يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التوبة حبل الله المتين:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس يا أيها الذين آمنوا، آية اليوم:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8) ﴾
(سورة التحريم)
أولاً التوبة حبل النجاة إن أغرقت الإنسان خطيئاته، التوبة قارب النجاة أيضاً، التوبة حبل الله المتين، التوبة فيها الخلاص، وما أمرك الله أن تتوب إلا ليتوب عليك.
من تاب إلى الله أحبّه الله لأنه سلم و سعد في الدنيا و الآخرة:
بادئ ذي بدء هناك في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن التوبة، وكل آية تأخذ منحى خاصاً، أولاً الله عز وجل يطمئننا يقول:
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)﴾
(سورة النساء الآية: 27)
أنت حينما تتوب يحبك الله، لأنك سعدت وسلمت في الدنيا والآخرة، لذلك يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾
(سورة البقرة)
يريد أن يتوب عليك ويحبك إذا تبت إليه لأنك قبلت عطاء الله، خلقك ليسعدك:
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
(سورة هود الآية: 119)
حضّ الله عز وجل الناس على التوبة:
إذا كان الله عز وجل قد خلقك ليسعدك، وأنت سعدت فاستجبت له يحبك، ثم يحضك على التوبة:
﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ (74) ﴾
(سورة المائدة)
هذه أفلا حرف حض أفلا تتوب؟ ألا تذهب معي؟ فالله عز وجل يريد أن يتوب علينا ويحبنا إذا تبنا إليه، ويحضنا على التوبة، لكن يتوهم الناس أن التوبة تعني بشكل بسيط ساذج لمجرد أن تقول تبت، لا:
﴿ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) ﴾
(سورة البقرة)
هناك حقوق يؤديها، هناك تجاوزات يطلب السماح منها، هناك تقصيرات سابقة يتممها:
﴿ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) ﴾
(سورة البقرة)
من ارتكب سيئة و لم يعلم أنها سيئة يتوب الله عليه لرحمته به:
الآن من رحمة الله بنا أنك إذا فعلت سيئة ولا تعلم أنها سيئة هذه سريعاً ما يتوب الله عليك منها:
﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) ﴾
(سورة الأنعام)
هذه من رحمة الله بنا، من ألطف ما قرأت في الفقه أن الإنسان إذا دخل في الإسلام اليوم وكان رمضان ولا يعلم أن مقاربة الأهل يفطر وقارب أهله لا شيء عليه، حالة نادرة جداً، يعني الله عز وجل يريد أن يتوب علينا:
﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) ﴾
(سورة الأنعام)
من تمام التوبة أن تتوب من الذنب فور ارتكابه:
هناك نقطة دقيقة كلمة واحدة في آية لها حكم خاص يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (17) ﴾
(سورة النساء)
يعني عمل معصية نتوب، الله كريم، من هنا الله يفرجها:
﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (17) ﴾
(سورة النساء)
من تمام التوبة أنه لمجرد أنك علمت أن هذا ذنباً فوراً تتوب منه، مركز الثقل في هذه الآية:
﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ (17) ﴾
(سورة النساء)
قال تعالى:
﴿ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾
(سورة النساء الآية: 17)
إغلاق باب التوبة عند الغرغرة:
من هذا الذي لا تقبل توبته؟ قال تعالى:
﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ﴾
(سورة النساء)
عندما يحضر الموت أغلق باب التوبة، عند الغرغرة يغلق باب التوبة:
﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾
(سورة النساء)
في بعض الأحاديث القدسية:
(وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه)
[ورد في الأثر]
الرابح الأكبر من طهره الله من ذنوبه قبل أن يأتيه الموت:
أيها الأخوة، صدقوا أنك إذا وصلت إلى شفير القبر وقد طهرك الله من كل الذنوب أنت الرابح الأول، أنت الرابح الأول حينما يأتي ملك الموت وترى مقامك في الآخرة تقول لم أرَ شراً قط، والذي غرق في الملذات والشهوات والموبقات ويأتيه ملك الموت يكون معه ملايين مملينة ولم يدع متعة ما مارسها يقول لم أرَ خيراً قط، لذلك البطولة لمن يضحك آخراً، من ضحك أولاً ضحك قليلاً وبكى كثيراً، أما من يضحك آخراً يضحك كثيراً ولا يبكي.
توبة الله عز وجل واسعة تشمل من عصى أوامر النبي الكريم ثم اعتذر منه:
هناك ملمح آخر بالتوبة:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ (64) ﴾
(سورة النساء)
يا محمد:
﴿ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) ﴾
(سورة النساء)
هذا النبي العظيم الذي له سنة، أنت حينما تعصي أمره، وتخالف سنته، وقد أرسله الله من أجلك، فإذا ذهبت إلى مقامه الشريف فاستغفر الله وينبغي أن تعتذر إلى رسول الله لأنك ما طبقت سنته فدفعت الثمن باهظاً:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ (64) ﴾
(سورة النساء)
هذا هو التوحيد:
﴿ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ (64) ﴾
(سورة النساء)
أي اعتذروا:
﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) ﴾
(سورة النساء)
العالم من أفتى لنفسه بالشدائد و للآخرين بالرخص:
الشيء الأخير في هذه الآية:
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) ﴾
(سورة النساء)
هناك قصة تبين هذا المعنى بالضبط، النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه عشية معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، الإنسان الذي لا يعرف النبي عليه الصلاة والسلام قد يسيء الظن به، هو بهذا التوجيه حابى أقرباءه، فقال أحدهم في نفسه إن أحدنا يقتل أباه وأخاه وينهانا عن قتل عمه؟ لأنه عمه.
والله سمعت عن أحد المفتين المتشددين تشدداً لا يحتمل في أمور الطلاق، ابنته طلقت فدعا صهره إلى عالم آخر يعطيه فتوى بإرجاعها، لماذا لم ترحم الناس طوال هذا العمر؟ لما الأمر أصاب ابنتك بحثت عن عالم آخر يعطيك الفتوى بإرجاعها، لذلك العلماء الكبار يفتون لأنفسهم بالشدائد وللآخرين بالرخص، وبعض العلماء يفتون لأنفسهم بكل الرخص فإذا استفتوا يعطون العزائم فوق طاقة البشر، هذا موقف لئيم، لماذا تأخذ نفسك أنت بالرخص وتشدد على إخوانك، لذلك:
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) ﴾
(سورة النساء)
أنا لا أفتي بالطلاق أبداً، موضوع الطلاق أعتذر عن الفتوى فيه، طبعاً هذه طرفة لو جاءني أخ طلق زوجته أقول له تريد أن ترجعها؟ يقول إيه والله، اذهب إلى العالم الفلاني، لا أحب أن ترجعها اذهب إلى العالم الفلاني أنا أدله، هناك عالم لا يسمح له أبداً رأساً يطرده.
على كل إنسان ألا يفتي إلا وفق ما أفتى به النبي عليه الصلاة والسلام:
أيها الأخوة، التحريم يحسنه أي إنسان حتى ولو كان جاهلاً، يقول احتياطاً كله حرام عنده، التحريم يحسنه أي إنسان ولو كان جاهلاً، سهلاً أخذ بالأحوط، أما التحليل مع الدليل لا يحسنه إلا العلماء الكبار، الحياة يجب أن تستمر، منعته يسافر، منعته يدرسه، منعته يتعين في هذه الوظيفة، بعد هذا يفتح على نفسه أبواب المعصية كلها، لذلك التشدد غير المعقول يقابله تفلت غير معقول، أنا أتمنى ألا يفتي الإنسان إلا وفق ما أفتى به النبي عليه الصلاة والسلام.
﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) ﴾
(سورة النساء)
القوانين لا يمكن أن يُعمل بها رجعياً:
لازلنا في التوبة أيها الأخوة، أما هناك آية وحيدة في القرآن الكريم تلتقي مع أحدث مفهومات الحرية، لو فرضنا أن إنساناً أصدر قانون يجعل هذا العمل مداناً، فالذي فعله قبل إصدار القانون لا يمكن أن يؤخذ بهذا القانون لأنه من الحضارة والرقي ومن حقوق الإنسان ألا يعمل بالقوانين بمفعول رجعي، من الحضارة وأداء حقوق الإنسان، شيء كان مسموحاً وإنسان فعله بعد حين صدر قرار بتحريمه، هذا القرار لا يطبق إلا على من فعله بعد إصدار القرار أما قبل ممنوع، دقق في هذه الآية:
﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) ﴾
(سورة المائدة)
كان شارداً تاب قبل أن تسيطر عليه، فلما سيطرت عليه تريد أن تحاسبه على الماضي، لا، لا تستطيع أن تحاسبه على الماضي هذا تاب قبل أن تكون قوياً عليه، هذه الآية الوحيدة تلتقي مع أرقى تشريع، أن القوانين لا يمكن أن يعمل بها رجعياً.
عدم وجود عداوة دائمة في الإسلام:
شيء آخر نحن بالإسلام لا يوجد عندنا عداوة ثابتة، رجل اسمه عمير بن وهب أسر ابنه في بدر فحقد على المسلمين حقداً شديداً، التقى مع صفوان بن أمية فقال له عمير: والله يا صفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، فصفوان رآها فرصة نادرة قال: أما ديونك فهي عليّ بلغت ما بلغت، وأما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، فامضِ لما أردت، فهذا عمير بن وهب سقى سيفه سماً، ووضعه على عاتقه، وتوجه إلى المدينة بغطاء أنه ذهب إليها ليفدي ابنه الأسير، وفي نيته أن يقتل محمداً، لما وصلها رآه عمر وقال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، قيده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، انظر إلى رقة النبي عليه الصلاة والسلام قال النبي: ادنُ مني يا عمير، فكّ قيده يا عمر وابتعد عنه، فدنا منه قال له: سلّم علينا، قال له: عمت صباحاً، قال: قل السلام عليكم، قال: هذا سلامنا ليس بعيداً عنك، بمنتهى الغلظة والفظاظة، قال: ما الذي جاء بك يا عمير؟ قال: جئت أفك أسر ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك، قال: قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال له: ألم تقل لصفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، عمير بن وهب كان جالساً فوقف، وقال: أشهد أنك رسول الله لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله وأنت رسوله وأسلم، صفوان يكاد يرقص من الفرح ينتظر الخبر السار قتل محمد، صار يذهب كل يوم إلى ظاهر مكة يتلقى الركبان، ما كان في رسائل سريعة وفاكسات وفضائيات، الطريق الوحيد يقف الإنسان على مدخل مكة يتلقى الركبان، فجاء بعد أيام وصل الخبر إلى صفوان أن عميراً أسلم وأصبح من أصحاب رسول الله، الشاهد أين؟ يقول سيدنا عمر، دخل عمير على رسول الله والخنزير أحب إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي.
بالإسلام ما في حقد، ما دام قد تاب صار أخي.
كره المؤمن للفجور و الفسوق و العصيان:
هناك شخص في أمريكا من كبار الملحدين أستاذ في سان فرانسيسكو، اسمه جيفري لنك، هذا هداه الله إلى الإسلام وأسلم، والآن من كبار الدعاة، ألّف كتابين ترجما إلى اللغة العربية، أنا قرأت كتابه الأول والله وجدته أقرب شخص إلي، أقسم لكم بالله ودرّست بعض أبحاث من كتابه في جامع العثمان، في الإسلام لا يوجد عداوة دائمة، بالإسلام أنت لا تكره الإنسان تكره فعله فقط، تكره فسقه، تكره كفره، تكره فجوره، لكن لا تكرهه، الدليل الأب مع ابن عاق إذا رجع الابن إلى أبيه كله انتهى، لذلك:
﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(11) ﴾
(سورة التوبة)
الله عز وجل غفار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً:
لكن كما يقول بعضهم ونقول معهم الله يتوب علينا:
﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(102) ﴾
(سورة التوبة)
(ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط)
[الجامع الصغير عن أنس]
هؤلاء خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى(82) ﴾
(سورة طه)
والله عز وجل بالتعبير الدارج جبار الخواطر، تاب على الثلاثة الذين خلفوا، جيد
﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ (118) ﴾
(سورة التوبة)
الله عز وجل رحيم بعباده يسوق لهم من الشدائد ما يحملهم على التوبة:
دقق الآن:
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) ﴾
(سورة التوبة)
هنا معنى تاب عليهم لها معنى خاص، ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة، أما أول الآية:
﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ (117) ﴾
(سورة التوبة)
النبي ما أذنب، قال تاب عليه جبراً لخاطر هؤلاء الثلاثة، دخله معهم، تاب الله على النبي وعلى الثلاثة الذين خلفوا، لكن هناك ملمح دقيق جداً بعد هذه الآية طبعاً:
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) ﴾
(سورة التوبة)
ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة، توبة الله إذا سبقت توبة العبد يعني شدائد، وتوبة الله إذا جاءت بعد توبة العبد يعني قبول للتوبة، تابوا فتاب عليهم، فتوبة الله بعد توبة عباده قبول التوبة، أما توبة الله انتبهوا قبل توبة عباده شدة تلجئك إلى التوبة، إنسانة متفلتة ترتدي ثياباً فاضحة جميلة، تمشي بالعرض بالتعبير الدارج، أصيبت بمرض عضال، سمعت إحدى قريباتي تقول لي قالت: إذا الله يشفيني من المرض لألبس ليس حجاب جلال، ما يوضع على الدابة من شدة ألمها، الله عز وجل حينما يرسل الشدة يرسل شدة في موضوعها اسمها مصيبة تصيب الهدف.
على كل إنسان أن يصاحب المؤمنين لئلا يقع في الذنب:
يا أيها الذين آمنوا من أجل ألا تقعوا في الذنب:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
(سورة التوبة)
اجعل جوك إيماني، اجعل أصدقاءك مؤمنين، عش مع المؤمنين، تنزه مع المؤمنين، اسهر مع المؤمنين:
(لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)
[أخرجه، وأبو داود والترمذي وابن حبان، والحاكم،عن أبي سعيد]
والاستقامة للجميع:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ (112) ﴾
(سورة هود)
لن تقطف ثمار التوبة كاملة إلا إذا تاب الناس جميعاً:
أما آخر ملمح بالموضوع:
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (31) ﴾
(سورة النور)
لن تقطف ثمار التوبة كاملة إلا إذا تاب الناس جميعاً، أنا أحياناً بالعمرة الحجاب إلزامي هناك تعيش أسبوعين ثلاثة لا يأتيك خاطر واحد نسائي، كل النساء محجبات، والمحجبة أختك كل مفاتنها مستورة، مفاتنها لزوجها ولمحارمها وليست لك، فنحن تماماً كشخص معه جهاز خلوي، له خمسون صديقاً، لا يوجد أي واحد منهم معه جهاز خلوي فلم يعد هناك أي داعٍ لهذا الجهاز، أما إذا أنت معك جهاز خلوي و كل أصدقائك معهم أجهزة خلوية الآن، أنا قصدي يجب أن نتوب لكن حينما يتوب الناس جميعاً ترى الحياة قطعة من الجنة، لذلك:
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (31) ﴾
(سورة النور)
التركيز هنا على جميعاً، أما الذي لم يتب فهو من أشد الظالمين لنفسه:
﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(11) ﴾
(سورة الحجرات)
والحمد لله رب العالمين
مختارات