" لا ترجُ غير الله "
" لا ترجُ غير الله "
عن أبي حسان الزيادي قال: لحقني ما يلحق الرجال من الشدائد، واقتضاني جماعة كنت أعاملهم فيما أحتاج إليه لمنزلي ما لهم عليَّ، وألحت رقاعهم فيه، فشكوت ذلك إلى زوجتي فقالت: نشدتك الله ألا ما اقتصرت على الله تبارك وتعالى ولا ترجُ أحدًا من خلقه.
ففعلت ذلك، وكان لي دهليز واسع ينوب عن مجلس في الدار، كنت أجتمع فيه مع الفقهاء، ونتناظر في دقائق الفقه، فإني لجالس فيه تلك العشية، وهو خالٍ ممن كان يغشاه، إذ دخل إليَّ رجل من الخراسانية يريد الحج، وكان الوقت قريبًا من وقت المسير إلى الحج فقال لي: أصلحك الله إن رأيت أن تقبل مني هذه البدرة من الدراهم وديعة إلى رجوعي من الموسم، قلت: أفعل، فأخذتها منه مضمونة، فعمدت إليها ففضضت عنها خاتمها وقسمتها في معاملتي، وفي سائر مهماتي حتى استنفدتها وقضيت كل دين كان عليَّ. فلما أصبحت ركبت وأطلت، ثم رجعت ووجدت الخراساني على الباب ينظرني، وهو قد بدا له عمَّا عزم عليه من الخروج إلى مكة، فلما رأيته ضاقت بي الأرض وقال لي: احتجت إلى تلك الوديعة.
قلت له: ليس أصل إليها الساعة، فعد إليَّ غدًا نقبضها إن شاء الله، فانصرف ودخلت إلى زوجتي فأعلمتها بذلك فقالت لي: ارجع إلى الله عز وجل في أمرك، فليس يملك كشف هذا الكرب عنا غيره.
فرجعت أتضرع إلى الله عز وجل في تلك الليلة، في إسدال ستره، وتعجيل فرجه، وفزعت إليه بهمي وكربي. ثم ركبت بغلتي في الغلس، وأنا لا أدري أين أتوجه، فعبرت الجسر وأخذت نحو المخرم، وما في نفسي أحد أقصده واستقبلني رجل راكب فقال لي: إليك بعثت، قلت: ومن بعثك؟ قال: دينار بن عبد الله، فأتيته فدخلت عليه وهو جالس فسألني عن خبري وشأني فقلت له: ما الذي أوجب إرسالك إليَّ وسؤالك عن شأني؟ قال: ما نمت هذه الليلة إلا أتاني آتٍ يقول: «أبو سفيان الزيادي تعرف خبره واكفه ما أهمه» فحدثته حديثي، فدعا بعشرين ألف درهم، فدفعها إليَّ، فرجعت فصليت في مسجدي صلاة الصبح، وجاء الخراساني فوفيته بدرته بتمامها وكمالها، وأنفقت باقي المال في حوائجي، وتوسعت والحمد لله كشاف الكرب (كتاب المستغيثين بالله).
مختارات