أبطال مصر
أبطال مصر:
وأما أبطال مصر الذين كانت لهم أياد بيضاء على أهل الإسلام فهم جملة وافرة كبيرة من الصحابة والتابعين الذين فتحوا مصر واستقروا بها، ومن ثم اتخذوها قاعدة لفتح الشمال الإفريقي، والكلام عنهم يطول لكني إنما أريد أن آتي بأبطال العصر الوسيط والحديث، لأنهم ممن تخفى تراجمهم أو يخفى أثرهم في مصر على غير المختصين، فمن هؤلاء الأمير الكبير حسام الدين لؤلؤ، أحد أكابر الأمراء في دولة صلاح الدين الأيوبي، وهو المسؤول عن الأسطول البحري المصري فكان شوكة في حلق الفرنجة، قال فيه الإمام ابن كثير: كان " البحر في البحر، فكم من شجاع قد أسر، وكم من مركب قد كسر، وكم من أسطول لهم قد فرّق شمله، ومن قارب قد غَرّق أهله، وقد كان مع كثرة جهاده دارّ الصدقات، كثير النفقات في كل يوم، وكان بديار مصر غلاء شديد فتصدق باثني عشر ألف رغيف لاثني عشر ألف نفس فجزاه الله خيراً، ورحمه في قبره، وبيض وجهه يوم محشره ومنشره، آمين ". ولما عمل أرناط الصليبي أمير الكرك مراكب في البحر الأحمر لينفذ بها إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ملك مصر العادل أبوبكر بن صلاح الدين الأمير حسام الدين لؤلؤ صاحب الأسطول أن يدرك أسطول الفرنجة ويحمي قبر النبي صلى الله عليه وسلم ففعل وأدرك أسطول الفرنجة فحرّق منه وغَرَّق، وسبى وأسر وقهر، وقَتَل بأمر من صلاح الدين نفسه كل من شارك من الصليبيين في هذه الحملة لأنهم اطلعوا على طريق الحجاز البحري، ولم يكن صلاح الدين يريد أن يبقى واحد من أولئك حياً حتى لا يعيد الكرة. وقد أنجد حسام الدين لؤلؤ صلاح الدين في حصار عكا بخمسين سفينة، فلما وصل الأسطول إلى سواحل عكا حاد عنه الأسطول الصليبي يمنة ويسرة خوفاً منه، ولله الحمد والمنة "، فرحم الله تعالى ذلك البطل الكبير.
ومن أبطال مصر واليها المشهور صلاح الدين الأيوبي الذي عاش فيها مدة طويلة وقد صُقل في مصر، واكتسب تجارب وخبرات أهلته للسلطنة فيما بعد. وكان له الفضل بعد الله -تعالى- في إنهاء الدولة العبيدية الرافضية الميمونية القداحية اليهودية التي تنسب زوراً وبهتاناً إلى فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فيقال الدولة الفاطمية، فأنهى الدولة وأعاد مصر للخلافة العباسية. وكان له الفضل بعد الله -تعالى- في إنقاذ مصر من الصليبيين المتربصين بها سوءاً، وفي ذلك كلام يطول وأحداث كثيرة لا يسعني إيرادها هاهنا. أما فتحه بيت المقدس فتلك قصة جليلة رائعة، طويلة الذيول، كثيرة التفاصيل، لا أستطيع ايرادها في هذه العجالة، ولأني لا أورد -هاهنا- إلا ماله علاقة مباشرة بمصر والمصريين.
وإن ينس التاريخ أبطالاً فلن ينسى أبداً أبطال مصر الذين ردوا الحملة الصليبية الذي جاء على رأسها لويس التاسع ملك فرنسا واستولى على دمياط، فكمن له أبطال مصر وأذاقوه سوء العذاب، وأبادوا من جيشه عشرات الآلاف، وحبسوه في دار ابن لقمان بالمنصورة ووضعوا القيد في رجليه، ووكلوا به حارساً يُدعى صَبيحاً، وكانت وقعة جليلة، ولما عاد إلى بلاده ذليلاً مهيناً بعد فداء نفسه بمبلغ ضخم من المال حدثته نفسه بالعودة إلى الديار المصرية، فأنشأ الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح قصيدة رائعة وبعثها إليه فأحجم عن المجيء وأخذ الثأر، وهى:
قل للفرنسيس إذا جئتَه مقالَ صدق من قؤول فصيح
أتيت مصر تبتغي مُلْكها تحسب أن الزمر يا طبلُ ريح
وكلُّ أصحابك أودعتَهم بحسن تدبيرك بطن الضريح
وفقك الله لأمثالها لعل عيسى منكمُ يستريح
آجرك الله على ما جرى من قتل عُبّاد يسوع المسيح
فساقك الحَيْنُ إلى أدهم ضاق به عن ناظريك الفسيح
خمسون ألفاً لا ترى منهم إلا قتيلاً أو أسيراً جريح
إن كان باباكم بذا راضيا فرُب غش قد أتى من نصيح
لأخذ ثأر أو لقصد صحيح وقل لهم إن أضمروا عودة
دار ابن لقمانَ على حالها والقيد باقٍ والطواشي صَبيح
ومنهم البطل الكبير قطز سلطان المماليك الذي كان له الأثر العظيم في معركة عين جالوت، وأوقف المد التتري الهمجي، وقد نصره الله -تعالى- ببركة طاعة سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وكان قطز قد أدخله المجلس الحربي الذي عقد في القاهرة سنة 658، وقد ناهز العز الثمانين من عمره المبارك، يوم كان للعلماء رونق وبهجة وجلالة وسلطان على نفوس الحكام، وطلب قطز من العز أن يجوِّز للمماليك جمع ضريبة من المصريين من أجل جهاد التتار، فامتنع العز إلا بعد أن يجمع قطز كل أموال المماليك وحليهم وحلي نسائهم عنده وأن يقتصر كل الأمراء على دوابهم وسلاحهم فقط ويتساووا مع العامة ثم ينظر -إن لم يكف ذلك- في أمر الضرائب، أما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا، ففعل قطز ذلك ولم يسعه مخالفة العز البطل العظيم، ثم رأى العز أن ذلك غير كافٍ للجهاد فأفتى بأخذ الضرائب من المصريين، ثم قال للمجلس الحربي قولة عجيبة جداً: اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر، وما قال العز ذلك جرأة على الله -تعالى- ولا رجماً بالغيب إنما قاله لمعرفته بالسنن وأن المسلمين قد وصلوا إلى حد الاضطرار والله -تعالى- قد قال: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) ثم خرج المماليك إلى لقاء التتار وكان ما كان من نصر عظيم مؤزر قاده البطل العظيم قطز، وساعده الظاهر بيبرس الذي طهر الأرض من التتار وأتبعهم بأبطال المماليك إلى أن أخرجهم من العراق، ولله الحمد والمنة.
ومن أبطال المصريين الأشرف خليل بن قلاوون (ت 693) الذي طهر الساحل الشامي من الصليبيين وأخرجهم من آخر معاقلهم عكّا سنة 690، بعد وفاة البطل صلاح الدين بقرن كامل، وكتب الله هذا الشرف للأشرف خليل -رحمه الله تعالى- وكان بطلاً شجاعاً مقداماً مهيباً، عاليَ الهمة، يملأ العين، ويُرْجِف القلب، وقد فتح إضافة إلى عكا بيروت وصور وصيدا وقلاعاً أخرى بحيث انقطع أثرهم تماماً من البلاد الشامية، ولله الحمد والمنة.
ومن أبطال مصر العالم الكبير ونقيب الأشراف عمر مكرم، وقد ذكرت صوراً من بطولته في سلسلة " عظماء منسيون في التاريخ الحديث " فليرجع إليها من شاء.
ومن أبطال المصريين محمد كريّم والي الإسكندرية زمن الحملة الفرنسية الباغية الهمجية على الديار المصرية 1213/1798 فقد قاتل قتال الأبطال وفعل كل ما في وسعه، لكن الأمر كان أكبر منه، وقتله نابليون بعد ذلك صبراً فى القاهرة وغدراً بعد أن طلب منه فدية ضخمة عجز عن دفعها، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
ومن أبطال مصر أحمد عرابي الذي ثار على الخديو توفيق عميل الانجليز، وحارب الإنجليز في وقت جبن فيه أكثر الناس وقعدوا، وله هنات وعليه بعض المؤاخذات في أخطاء ماكان له أن يفعلها وقد بينتها في حلقات الحملة الانجليزية على مصر، وقد بُثت في قناة اقرأ،لكنه – في الجملة - بطل في وقت عز فيه وجود الأبطال،وقد حاول وبذل مافي وسعه لكن الأمر كان أكبر منه، فرحمه الله رحمة واسعة هو وإخوانه الضباط الأبطال وعلى رأسهم الشاعر المصري الكبير الذي جدد الشعر بعد موات الضابط محمود سامي البارودي.
ومن أبطال مصر الضابط الكبير أحمد عبدالعزيز الذي دوخ إخوان القردة في فلسطين وكان له من جلائل الوقائع ما يُسطّر بمداد من نور على وجنات الحور، لكن إعلامنا إعلام رقص وغناء وتطبيل وتمثيل وإلا فأين هو من أولئك العظماء الكبراء، هذا وقد جاء فى موسوعة " ويكيبيديا " موجزاً لجهاده واستشهاده، أوجزه بالتالي: بعد قرار تقسيم فلسطين وانتهاء الانتداب البريطاني في 14 مايو 1948م وبعد ارتكاب العصابات الصهيونية لمذابح بحق الفلسطينيين العزل ثار غضب العالم العربي والإسلامي وانتشرت الدعاوى للجهاد في كل أرجاء الوطن العربى.
كان أحمد عبد العزيز أحد الذين استجابوا لدعوة الجهاد، فقام بتنظيم المتطوعين وتدريبهم وإعدادهم للقتال في معسكر الهايكستب، وقد وجهت له الدولة إنذاراً يخيره بين الاستمرار في الجيش أو مواصلة العمل التطوعي فما كان منه إلا أن طلب بنفسه إحالته إلى الاستيداع وكان برتبة القائمقام (عقيد). بعد أن جمع ما أمكنه الحصول عليه من الأسلحة والذخيرة من قيادة الجيش وبعض المتطوعين وبعض الأسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية بعد محاولة إصلاحها اتجه إلى فلسطين. دخل الجيش المصري فلسطين عام 1948م ودخلت قوات منه إلى مدن الخليل وبيت لحم وبيت صفافا وبيت جالا في 20 مايو 1948م، وكانت هذه القوات مكونة من عدد من الجنود ونصف كتيبة من الفدائيين بقيادة أحمد عبد العزيز وكان يساعده اليوزباشي كمال الدين حسين واليوزباشي عبد العزيز حماد وكانت هذه القوات مزودة بالأسلحة الخفيفة وعدد من المدافع القوسية ومدافع من عيار رطلين بالإضافة إلى سيارات عادية غير مصفحة. قبل أن يبدأ البطل الجهاد كان يجهز قواته نفسياً فكان يخطب فيهم قائلا: " أيها المتطوعون: إن حرباً هذه أهدافها لهي الحرب المقدسة، وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا أبواب الجنة، ويضع على هاماتنا أكاليل المجد والشرف، فلنقاتل العدو بعزيمة المجاهدين، ولنخشَ غضب الله وحكم التاريخ إذا نحن قصرنا في أمانة هذا الجهاد العظيم... ". بدأ أحمد عبد العزيز أول ما وصل إلى بيت لحم باستكشاف الخطوط الدفاعية للعدو، وكانت تمتد من تل بيوت ورمات راحيل في الجهة الشرقية الجنوبية للقدس بالقرب من قبة راحيل في مدخل بيت لحم الشمالي حتى مستعمرات بيت هكيرم وشخونات هبوعاليم وبيت فيجان ويفنوف ونشر قواته مقابلها.
عندما بدأت قوات الجيش المصري الرسمية تتقدم إلى فلسطين عرضت على أحمد عبد العزيز العمل تحت قيادتها، فتردد في بادئ الأمر لأن عمله مع المتطوعين كان يمنحه حرية عدم التقيد بالأوضاع والأوامر العسكرية ولكنه قَبِلَ في آخر الأمر. وقد وضع الضابط الأردني عبد الله التل- متمرداً على أوامر قيادته- القوات الأردنية في كل المنطقة تحت تصرف أحمد عبد العزيز دون علم قيادة الجيش الأردني لإيمانه بوطنيته وإخلاصه. كانت مستعمرة رمات راحيل تشكل خطورة نظراً لموقعها الاستراتيجي الهام على طريق قرية صور باهر وطريق القدس بيت لحم، فقرر أحمد عبد العزيز يوم 24 مايو 1948م القيام بهجوم على المستعمرة قاده بمشاركة عدد من الجنود والضباط من قوات الجيش الأردني. بدأت المدفعية المصرية الهجوم بقصف المستعمرة زحف بعدها المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم، ولم يجد اليهود إلا منزلاً واحداً احتمى فيه مستوطنو المستعمرة، وحين انتشر خبر انتصار أحمد عبد العزيز بدأ السكان يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم، والتفت العدو للمقاتلين، وذهبت جهود أحمد عبد العزيز في إقناع الجنود بمواصلة المعركة واحتلال المستعمرة سدى ووجد نفسه في الميدان وحيداً إلا من بعض مساعديه مما أدى إلى تغير نتيجة المعركة بعدما وصلت تعزيزات لمستعمرة رمات راحيل قامت بعده العصابات الصهيونية بشن هجوم في الليل على أحمد عبد العزيز ومساعديه الذين بقوا، وكان النصر فيه حليف الصهاينة، والمؤرخون يقارنون بين هذا الموقف وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم حين سارع الرماة إلى الغنائم وخالفوا أوامره في غزوة أحد وتحول النصر إلى الهزيمة. القائد المصري أحمد عبد العزيز يفاوض القائد موشي ديان واقفا لرفضه الجلوس معه إلي طاولة واحدة. في الوقت الذي استطاعت قوات الفدائيين بقيادة البطل أحمد عبد العزيز تكبيد العصابات الصهيونية خسائر فادحة فقطعت الكثير من خطوط اتصالاتهم وإمداداتهم، وساهمت في الحفاظ على مساحات واسعة من أرض فلسطين قبلت الحكومات العربية الهدنة مما أعطى للصهاينة الفرصة لجمع الذخيرة والأموال وإعادة تنظيم صفوفهم. قاموا باحتلال قرية العسلوج لقطع مواصلات الجيش المصري في الجهة الشرقية وكانت قرية العسلوج مستودع الذخيرة الذي يمون المنطقة وفشلت محاولات الجيش المصري لاسترداد القرية فاستعانوا بالبطل أحمد عبد العزيز وقواته التي تمكنت من دخول هذه القرية والاستيلاء عليها.
حاول بعدها الصهاينة احتلال مرتفعات جبل المكبر المطل على القدس حيث كان هذا المرتفع أحد حلقات الدفاع التي تتولاها قوات أحمد عبد العزيز المرابطة في قرية صور باهر، ولكن استطاعت قوات أحمد عبد العزيز ردهم وكبدتهم خسائر كثيرة. كان البطل فخوراً بجنوده وبما أحرزوه من انتصارات رائعة مما جعله يملي إرادته على الصهاينة، ويضطرهم إلى التخلي عن منطقة واسعة مهدداً باحتلالها بالقوة، وبعد هذه البطولات التي سطرها جاءت نهاية هذا البطل. في 22 أغسطس 1948م دُعي أحمد عبد العزيز لحضور اجتماع في دار القنصلية البريطانية بالقدس لبحث خرق الصهاينة للهدنة، وحاول معه الصهاينة أن يتنازل لهم عن بعض المواقع التي في قبضة الفدائيين، لكنه رفض، واتجه في مساء ذلك اليوم إلى غزة حيث مقر قيادة الجيش المصري لينقل إلى قادته ما دار في الاجتماع. كانت منطقة عراق المنشية مستهدفة من اليهود فكانت ترابط بها كتيبة عسكرية لديها أوامر بضرب كل عربة تمر في ظلام الليل، وعندما كان أحمد عبد العزيز في طريقه إليها بصحبة اليوزباشى صلاح سالم اشتبه بها أحد الحراس وظنها من سيارات العدو، فأطلق عليها الرصاص، فأصابت إحداها أحمد عبد العزيز فاستُشهد في الحال.
توجد مقبرة البطل أحمد عبد العزيز في قبة راحيل شمال بيت لحم، وله هناك نصب تذكاري شامخ، وقد أحاطته مؤخراً سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسياج من الأسلاك الشائكة والأسوار العالية التي بها فتحات مراقبة لبنائها كنيساً يهودياً بالقرب منه، كما أطلقت رصاصة على شاهد قبره من قبل قوات الاحتلال ولكنها لم تكسره.
وقد سُمي أحد أهم وأرقى الشوارع بمصر على اسمه (شارع البطل أحمد عبد العزيز) تخليداً لذكرى هذا البطل العظيم، ويوجد هذا الشارع بمنطقة المهندسين بالقاهرة " ا.هـ.
ومن أبطال مصر الفريق سعد الدين الشاذلي الذي توفي سنة 1432/2011 وقد كان أسد حرب رمضان سنة 1393/ أكتوبر 1973 وقد غمطه السادات ثم مبارك حقه، وشرداه في الأرض، وأخملا ذكره، وتنكرا لجهده وعمله، ولم يكن يُذكر في الإعلام المصري أبداً حتى توفي، وبعد الثورة المصرية بدأ الإعلام ينصفه، ويبين جزءاً من حقه، وأرجو أن يعوضه الله - تعالى خيراً - في آخرته.
مختارات