شرح فضل التسبيح والتحـميد، والتهليل، والتكبير
فَضْلُ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْـمِيدِ، والتَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ
قَالَ صلى الله عليه وسلم:(مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللـهِ وَبِحَمْدِه فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ)
صحابي الحديث هو أبو هريرة رضى الله عنه.
قوله: (حطت) أي: وضعت عنه.
قوله: (زبد البحر) أي: كرغوة البحر، وهذا خارج مخرج المبالغة؛ أي: لو فرض أن لذنوبه أجساماً وكانت مثل زبد البحر يغفرها الله تعالى بهذا القول.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ الـمُلْكُ، وَلَهُ الـحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَـاعِيلَ)
قد تقدم الحديث رقم (92).
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَـتَانِ فِي الـمِيزَانِ، حَبِيْبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّـهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللـهِ العَظِيمِ)
صحابي الحديث هو أبو هريرة رضى الله عنه.
إنما كانت هاتان الكلمتان خفيفتين على اللسان؛ باعتبار قلة كلماتها، وسهولة تعلمها.
وكونهما ثقيلتين في الميزان؛ فلأنه جاء في الحديث: (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله يملأن ما بين السموات والأرض وما بينهما)
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَأَنْ أقُولَ: سُبْحَانَ اللـهِ، والْـحَمْدُ للـهِ، وَلا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، أحَبُّ إلَيَّ مِـمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)
- صحابي الحديث هو أبو هريرة رضى الله عنه.
حث الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، واستغراق الوقت له، وأنه سبب إلى نجاة العبد، ووصوله إلى الجنة؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم(لأن أقول:...) هذا القول؛ (أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس) يعني: أحب إليَّ من الدنيا؛ لأنه يفضي إلى درجات الآخرة، وكل ما كان مفضياً إلى درجات الآخرة، يكون أفضل وأحب من الدنيا؛ لأن الدنيا مفضية إلى الهلاك.
وَقالَ صلى الله عليه وسلم: أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ) فَسَألَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أحَدُنَا ألْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: (يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسْبِيْحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أوْ يُحَطُّ عَنْهُ ألْفُ خَطِيْئَةٍ)
صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه.
قوله: (أيعجز أحدكم) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار، وهذا في قوة النهي؛ معناه: لا يعجز أحدكم عن الكسب في كل يوم ألف حسنة.
وإنما يكتب له ألف حسنة بالتسبيح مئة مرة؛ لأن كل حسنة بعشر أمثالها، قال الله تعالى: " مَنْ جَاءَ بِالْـحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا "
(مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللـهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ)
صحابي الحديث هو جابر بن عبدالله رضى الله عنهما.
قوله: (غرست) يقال غرست الشجرة غرساً؛ إذا نصبتها في الأرض.
قوله: (نخلة) أي: غرست له بكل مرة يقول فيها هذا الذكر (نخلة في الجنة)
خصت النخلة لكثرة منفعتها،وطيب ثمرها، والله أعلم.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (يَا عَبْدَ اللـهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلاَ أدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الـجَنَّةِ؟) فَقُلتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللـهِ، قَالَ: (قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللـهِ)
قوله: (يا عبدالله بن قيس) هو أبو موسى الأشعري رضى الله عنه.
قوله: (ألا) كلمة تنبيه، ينبه المتكلم السامع على أمر عظيم الشأن.
قوله: (على كنز) والكنز في اللغة: ما دفن من الأموال والأمتعة، ومعناه هنا: أن هذا القول يعد لقائله، ويدخر له من الثواب، ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا؛ لأن من شأن الحائزين أن يسعدوا به، ويستظهروا بوجدان ذلك عند الحاجة إليه.
قال النووي رحمه الله في (شرح مسلم): (قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام، وتفويض إلى الله، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره، ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر).
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: (أحَبُّ الكَلامِ إلَى اللـهِ أرْبعٌ: سُبْحَانَ اللـهِ، وَالْحَـمْدُ للـهِ، وَلا إلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأيِّهِنَّ بَدأْتَ)
- صحابي الحديث هو سمرة بن جُندب رضى الله عنه.
قوله: (أحب الكلام) قال النووي رحمه الله في (شرح مسلم): (هذا محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال.. أو نحو ذلك، فالاشتغال به أفضل).
وهذا لأنها جامعة لمعاني التنزيه والتوحيد.
جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللـهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاماً أقُولُهُ؟ قَالَ: (قُلْ: لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، وَالـحَمْدُ للَّـهِ كَثِيراً، سُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ العَالمِينَ، لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللَّـهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ)، قَالَ: فَهَؤُلاءِ لِرَبِّي فَـمَا لِي؟ قَالَ: (قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِر لِي، وَارْحَـمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي)
صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه.
وجاء في رواية أخرى: لما ولَّى الأعرابي، قال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد ملأ يديه من الخير).
قوله: (رب العالمين) ولا يطلق الرب إلا على الله وحده، وفي غيره على التقييد بالإضافة، كقولهم (رب الدار، ورب الناقة؛ والرب: بمعنى المالك، وبمعنى السيد، وبمعنى المصلح، والعالمين: جمع عالم، وهو اسم لما سوى الله، وإنما جمع ليشمل كل الجنس، ولما كان فيه معنى الوصفية؛ وهي الدلالة على معنى العلم، جمع بالواو والنون، وإن كان لا يجمع بهما إلا صفات العقلاء، أو ما في حكمها من الأعلام.
قوله: (العزيز الحكيم) اسمان من أسماء الله تعالى؛ والعزيز: هو الذي له العزة الكاملة التي بها يعز من يشاء ويذل من يشاء؛ يقال: عَزّ فلان فلاناً يعزه عزًّا إذا غلبه، قال الله تعالى " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ " أي: غلبني، والحكيم: هو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في جميع أمره وخلقه.
قوله: (قال هؤلاء) أي: قال الأعرابي: هؤلاء الكلمات (لربي) أي لشأن ربي؛ أي: حقه؛ لأنها: أوصافه؛ لأنها تهليل، وتوحيد، وتحميد، وتسبيح، وثناء، وتمجيد وذلك كله حقه.
قوله: (فما لي) أي: أي شيء يكون لي وأذكره لحقي.
قوله: (اللهم) أصل اللهم يا الله، والميم المشددة في آخره عوض من الياء.
قوله: (اغفر لي) الغَفْر معناه: الستر، ومنه: الـمَغْفَر هو ما يُلبس على الرأس تحت البيضة أو القلنسوة؛ والمراد هنا: ستر الذنوب.
قوله: (وارحمني) الرحمة معناها: العطف والحنو، وهي متضمنة إنعامه وإحسانه؛ لأن مآل العطف والحنو يفضي إلى هذا.
[قال المصحح: ورحمة الله تعالى صفة من صفاته تليق بجلاله، يرحم بها عباده ويُنعم عليهم]
قوله: (واهدني) الهدى نقيض الضلال،وهو الدلالة الموصلة إلى البغية.
قوله: (وعافني) من المعافاة؛ وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليمه هذا الدعاء بين ما يجلب المنافع الأخروية، وبين ما يجلب المنافع الدنيوية؛ لأن المغفرة والرحمة والهداية من المنافع الأخروية، والمعافاة والرزق من المنافع الدنيويَّة، وقَدَّمَ المنافع الأخروية لكونها هي المقصود بالأصل، وهذا التعليم من الرسول صلى الله عليه وسلم تعليم إرشاد، ودلالة إلى طريق الخير. كَانَ الرّجُلُ إذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ، ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَـاتِ: (اللهُمَّ اغْفِر لي، وارْحَمْنِي، واهْدني، وعافِني، وارْزُقني)
صحابي الحديث هو طارق بن أشيم الأشجعي رضى الله عنه.
وجاء في رواية أخرى: (فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك)
(إِنَّ أَفْضَلَ الدُّعَاءِ: الـحَمْدُ لِلَّـهِ، وأفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلاَّ الله)
- صحابي الحديث هو جابر بن عبدالله رضى الله عنهما.
قوله: (أفضل الذكر: لا إله إلا الله) لأنها كلمة التوحيد؛ والتوحيد لا يماثله شيء، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان؛ ولأنها أشد تزكية للنفس وتصفية للباطن، وتنقية للخاطر، من خبث النفس، وَأَطْرَد للشيطان.
قوله: (وأفضل الدعاء: الحمد لله) لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله – تعالى – وأن تطلب منه الحاجة، والحمد لله يشملهما؛ فإن من حمد الله على نعمته، يتضمن حمده طلب المزيد âلَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.
(البَاقِيَاتُ الصَّالـحَاتُ: سُبْحَانَ اللَّـهِ، وَالْـحَمْدُ للّـهِ، وَلَاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّـهِ)
- صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري رضى الله عنه.
قوله: (الباقيات الصالحات) أي: الأعمال الصالحة التي يُبتغى بها وجه الله تعالى، ويبقى لصاحبها أجرها أبد الآباد؛ قال تعالى: " وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
مختارات