" أبو محجن الثقفي رضي الله عنه ويوم القادسية "
" أبو محجن الثقفي رضي الله عنه ويوم القادسية "
أيها الأخ الحبيب: خذ هذه الرسالة الرقيقة من أبي محجن الثقفي - رضي الله عنه - ذلكم الفارس المغوار الذي إذا نزل الميدان أظهر البطولة والرجولة ولكنه ابتلي بإدمانه لشرب الخمر !! ومع ذلك تراه جنديًا في صفوف القادسية خرج للقتال !! وفي ميدان البطولة والشرف أتى به لقائد الجيش سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - لأنه قد شرب الخمر، فأمر سعد بن أبي وقاص (خال رسول الله) أن يمنع أبو محجن من المشاركة في المعركة وأن يقيد حتى تنتهي المعركة لأنه لا تقام الحدود في أرض العدو... وقيد أبو محجن وبدأت المعركة وارتفعت أصوات الأبطال وقعقعت السيوف والرماح وتعالت أصوات الخيول وفتحت أبواب الجنة (ماذا قدمت لدين الله/ الشيخ محمد حسان).
فصعد أبو محجن الثقفي بعد أن دخل الليل إلى سعد،وهو مشرف من فوق القصر، يستعفيه ويسترضيه، ويسأله أن يفك قيده ويسمح له بالقتال، فزجره سعد ورده إلى محبسه، فنزل إليه، ثم جاء إلى امرأة سعد فقال: يا سلمى، يا بنت آل خصفة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: «تخلين عني وتعيرني البلقاء (فرس سعد)، فلله علي إن سلمني الله أن أرجع إليك، حتى أضع رجلي في قيدي» فقالت: ما أنا وذاك، فرجع إلى مكانه يرسف في قيوده ويقول:
كفى حزنًا أن ترتدي الخيل بالقنا وأترك مشدودًا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصارع دوني قد تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوت وقد تركوني واحدا لا أخا ليا
وقد شارق جسمي أنني كل شارق أعالج كبلا مصمتًا قد برانيا
فلله دري يوم أترك موثقًا ويذهل عني أثرتي ورجاليا
حبسنا عن الحرب العوان وقد وأعمال غيري يوم ذاك
فلله عهدٌ لا أخيس بعهده لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا
فراجعت سلمى نفسها، وقالت:إني استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته،وقالت: أما فرس فلا أعيرها، ورجعت إلى بيتها، فاقتاد أبو محجن الفرس، فأخرجها من الباب الخلفي للقصر المواجه للخندق - وكان يقال لها: البلقاء - فركبها ثم دب عليها، واتجه إلى الميمنة حيث قومه من بني ثقيف، فكبر،وحمل على بيرة الفرس، يلعب برمحه وسيفه بين الصفين، ثم رجع من خلف المسلمين، واتجه إلى الميسرة، فكبر وحمل على ميمنة المجوس، يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب، فبرز أمام الناس، فحمل على العجم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، فكأن يقصف المجوس ليلتئذ قصفًا منكرًا، ولا يحمل على رجل إلا قتله، ودق صلبه، والناس منه في أشد العجب، وهم لا يعرفونه،ويغلب على ظننا أنه كان ملثمًا، إذ لو كان حاسر الوجه لعرفوه، ولم يكن أحد قد رآه بالنهار.
وكان سعد من أحد الناس بصرًا، فجعل ينظر إليه في ظلام الليل وهو مشرف مكب من فوق القصر ويقول: «من ذلك الفارس؟ » الضبر ضبر البلقاء، والطعن طعن أبي محجن، وأبو محجن في القيد، والله لولا محبس أبي محجن لقلت: هذا أبو محجن، وهذه البلقاء وقال بعضهم: لولا أن الملائكة لا تباشر القتال لقلنا: ملك يثبتنا.... ولا يذكر الناس أبا محجن ولا يأبهون له، لعلمهم أنه بات في محبسه.
وانتصف الليل، فتحاجز العجم وتراجع المسلمون، وأسرع أبو محجن فأقبل حتى دخل من حيث خرج، ووضع عن نفسه وعن دابته، وأعاد رجليه في قيده.
وفي اليوم التالي أتت سلمى سعدًا وأخبرته خبرها، وخبر أبي محجن، فسامحه سعد، ودعا به فأطلقه (القادسية لأحمد عادل كمال بتصرف).
مختارات