أعلام أئمة المحدثين : الإمام البخاري
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري، ولد الإمام البخاري سنة 194 هـ، وتوفي رحمه الله ليلة الفطر سنة 256 هـ بكرمينية مما يدل على أنه قد نشأ في بيت علم قوله: « سمع أبي من مالك بن أنس رحمه الله »
ـ أشهر شيوخه:
علي بن المديني، ومسدد بن مسرهد، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وقتيبة بن سعيد، وعبيد الله بن موسى، وموسى بن إسماعيل التبوذكي المنقري، وإسماعيل بن عبد الله، وعبد الله بن يوسف، ومحمد بن يوسف الفربري، ويحيى بن بكير، والحميدي
ـ عدد شيوخه الفلكي:
قال جعفر بن محمد القطان إمام كرمينية [مدينة بين بخارى وسمرقند]: « سمعت محمد بن إسماعيل رحمة الله عليه يقول: كتبت عن ألف شيخ وأكثر: عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده »
وبالتالي يكون ما كتبه الإمام البخاري 11.111 حديثا وأثرا × 1111 شيخا = 12344321
ومن ثم يمكننا القول في ضوء هذا الأثر: أن الأحاديث والآثار معا: لا تقل بحال عن اثني عشر مليونا [الأثر: هو القول المأثور لعلماء الصحابة والتابعين، قد يكون حكمة أو تفسيرا]
ـ أشهر تلامذته:
الإمام مسلم، والإمام الترمذي، والإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة
ـ كيف كان هذا الإمام؛ قليلا من الليل ما ينام:
وعن محمد بن أبي حاتم الوراق كاتب الإمام البخاري وكان يرافقه في حله وترحاله قال:
« كان إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد: أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة؛ في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج، ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها »
وفي سند آخر: فقال له كاتبه: «أراك تحمل على نفسك ولم توقظني؟
قال يرحمه الله: أنت شاب، ولا أحب أن أفسد عليك نومك»
ـ ثناء الأئمه عليه، وانبهارهم بعبقريته النادرة:
وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف:
« حدثنا محمد بن إسماعيل التقي النقي العالم الذي لم أر مثله » قال عنه سليم بن مجاهد:
«ما رأيت بعيني منذ ستين سنة: أفقه ولا أورع ولا أزهد في الدنيا من محمد بن إسماعيل»
ـ ثناء الإمام ابن خزيمة عليه:
قال الإمام ابن خزيمة رحمة الله عليه: «ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ له من محمد بن إسماعيل «البخاري»»
ـ قالوا عن صلاحه وتقواه، وخشوعه في الصلاه:
وقال بكر بن منير: «كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة؛ فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة»
وعن محمد بن أبي حاتم أنه حكى نفس القصة فقال: «وقد تورم من ذلك جسده؛ فقال له بعض القوم: كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك [أي أول ما لسعك]؟! قال يرحمه الله: كنت في سورة؛ فأحببت أن أتمها»
قال محمد بن أبي حاتم الوراق: ركبنا يوما إلى الرمي ونحن بفربر [شمال بخارى بأوزبكستان] فخرجنا إلى الدرب الذي يؤدي إلى الفرضة [أي معبر النهر] فجعلنا نرمي، وأصاب سهم أبي عبد الله وتد القنطرة الذي على نهر ورادة؛ فانشق الوتد؛ فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته، فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا؛ فرجعنا معه إلى المنزل؛ فقال رحمه الله لي: ا أبا جعفر؛ لي إليك حاجة؛ تقضيها؟
قلت: أمرك طاعة؛ قال: حاجة مهمة، وهو يتنفس الصعداء [كناية عن صدق الكرب والاهتمام] فقال لمن معنا: اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته؛ فقلت: أية حاجة هي؟
قال لي: تضمن قضاءها؟
قلت نعم، على الرأس والعين؛ قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له: إنا قد أخللنا بالوتد؛ فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله و تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا، وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري؛ فقال لي: أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له: أنت في حل مما كان منك وقال عظم الله أجره: «جميع ملكي لك الفداء»
فأبلغته رسالته؛ فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا، وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث، وتصدق بثلاثمائة درهم»
قالوا عن جودة حفظه ونبوغه المبكر رحمة الله عليه:
وعن محمد بن أبي حاتم الوراق عن حاشد بن إسماعيل وآخر قالا: «كان أبو عبد الله البخاري يختلف إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب شيئا، حتى أتى على ذلك أيام؛ فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب؛ فماذا تصنع فقال لنا بعد ستة عشر يوما: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما ـ أي ضايقتماني بسؤالكما، الذي ربما كان يحمل سخرية بالبخاري، وكأنهم يقولون له بلسان الحال: ما الذي يجعلك تزاحمنا وأنت لا تزيد على أن تلهو بالغدو والرواح إلى مجالس العلم ـ فقال لهما الإمام البخاري: فاعرضا علي ما كتبتما؛ فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب؛ حتى جعلنا نضبط كتبنا من حفظه، ثم قال: أترون أني أختلف هدرا وأضيع وقتي سدى [أي أترون أني كنت أهدر وقتي سدى]؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد»
قال ابن عدي: حدثني القومسي قال: سمعت ابن خميرويه قال: سمعت البخاري يقول:
« أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح »
وعن أبي أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنه قال باختصار: «لما قدم محمد بن إسماعيل البخاري بغداد؛ سمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا، وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا إسناد هذا، وإسناد هذا متن هذا، ودفعوا إلى كل واحد منهم عشرة أحاديث؛ ليلقوها عليه في المجلس؛ فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم؛ فسأل البخاري عن حديث من عشرته؟ فقال لا أعرفه، وسأله عن آخر؟ فقال لا أعرفه، وكذا حتى فرغ من عشرته، فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان لا يدري منهم كان يقضي على البخاري بالعجز، ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول، والبخاري في كل هذا يقول لا أعرفه، ثم الثالث والرابع إلى تمام العشرة نفر، وهو لا يزيدهم على قوله لا أعرفه؛ فلما رآهم قد فرغوا؛ التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول: فكذا وكذا، وأما حديثك الثاني: فكذا وكذا، وأما حديثك الثالث: فكذا وكذا، حتى أجاب العشرة أفراد، ورد كل متن إلى إسناده؛ فأقر له الناس بالحفظ؛ وقطعت جهيزة قول كل خطيب»
ـ قالوا عن سعة علمه بالحديث وعلله رحمة الله عليه:
وعن أبي حامد القصار عن الإمام مسلم أنه جاء إلى الإمام البخاري فقبل بين عينيه، ثم سأله عن علة خفية من علل الحديث ؛ فأجابه الإمام البخاري إجابة الطب البصير؛ فقال له الإمام مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك»
ـ مجلس الإمام البخاري رحمة الله عليه:
وقال صالح بن محمد وكان يحضر مجلس الإمام البخاري: «كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد، وكنت أستملي له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا»
حكاية تأليفه لكتابه / الجامع الصحيح المسند [صحيح الإمام البخاري]:
قال الإمام البخاري رحمة الله عليه:
«صنفت كتاب الصحيح ست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث»
[من كتاب تهذيب الكمال، وكتاب سير أعلام النبلاء]
وجاء في كتاب سير أعلام النبلاء عن الإمام البخاري رحمة الله عليه أنه قال: «ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا؛ إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين»
وعن أبي زيد المروزي الفقيه أنه قال: «كنت نائما بين الركن والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أبا زيد؛ إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟
فقلت: يا رسول الله؛ وما كتابك؟
قال صلى الله عليه وسلم: «جامع محمد بن إسماعيل»
ـ محنة الإمام البخاري رحمة الله عليه:
وقال أحمد بن منصور الشيرازي: «سمعت بعض أصحابنا يقول: لما قدم أبو عبد الله بخارى نصب له القباب على فرسخ من البلد [الفرسخ: ثلاثة أميال] واستقبله عامة أهل البلد، حتى لم يبق مذكور إلا استقبله، ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير، فبقي أياما؛ فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى: إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة؛ فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا: لا نفارقه؛ فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج»
ـ وقوف الإمام مسلم بجانبه في محنته:
وقال الإمام مسلم في تلك الأثناء وكان حديث عهد به: «فوالله ما شيعه غيري»
ـ صبر الإمام البخاري رحمة الله عليه على ما أصابه: وقال إبراهيم بن معقل النسفي: «رأيت محمد بن إسماعيل في اليوم الذي أخرجه فيه من بخارى، فتقدمت إليه فقلت: يا أبا عبد الله؛ كيف ترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر؟ فقال يرحمه الله: لا أبالي إذا سلم ديني»
ـ انتقام الله من أولئك الأوغاد (إن ربك لبالمرصاد):
وعن أبي بكر بن أبي عمرو الحافظ: أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية [أي كان أميرا للدولة الطاهرية] ببخارى سأله أن يحضر منزله فيقرأ «الجامع الصحيح» و «التاريخ الكبير» على أولاده؛ فامتنع عن الحضور عنده، فراسله بأن يعقد مجلسا لأولاده لا يحضره غيرهم؛ فامتنع وقال: لا أخص أحدا؛ فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد؛ فدعا عليهم؛ فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية بأن ينادى على خالد في البلد؛ فنودي عليه على أتان !!
وأما حريث فإنه ابتلي بأهله فرأى فيها ما يجل عن الوصف، وأما فلان؛ فابتلي بأولاده وأراه الله فيهم البلايا»
ـ قالوا في حبهم للإمام البخاري رحمة الله عليه:
وقال يحيى بن جعفر رحمه الله تعالى: «لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم»
ـ قالوا عن بعض كراماته في حياته عظم الله أجره ورفع الله ذكره:
وعن الفربري قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: أين تريد؟
فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «أقرئه مني السلام»
ـ قالوا عن بعض كراماته بعد مماته رحمة الله عليه:
قال عبد الواحد بن آدم الطواويسي: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه، وهو واقف صلى الله عليه وسلم في موضع، فسلمت عليه صلى الله عليه وسلم؛ فرد علي السلام، فقلت: ما وقوفك يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وسلم: أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري، فلما كان بعد أيام بلغني موته؛ فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها»
وقال أبو منصور غالب بن جبريل: «فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك [الغالية: هي خلطة عطرية كالخمرة] فدام ذلك أياما، ثم علت سوار بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره [أي قبال قبره] فجعل الناس يختلفون ويتعجبون»
قال أبو الفتح نصر بن الحسن السكتي السمرقندي: «قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام؛ فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا؛ فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند فقال له: إني رأيت رأيا أعرضه عليك؛ قال وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وقبره بخرتنك، ونستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا؛ فقال القاضي: نعم ما رأيت
فخرج القاضي والناس معه، واستسقى القاضي بالناس وبكى الناس عند القبر، وتشفعوا بصاحبه، فأرسل الله جل وعلا السماء بماء عظيم غزير؛ أقام الناس من أجله بخرتنك سبعة أيام أو نحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى
سمرقند من كثرة المطر وغزارته»
مختارات