهد نفسك، راجع سجلات حياتك، واطمس ظلمة المعاصي بنور الصلاة والإيمان.
صحح توبتك واستغفر ربك على ما مضى، ولا يكن استغفارك بلسانك فقط، أسع في فكاك رقبتك، فالمولى عز وجل يقول: " وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " (سورة آل عمران: 30) قم الآن توضأ وتتطهر فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب المستغفرين، قم طهر سرك وقلبك، ماذا تنتظر؟ لا يكن قلبك بليدا لا يستيقظ إلا إذا حل به البلاء، ألا تحب الله؟ ألست مشتاقا لمناجاته؟ ألست بحاجة لمن تأنس بقربه؟ ألا تريد أن يسكن قلبك ويطمئن من قلقه؟ إذاً لا تدع قلبك أرضا صلبة سبخة لا تقبل بذرا ولا تمسك ماء ولا تنبت زرعا وثق في أن الله سيبدل سيئاتك حسنات إذا تبت توبة نصوحا يقول الله سبحانه: " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " (سورة الفرقان: 70).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة أخرى حتى يخرج إلى الأرض»(أحمد والطبراني).
إذاً قم جرب، انطرح بين يديه، وقل: اللهم إني عائد إليك فاقبلني، فهو كريم غفور رحيم.
الجأ إليه.. وقل: يا رب يا من تحب التوابين والمستغفرين إني تائب فاغفر لي.
قل: يا من بذكره تطمئن القلوب اجعلني من الذاكرين.
قل: يا من خشعت له قلوب المحبين اجعلني من أحبابك الخاشعين.
اصرف جهدك كله لله، تضرع إليه بالدعاء، واسأله أن يثبتك، لأن العمر سريع الزوال، فقد أكون أنا وأنت الليلة أو غدا من أهل القبور.
حطم إبليس وجنوده وعقباته، وحطم قياده، فلكل ذات إنسانية سلاحها، وسلاح المسلم صلاته وإيمانه واستغفاره ينمو بنموها ويضمر بضمورها.
سلام عليكم يا من كنتم لا تصلون، سلام عليكم يا من كنتم تذنبون وتعصون فالله سيغفر لكم إذا رجعتم وأخلصتم لله وعزمتم نادمين على ألا تفرطوا في إيمانكم وفي صلاتكم.
وستباشر السكينة قلوبكم إن شاء الله ويسكن خوفكم وتهدأ نفوسكم، وستخرجون بإذن الله من دائرة قوله تعالى: " فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " (سورة الماعون: 4-5).
ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على خواص خلقه بقوله: " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا " (سورة الفرقان: 65) ويقول سبحانه مخوفا أولياءه من النار: " لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ " (سورة الزمر: 16).
إذاً أيها السائر في طريق الحياة، جهاد النفس، طويل، وطريق محفوف بالمكاره، مذاقه مر وملمسه خشن، فعليك بالسير في ركاب التائبين والمستغفرين حتى تحط رحالك في جنات عدت، فالآن نادي بنداء الإيمان الصادق وردده بيقين: " رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ " (سورة آل عمران: 193) (احترز وكن من أهلها، خيرية محسن الحارث).
مختارات