شرح الأسماء الحُسنى (22) المعطـي عزّ وجلّ.
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد تطرّقنا فيما سبق إلى شرح الأسماء الحسنى (الرزّاق، والرّازق، والوهّاب)، ورأينا معانيها، وثمرات الإيمان بها.
وإنّ من الأسماء الّتي لها ارتباط وثيق بهذه الأسماء الكريمة، اسم الله:
28- المُعْطِي عزّ وجلّ.
- المبحث الأوّل: في أدلّة إثبات هذا الاسم.
لقد جرى أكثر من ألّف في الأسماء والصّفات على اعتبار اسم الله عزّ وجلّ (المعطي) من الأسماء المتقابلة مع (المانع)، فأثبتوا له سبحانه وتعالى اسم (المانع) أيضا.
وممّن ذكر أنّ (المعطي) و(المانع) من أسماء الله تبارك وتعالى: ابن منده، والقرطبي، والشّيخ السّعدي، ونور الحسن خان، والقحطاني في " شرح أسماء الله الحسنى ".
بل اقتصر كلّ من الخطّابي رحمه الله في " شأن الدّعاء " (ص 93) والبيهقيّ رحمه الله في " الاعتقاد " (ص 28) على ذكر اسم " المانع " فحسب.
* واستدلّ من أثبت اسم المعطي والمانع بما يلي:
- قوله تعالى:{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طـه:50]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1].
- ما رواه البخاري ومسلم عَنِ الْمُغِيرَةُ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ).
- ما رواه البخاري ومسلم أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَخْبَرَ:
أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم تَحْتَ سَمُرَةٍ، وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ:
(إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللهُ – ثَلَاثًا –) وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ.
لكنّ النّاظر في هذه الأدلّة وغيرها يُدرك أنّ فيها إثباتَ صفة المنع والعطاء، ولا خلاف أنّهما صفتان فعليّتان ثابتان بالكتاب والسنّة، وإنّما البحث ينصبّ في اعتبارهما من الأسماء، وهي – كما سبق تقريره – لا تثبت بالصّفات.
والرّاجح – والله أعلم – أنّ الثّابت من أسمائه عزّ وجلّ اسم (المعـطـي)، لا (المانع)؛ ذلك لأنّه قام الدّليل على اعتباره من أسمائه سبحانه وتعالى.
روى البخاري عن معاويةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ).
ووجه الدّلالة من وجهين:
أوّلا: أنّه جاء على هيئة الأسماء.
ثانيا: أنّه صلّى الله عليه وسلّم قابله باسم من أسمائه، وهو القاسم.
- المبحث الثّاني: معنى صفة الله عزّ وجلّ (المنع).
فإنّ معنى العطاء يتّضح لنا جليّا من خلال ما سبق بيانه في شرح أسماء الله عزّ وجلّ: (الوهّاب والرزّاق).
أمّا اتّصافه عزّ وجلّ بأنّه (المانع)، فله معنيان:
* الأوّل: ما ذكره الخطّابي في " شأن الدّعاء " (ص 93) فقال:
" هو النّاصر الّذي يمنع أولياءه، أي: يحوطهم وينصرهم على عدوّهم، ويقال: فلان في منعة من قومه، أي: في جماعة تمنعه وتحوطه. "
* الثّاني: ما ذكره أيضا قائلا: " ويكون المانع من المنع والحرمان لمن لا يستحقّ العطاء، فهو سبحانه يملك المنع والعطاء، وليس منعه الشّيء بُخلا به، لكنّ منعَه حكمة، وعطاؤه جود ورحمة " اهـ.
وبمثل هذا قال البيهقّي رحمه الله في " الاعتقاد " (ص 28).
وقال ابن منظور رحمه الله: " المانع من صفات الله تعالى، له معنيان:
أحدهما: ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ)، فكان عزّ وجلّ يُعطي من استحقّ العطاء، ويمنع من لم يستحقّ إلاّ المنع، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، وهو العادل في جميع ذلك.
والمعنى الثّاني: أنّه تبارك وتعالى يمنع أهل دينه، أي: يحوطهم وينصرهم " اهـ.
ولأجل ذلك كلّه تسمّى الله باسمين آخرين هما: القابض والباسط، نراهما لاحقا إن شاء الله.
مختارات