شرح دعاء "اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، والقسوة، والغفلة، والعيلة، والذلة، والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر، والكفر،والشرك والفسوق، والشقاق "
اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، والكَسَلِ، والجُبْنِ، والبُخْلِ، والهَرَمِ، والقَسْوَةِ، والغَفْلَةِ، والعَيْلَةِ، والذِّلَّةِ، والمَسْكَنَةِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ، والكُفْرِ، والشِّرْك([1])، والفُسُوقِ، والشِّقاقِ، والنِّفاقِ، والسُّمْعَةِ، والرِّياءِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّمَمِ، والبَكَمِ، والجُنُونِ، والجُذامِ، والبَرَصِ، وَسَيِّىءِ الأَسْقامِ)([2]).
الشرح:
استعاذ صلى الله عليه وسلم من آفات الجسد، وآفات الدين لما ينشأ عنهما من مفاسد في الدين والدنيا والآخرة.
قوله: (العجز): وهو تخلف العبد عن أسباب الخير لسلب قدرته وقوته، واستعاذته صلى الله عليه وسلم منه لأنه يمنع من أداء الحقوق الواجبة عليه الدينية والدنيوية، وقد ذمّ اللَّه جلّ وعلا العاجز في كتابه، وضرب فيه مثلاً للعبرة والاتعاظ، قال عز شأنه: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ"([3]).
قوله: (الكسل): وهو تخلف العبد عن أسباب الخير مع وجود القدرة، وهي صفة ذميمة تدعو إلى التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه بسبب عدم انبعاث النفس إلى الخير، فيضيع على العبد كثير من المنافع الدنيوية والشرعية، وقد ذم اللَّه سبحانه وتعالى المنافقين، وذكر من صفاتهم الكسل: "وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى"([4]).
قوله: (البخل): يمنع صاحبه من إنفاق الحقوق المالية عليه، كالزكاة، والضيافة، والإنفاق على من يعول، والحقوق القولية كعدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الرد على السلام.
قوله: (الجبن): الخوف من الحرب، والجهاد في سبيل اللَّه، والخوف من الصدع بالحق: في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومجاهدة الشيطان والنفس.
قوله: (الهرم): كبر السن المؤدي إلى تساقط القوى، ومن اختلال العقل، والحواس، وتشوّه المنظر، وقد يصبح ثقيلاً على غيره [فيكون كالطفل في المهد والعياذ باللَّه عز وجل
قوله: (القسوة): غلظة القلب، وصلابته، بحيث لا يقبل موعظة حسنة، ولا يخاف العقوبة، ولا يرحم من يستحق الرحمة، كما ذكر اللَّه تعالى عن بني إسرائيل: "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة"([5]).
قوله: (الغفلة): غيبة الشيء عن البال، وذهول عن الخير، وعدم تذكره، والتنبه لما ينبغي له، واستعمل في تاركه إهمالاً وإعراضاً كما قال تعالى: "وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون"[6]).
قوله: (العيلة): بفتح العين المهملة، و هي الفاقة و الحاجة و عدم القدرة على القيام بما يحتاج إليه هو و من يعوله.
قوله: (الذلة) - بالكسر-: الهوان على الناس، ونظرتهم إليه بعين الاحتقار والاستخفاف، وهي ضد العزة.
قوله: (المسكنة): قلة المال، وسوء الحال، وهي الخضوع، والذلة لما يعرض [عند] الحاجة.
قوله: (الفقر): أصله كسر فقار الظهر، وهو خلو اليد من المال.
قوله: (الكفر): أصله الستر، وهو عدم الإيمان باللَّه، وهو أنواع: منه كفر العناد، والجحود، والنفاق، وأورده عقب الفقر؛ لأنه قد يفضي إليه.
قوله: (الشرك): وهو نوعان: النوع الأول الأكبر: وهو أن يجعل مع اللَّه نداً، أو شريكاً في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته، وهو الشرك الأكبر المخرج من الملّة، والعياذ باللَّه تعالى.
والنوع الثاني الأصغر: مثل الرياء، والحلف بغير اللَّه [وهو ما ورد في النصوص تسميته شركاً، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر، أو هو كل وسيلة قولية أو إرادية، أو فعلية توصل إلى الشرك الأكبر] وهو غير مخرج من الملة، وهو من الكبائر.
قوله: (الفسوق): خروج عن الاستقامة بارتكاب المعاصي، والوقوع في المحرمات.
قوله: (الشقاق): مخالفة الحق بأن يصير كل واحد من المتنازعين في شق وناحية أخرى، والاستعاذة منه لأنه يؤدي إلى الفرقة بين الإخوة، فتحصل العداوة والبغضاء، مما يؤدي إلى ضعف القوة بين المؤمنين، قال تعالى: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"([7]).
قوله: (النفاق): وهو إظهار عكس ما ينطوي عليه القلب، وهو نوعان: نفاق اعتقادي، وهو أن يظهر الإيمان، ويبطن الكفر، وهو مخرج من الملة، والعياذ باللَّه، ونوع عملي، كالإخلاف في الوعد، والكذب، وخيانة الأمانة[والغدر، والفجور في المخاصمة، وهو نفاق أصغر].
قوله: (السمعة): [الإخبار بالعمل، وإظهار الصوت بالذكر، أو القراءة؛ ليسمعه الناس فيحصل على الثناء والمدح]، فلا يعمله للَّه عز وجل خالصاً.
قوله: (والرياء): بكسر الراء والمد: إظهار العبادة ليراها الناس فيحمدوه، وذكر هذه الخصال؛ لكونها أقبح خصال الناس، فاستعاذته صلى الله عليه وسلم منها إبانة وزجر الناس عن التخلق بها بألطف وجه وأحسن عبارة.
قوله: (الصمم): بطلان السمع، أو ضعفه.
قوله: (البكم) – بالتحريك-: هو الخرس [وعدم استطاعة النطق بالكلام].
قوله: (الجنون): زوال العقل.
قوله: (الجذام): علَّةٌ تُسقط الشعر، وتُفتت اللحم، وتُجري الصديد منه، مما ينفر الناس منه لبشاعته، والقذارة فيه.
قوله: (البرص): عِلَّةٌ تُحدث في الأعضاء بياضاً رديئاً مما تغير الصورة والشكل.
قوله: (سيئ الأسقام): أي الأمراض الفاحشة الرديئة الخطيرة، كالفالج، والسل، والأمراض المزمنة، كأمراض هذا الزمان، مثل: السرطان وأنواعه، والإيدز، وغير ذلك، ولم يستعذ صلى الله عليه وسلم من سائر الأسقام من الأمراض؛ لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيها على نفسه بالصبر خفت مؤنته، كالحمى، والصداع، والرمد، وغير ذلك، وإنما استعاذ صلى الله عليه وسلم من السقم المزمن، فينتهي صاحبه إلى حال يفر منه الحميم والصديق، ويقل معه الأنيس والجليس، والمداوي، [ويقلّ معه العمل الصالح، أو يحصل عدم الصبر، والعياذ باللَّه].
و الاستعاذة من (سيئ الأسقام): مع دخول الثلاثة: (الجنون، والجذام، والبرص) فيه هو من عطف العام على الخاص؛ لكونها أبغض شيء إلى العرب؛ لما تُفسد الخلقة، وتورث الآفات والعاهات؛ لهذا عدّوا من شروط الرسالة: السلامة من كل ما ينفر الخَلق، ويشوّه الخُلُق([8]).
([1]) زادها ابن حبان في صحيحه، 3/ 300، وانظر: صحيح موارد الظمآن، 2/ 456، برقم 2072.
([2]) أخرجه النسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من الجنون، برقم 5493، والحاكم،
1/ 530، والبيهقي في الدعوات الكبير، 1/ 459، والطبراني في الصغير، 1/ 199، والضياء المقدسي في المختارة، 3/ 41، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 1/406، وإرواء الغليل، برقم 852.
([3]) سورة النحل، الآية: 75.
([4]) سورة التوبة، الآية: 54.
([5]) سورة البقرة، الآية: 74.
([6]) سورة الأنبياء، الآية: 1.
([7]) سورة الأنفال، الآية: 46.
([8]) فيض القدير، 2/ 150.
مختارات