" حين ينتصر الإيمان !! "
" حين ينتصر الإيمان !! "
«راوية» فتاةٌ متدينة، ابتلاها الله تعالى بأب فاجر، لا يقيم لأوامر الله وزنًا، ولا يبالي بشرائع الإسلام، فأخذ يتحلل من أوامر الله ويخالفها، باسم التحرر والتحضر والتيسير وعدم التشدد في الدين، وما درى أن هذا في الحقيقة ليس بتحضر ولكنه تخلف ورجعية وهمجية، وكان هذا الأب الفاجر، يحارب ابنته الملتزمة، بشتى الوسائل، وبمختلف الطرق؛ لتتراجع عن درب الهداية والاستقامة الذي سلكته، ووجدت فيه ما كانت تبحث عنه من سعادة قلبية وانشراح صدرٍ !!
فكان يأخذ كتبها وأشرطتها الدينية، ثم يجمعها ثم يَحْرِقُهَا أمام عينيها، وهو يضحك ويقهقه بصوت مرتفع، وراوية لا تملك إلا الدموع لتعبر عما تشعر به في قلبها من لوعة وحزن وأسى، وما تعانيه في فؤادها من ألم ومرارة !! وأحيانًا كان يدخل عليها في غرفتها، وهي تصلي في ظلام الليل، فيقطع عليها صلاتها، وينزع عنها حجابها، ويصيح فيها قائلاً: إلى متى تصلين؟ !! أما شبعت من الصلاة؟ !! في ذات مرة، دخل عليها أبوها غرفتها، وقال لها: «رواية» غدًا ستكون عندنا وليمة لبعض أعمامك وأخوالك وأولادهم، ولا بد أن تدخلي للسلام عليهم !! فقالت له راوية: سأسلم على عمي وخالي فقط، ولكنني لن أسلم على أولاد عمي وأولاد خالي، فهم ليسوا لي محارم، ولا يجوز لي أن أكشف لهم وجهي أو أصافحهم بيدي !! فقال الأب: ماذا تقولين؟ !! ما هذا الدين الجديد الذي أتيت به لنا؟ لا بد وأن تسلمي على أولاد عمك وأولاد خالك!! ولا يهمني هذا حلال أم حرام !! المهم أنني ما عندي بنات يخالفن أمري!! ويسودن وجهي بين الرجال !!، أتفهمين ذلك جيدًا !! فقالت له رواية بلسان المؤمنة الصادقة: أبتاه: والله ما كنت لأعصي ربي إرضاء لمخلوق كائنًا من كان !! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» فقال لها أبوها، والغضب يتطاير من عينيه: «راوية» إنني أحذرك من عواقب عصيانك ومخالفتك لأمري !!، وإذا لم تفعلي ما آمرك به، فستندمين ندمًا شديدًا، والله لأنسينك شيئًا اسمه «التزام وحلال وحرام» !! فقالت له رواية: أبتاه: مع احترامي لك، لن أدخل غدًا على أولاد عمي وأولاد خالي، ولن أسلم على أحد منهم !! وليكن ما يكون، وما أحلى العذاب في ذات الله !! وما أجمل الابتلاء من أجل الله !! وهنا هجم عليها أبوها بعنف كالوحش المفترس، فمزق ثيابها، وتناول خشبة كانت بجواره، وانهال عليها ضربًا وركلاً وصفعًا، حتى فقدت وعيها وأُغمي عليها، ونقلت إلى المستشفى، حيث تبين بعد فحصها، أن لديها كسرًا في ضلعين من أضلاع القفص الصدري، وبعد أيام عادت «رواية» إلى بيتها، وبقيت طريحة الفراش، ريثما يلتئم الكسر الذي أصابها !! ومع كل هذه الآلام، لم تسلم راوية من أذى أبيها !!، فكان يقف على رأسها، وهي طريحة الفراش، ثم يقول لها وهي تعاني آلام المرض: هاه !! هل عقلت؟ !!، هل ذهب الجنون من رأسك !! أكيد أنك لن تخالفي أمري بعد الآن !! فكانت «راوية» تُجيبه بصوت واهنٍ ضعيفٍ: أبتاه: سأطيعك في غير معصية الله !! بعد أيام تماثلت راوية للشفاء، وبدأت تتحرك بسهولة، وتستعيد حيويتها، ففوجئت بأبيها يدخل عليها الغرفة وهو يقول لها: عندي لك مفاجأة سارة !!، وسأحضرها لك الآن !! ظنت راوية أن أباها قد شعر بجريمته التي ارتكبها معها، وأحس ببشاعة خطيئته التي اقترفها في حقها، فأراد أن يعتذر لها، ويطيب خاطرها بهدية مناسبة !! ولم يقطع على راوية تلك الخواطر والأحلام الجميلة، إلا مشهد أبيها، وهو يدخل عليها الغرفة حاملاً بين يديه سلسلتين كبيرتين، ثم قال وهو يقهقه ضاحكًا: هذه هي المفاجأة التي وعدتك بها !! عرفت راوية مقصود والدها، ففوضت أمرها إلى الله تعالى، وقالت له: افعل ما تشاء !! اقترب منها أبوها، ثم قادها بعنف، على إحدى دورات المياه التي في البيت، ثم ربط يديها وكبلهما بإحدى السلسلتين!!، وأما السلسلة الأخرى فقد سلسل بها قدميها!!، وزيادة في تعذيب «راوية» فقد ربط طرف السلسلة بحديدة في داخل دورة المياه !! حتى لا تتمكن راوية من الحركة داخل المنزل؛ بل تبقى في مكانها عاجزة كالمشلولة !! استسلمت راوية لقدر الله، وخضعت لابتلائه سبحانه، وكان أبوها يمر عليها من فترة لأخرى، ليرى هل (تابتْ !!) راوية من هذا التشدد والغلو في الدين؟ !! وعادت إلى وعيها ورشدها !!، أم أنها لا تزال في (ضلالها القديم) فكان يرى لسانها لا يفتر عن ذكر الله تعالى، ويراها تزداد كل يوم إصرارًا على موقفها، وثباتًا عليه.
ظلت راوية على هذا الحال المرير لمدة أسبوع كامل، وهي محبوسة بالسلاسل عند باب دورة المياه، لا تستطيع حراكًا ولا ذهابًا إلا إلى الحمام فقط، وكان أبوها يقف عند رأسها، وهي محبوسة بالسلاسل عند باب دورة المياه، ويقول لها: هاه !! هل عقلت؟ أنا ما عندي بنات تخالف أوامري؟ فكانت لا ترد عليه إلا بقوله تعالى: " وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ " [التوبة: 62] فكان الأب يزداد غيظًا وحنقًا على راوية، ويزداد تعجبًا من هذا الإصرار العجيب والثبات النادر على المبدأ، رغم المعاناة والابتلاء.
في ذات يوم، يقدر الله تعالى أن يذهب الأب إلى مخبز مجاور لبيتهم لشراء بعض الخبز، وبينما هو خارج من المخبز، إذ تعثر بقشرة موز ملقاة على درج المخبز، فتدحرج من أعلى درج المخبز إلى أسفله، وتم نقله على الفور إلى المستشفى، وتبين أن لديه كسرًا في ضلعين من أضلاع القفص الصدري، هما نفس الضلعين اللذين كسرهما لابنته «راوية» حين ضربها ظلمًا وعدوانًا !! عاد الأب إلى بيته محمولاً، ووضع على سريره !!، وكان أول شيء طلبه، هو أن يرى ابنته راوية، المحبوسة في قيودها وسلاسلها !!، ففكوا القيود عنها، ودخلت عليه في غرفته، فطلب منها أن تقترب منه، فاقتربت منه، فضمها إلى صدره، وأخذ يقبلها بعنف ويقول: سامحيني يا ابنتي !!، لقد ظلمتك كثيرًا !!، وقد انتقم الله لك مني !!، فأرجوك سامحيني !!، وأعدك من اليوم، أنني سأكون عونًا لك على طاعة الله !! فارتمت «راوية» في أحضانه، وألصقت جسدها بجسده، وهي تقول والدموع تنهمر من عينيها: سامحك الله يا أبي !!، حقًا: " ومن يتق الله يجعل له مخرجًا " (نساء رباهن القرآن).
مختارات