مصر والأنبياء
مصر والأنبياء:
أما أهل مصر فيكفيهم شرفاً وفخراً سكنى الأنبياء بين ظهرانيهم ومرورهم ببلادهم، فهذا شيخ الموحدين وأفضل المرسلين بعد نبينا العظيم -عليهما أفضل الصلوات وأتم التسليم- قد مر بمصر في رحلته مع زوجه سارة، وجرى لهما مع جبار مصر ما جرى مما ورد في صحيح الإمام البخاري لمن أراد الرجوع إلى القصة.
ودخلها يعقوب -عليه الصلاة والسلام-. ودخلها الأسباط مراراً وتوفوا ودُفنوا بها.
وسكن مصرَ يوسف -عليه الصلاة والسلام- ونال بها من المكانة والجاه ما لم ينله أحد من الأنبياء والمرسلين ومن عداهما في مصر، وشرفت أرض مصر بدفن جسده الطاهر فيها، ثم نُقل بعد ذلك إلى فلسطين زمن موسى - عليه الصلاة والسلام - في قصة جليلة.
وموسى وهارون -عليهما الصلاة والسلام- ولدا في مصر وعاشا فيها طويلاً، وجرى عليهما في أرض مصر ما جرى من الأحداث العظام مما قصه علينا الله -تعالى- في كتابه الجليل.
ويوشع بن نون فتى موسى وكان نبياً -عليه الصلاة والسلام- ولد بمصر، وعاش فيها، وخرج منها مع موسى، عليهما الصلاة والسلام.
وقيل إن أيوب وشعيباً وأرميا دخلوا مصر أيضاً -والله أعلم-.
ويكفي المصريين شرفاً وفخراً أن خير الأنبياء والمرسلين مطلقاً محمداً وإبراهيم - عليهما أفضل الصلوات والتسليم- كان تحتهما مارية وهاجر المصريتان، فأنجبت الأولى إبراهيم عليه السلام، وأنجبت الأخرى إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- وهو جد نبينا صلى الله عليه وسلم فما أحسن هذا وما أعظمه.
وقيل إن يوسف -عليه الصلاة والسلام- صاهر إليهم أيضاً.
- وإن يفتخر المصريون بشيء بعد هذا فحق لهم أن يفخروا بماء زمزم الذي فُجر إكراماً لهاجر وابنها، فللمصريين فضل في ظهور هذا الماء، والشرف موصول لهم ما بقي هذا الماء على وجه الأرض.
وحَقٌّ على المصريين أن يفخروا بأن هاجر قد خَلّد الله سعيها بين الصفا والمروة جزاء طاعتها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- وأوجب على كل رسول ونبي وسائر مَن حج البيت الحرام أن يسعى سعيها ويجهد جهدها، فما أعظم هذا وما أحسنه.
ولو لم يكن للمصريين فخر وشرف إلا أن هاجر هي جدة النبي الأعظم المفخّم المكرّم محمد صلى الله عليه وسلم لكان هذا كافيَهم، ولذلك قال فيها أبو هريرة رضي الله عنه: " تلك أمكم يا بني ماء السماء " أي العرب.
ومن المصريات العظيمات أم موسى - عليه الصلاة والسلام- وقيل بنبوتها.
وآسية امرأة فرعون التي ضربها الله -سبحانه وتعالى- مثلاً في كتابه للمؤمنين وأثنى عليها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها إحدى كوامل النسوة -رضي الله عنها- وقيل بنبوتها.
ومرت سارة زوج الخليل صلى الله عليه وسلم بمصر، ولها قصة فيها وردت فى صحيح الامام البخاري.
ومن المصريات الجليلات ماشطة فرعون وابنها الذي تكلم في المهد، ولها وله قصة جليلة رائعة.
ومن المصريين مؤمن آل فرعون، وقد شُرف بتخليد صنيعه ودفاعه عن موسى - عليه الصلاة والسلام - والدعوة الإسلامية في كتاب الله تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
ومن المصريين كذلك الرجل المؤمن الذي حذر موسى -عليه الصلاة والسلام- وورد في قوله تعالى:
(وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال ياموسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين)
ومنهم السحرة الذين آمنوا بموسى - عليه الصلاة والسلام - وكانوا جملة وافرة وعدداً ضخماً.
- وأهل مصر من ألين الناس تعاملاً ومن أحسنهم أخلاقاً وأدباً، ولذلك قال تاج الدين الفزاري رحمه الله تعالى: " إن من أقام في مصر سنة وجد في أخلاقه رقة وحسناً ".
وقال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم: " أهل مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامة وبقريش خاصة ".
وقال ابن ظهيرة، رحمه الله تعالى، يمدح أهل مصر، ويعدد مزاياهم: " حسن فهمهم في العلوم الشرعية وغيرها من سائر العلوم، وسرعة تصورهم، واقتدارهم على الفصاحة بطباعهم وعذوبة ألفاظهم ولطافة شمائلهم وحسن وسائلهم أمر محسوس، غير منكور، تشهد لهم بذلك الناس حتى إن كل من عرفهم وخالطهم اكتسب من فصاحتهم، واختلس من لطافتهم، وإن كان أعجمياً قحفاً أو فلاحاً جلفاً ".
ثم مدح أصواتهم فقال: " حسن أصواتهم، وندائهم، وطيب نغماتهم وشجاها، وطول أنفاسهم وعلاها، فمؤذنوهم إليهم الغاية في الطيب، ووعاظهم ومغنوهم إليهم المنتهى في الإجادة والتطريب ".
ثم مدح نساءهم فقال: " نساؤها اللاتي خلقهن الله تعالى للتمتع بهن، وطلب النسل منهن، أرق نساء الدنيا طبعاً وأحلاهن صورة ومنطقاً، وأحسنهن شمائل، وأجملهن ذاتاً، وخصوصاً المولدات منهن، وهي من يكون أبوها تركياً وأمها مصرية، أو بالعكس، وما زلت أسمع قديماً عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، ولم أره منقولاً، أنه قال: من لم يتـزوج بمصرية لم يكمل إحصانه ".
ثم مدح حسن معاملتهم للغرباء فقال: " حلاوة لسانهم، وكثرة ملقهم ومودتهم للناس ومحبتهم للغرباء، ولين كلامهم لهم، والإحسان إليهم ومساعدتهم لهم على قضاء حوائجهم، ورد ظلاماتهم، ونصرهم على من ظلمهم بحسب استطاعتهم، وقوة عصبيتهم لمن أرادوا وإن كانوا في باطل.
عدم اعتراضهم على الناس: فلا ينكرون عليهم، يحسدونهم، ولا يدافعونهم، بل يسلمون لكل أحد حاله: العالم مشغول بعلمه، والعابد بعبادته ".
- هذا وقد سكن مصر بعد فتحها جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرفت أرض مصر بهم وازدانت، وخالط ترابها أجسادهم الطاهرة، وبعضهم سكنها ومات بغيرها، وبعضهم مَرّ بها رسولاً أو مجاهداً، وكان منهم جملة جليلة وعدد كبير عظيم منهم عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر الجهني وعبدالله بن أبي السرح، ومسلمة بن مخلد، وعبدالله بن عمرو، ومعاوية بن حُديج، وكلهم ولي إمرة مصر رضى الله عنه.
مختارات