اعترافات أهل النار ....«يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول»
اعترافات أهل النار....«يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول»
هذا الاعتراف سجله القرآن الكريم على لسان أصحاب النار، دار الخزي والبوار، وذلك يوم القيامة " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ " (غافر: 52).
إنه ليس اعترافًا واحدًا ولكنها اعترافات كثيرة تبدأ من حين خروجهم من القبور إلى أن يؤتى بالموت فيذبح بين الجنة والنار وينادي مناد: يا أهل الجنة، خلود ولا موت.. ويا أهل النار خلود ولا موت.. فإذا نفخ في الصور النفخة الثانية، انتفضوا من القبور، ومضوا سراعًا وهم في خوف شديد وذعر.. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وهم يقولون: " يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا " (يس: 52) ثم تزول عنهم الدهشة فيعترفون ويقولون: " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ " وحينئذ لا يملك الكافر إلا أن يعض على يديه أسفًا وندمًا وهو يقول: " يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً " (الفرقان: 27-29). ويندم على مصاحبة الأشرار المضلين فيقول: " يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً " عند ذلك يتوجه الكفار إلى ربهم وخالقهم قائلين: " رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ " (غافر: 11) ولكن هيهات.. فقد كانوا في الدنيا يدعون إلى الإيمان فيكفرون.. ثم ينزل الله سبحانه وتعالى لفصل القضاء فيقضي بين البهائم العجماوات حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء وذلك من كمال عدله سبحانه، ثم يقول لها كوني ترابًا فتكون ترابًا، فإذا نظر الكافر إلى ما قدمت يداه وعلم مصيره صرخ قائلاً: " يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا " (النبأ: 40).
ثم يقضي الله بين العباد، فيعطى كل إنسان كتاب أعماله، فيأخذون كتبهم بشمائلهم من وراء ظهورهم، فإذا نظروا فيه قالوا: " يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " (الكهف: 49) عند ذلك يقول الكافر والألم يعتصر قلبه وفؤاده: " يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " (الحاقة: 25-32).. فيأمر الله ملائكته أن: " خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ " فتوضع الأغلال في أيديهم وأعناقهم والسلاسل في أرجلهم.. ويسحبون في النار على وجوههم.. تلك الوجوه التي أبت أن تسجد لله في دار الدنيا، ثم تقلب وجوههم في النار فيصرخون فيها من شدة الألم ويقولون: " يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا " (الأحزاب: 66-68).. ثم يتذكرون أن دخولهم النار إنما كان بسبب طاعة السادة المضلين وكبراء القوم فيقولون معترفين: " رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا " ثم بعد ذلك تتوالى أفواج الكفار وهم يلقون في النار " كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " فيجيبون معترفين: " بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ".. ثم يقولون نادمين: " لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " " فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ " (الملك: 8-11) ثم ينادون ربهم قائلين: " رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ " فيأتيهم الجواب: " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ " (فاطر: 37) ورغم تلك الهموم والغموم والأهوال لا تزال لديهم بارقة أمل في النجاة من النار والخروج منها فينادون ربهم بصوت منكسر محزون: " رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ".. فيجيبهم الله بعد زمان: " اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ " (المؤمنون: 106-108) وحينئذ تنقطع منهم الآمال، ويخلدون في نار جهنم جزاء ما قدموه من الأعمال، " كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " (البقرة: 167).
هذه بعض اعترافات أهل النار.. وفي القرآن الكريم أضعاف ما ذكرناه فالله المستعان.
مختارات