" معاقبة النفس على تقصيرها "
" معاقبة النفس على تقصيرها "
اعلم أن العبد إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيرًا، أو فعلت شيئًا من المعاصي فلا ينبغي أن يهملها؛ فإنه يسهل عليه حينئذ مقارفة الذنوب، ويعسر عليه فطامها، بل ينبغي أن يعاقبها عقوبة مباحة كما يعاقب أهله وولده.
وكما روي عن عمر رضى الله عنه أنه خرج إلى حائط له، ثم رجع وقد صلى الناس العصر. فقال: إنما خرجت إلى حائطي، ورجعت وقد صلى الناس العصر، حائطي صدقة على المساكين. قال الليث: إنما فاتته الجماعة، وروينا عنه أنه شغله أمر عن المغرب حتى طلع نجمان، فلما صلاها أعتق رقبتين.
وحكي أن تميم الداري رضى الله عنه نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع.
ومرَّ حسان بن سنان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك ! والله لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها.
فأما العقوبات بغير ذلك مما لا يحل، فيحرم عليه فعله، مثال ذلك: ما حكي أن رجلاً من بني إسرائيل، وضع يده على فخذ امرأة، فوضعها في النار حتى شلت، وأن آخر حول رجله لينزل إلى امرأة، ففكر وقال: ماذا أردت أن أصنع؟ فلما أراد أن يعيد رجله، قال: هيهات رجل خرجت إلى معصية الله لا ترجع معي، فتركها حتى تقطعت بالمطر والرياح، وأن آخر نظر إلى امرأة فقلع عينيه، هذا كله محرم، وإنما كان جائزًا في شريعتهم. وقد سلك نحو ذلك خلق من أهل ملتنا، حملهم على ذلك الجهل بالعلم، كما حكي عن غزوان الزاهد: أنه نظر إلى امرأة، فلطم عينه حتى نفرت.
وروينا عن بعضهم: أنه أصابته جنابة وكان البرد شديدًا، وأنه وجد في نفسه توقفًا عن الغسل، فآلى أن لا يغتسل إلا في مرقعته، وأن لا ينزعها ولا يعصرها، فكانت شديدة الكثافة تزيد على عشرين رطلاً. وهذا من الجهل بالعلم، فإنه ليس للإنسان أن يتصرف في نفسه بمثل هذا. وقد ذكره كثيرًا من هذا الفن الصادر عن المتعبدين على الجهل في كتابي المسمى بـ [تلبيس إبليس].
مختارات