العزيز
المعنى اللغوي:
المعنى الأول: مأخوذ من الفعل (عز) أي ندر وجوده أو لا مثيل له،وعلى هذا فمعنى العزيز الذي لا مثيل، ولا مشابه له.
المعنى الثاني: العزيز هو الغالب الذي لا يُغلب(بضم الياء)، الإنسان إذا غُلِبَ يصبح ذليلا وليس عزيزا، ومنه قوله تعالى (وعزني في الخطاب) أي غلبني في الخطاب، وفي دعاء القنوت نقول: سبحانك، إنه لا يذل من واليت، و لا يعز من عاديت.
المعنى الثالث: العزيز هو القوي الشديد،ومنه قوله تعالى (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) يس 14 فالتعزيز هو التقوية والتمكين.
إذن فمعنى اسم العزيز: القوي الغالب الممتنع فلا يغلبه شيء ويحتاج العباد إليه في كل شيء.
واسم الله العزيز تتجلى فيه العديد من الصفات منها القوة والقدرة والقيومية
العزيز في القرآن:
وإذا كانت العزة تعنى القوة والغلبة.. فإن ذلك لا يعني أن عزته تبارك وتعالى مبنية على الظلم، بل وصفها بالحكمة حتى لا يظن أحد أنها عزة بطش أو ظلم واستكبار فقال تعالى: (وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)البقرة 220
فهو سبحانه عزيز حكيم: فهو عزيز بحكمة ولله المثل الأعلى، فقد يكون الإنسان عزيزاً فتؤدي به عزته إلى التهور والظلم أحياناً، فيتصرف بعنف ويفسد،لكن الله سبحانه عزيز حكيم، فكل تصرفاته حكمة.
وعزته موصوفة بالرحمة كما في قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) الشعراء 217،218
فهو سبحانه عزيز رحيم: فهو عزيز لكن برحمة ولله المثل الأعلى، قد يكون الإنسان عزيزاً (بمال أو منصب أو قوة) فيصبح قاسياً غليظاً، لكن الله سبحانه عزيز رحيم.
وعزته موصوفة بالمغفرة كما في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)ص 66
و موصوفة بالعلم كما في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)النمل78
وقال جل شأنه (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم)يس 38
فهو سبحانه عزيز عليم: لأن هذه العزة منه سبحانه قائمة على علم لا يلحقه جهل.
و موصوفة بالقوة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج:73
ولنا في هذه الآية وقفة:
فالله سبحانه يشير إلى عجز وضعف الآلهة الباطلة والتي لا تستطيع مجتمعة أن تخلق ذبابة.. بل إنهم لا يستطيعون استرداد ما سلبه الذباب منهم ؛ويلفتنا في نفس الوقت إلى قوته وعزته ؛ فهو سبحانه وتعالى قادر على ما يعجز عنه غيره
ويلاحظ من التقابل في هذه الآية الكريمة أن الضعف قرين المذلة والقوة قرينة العز.
فضعف هذه الآلهة الزائفة بما يترتب عليه من عجز وذل وانكسار يلفتنا إلى استحالة كونها آلهة، فإذا عجز من في الأرض جميعا على خلق ذبابة ولواجتمعوا لذلك ؛ فهذا يلفتنا إلى قوة الله عز وجل وقدرته اللا محدودة.
ويأتي العلم الحديث اليوم ويكشف بجلاء هذه الحقيقة فيقول:
إن الذبابة تمتلك خاصية تحليل الطعام خارج جسمها،فالذبابة تمد فمها من أسفل رأسها لأخذ الطعام، مكونة بذلك أنبوبا لامتصاص الطعام، وتفرز إنزيما ليمكنها من تحليل الطعام وتحويله إلى مادة سائلة لمساعدتها على امتصاصه خلال الأنبوب.
وهذا يعني أنه لو فُرض أخذ الذبابة واستخراج ما بباطنها أو فمها،فإنه لن يكون نفس ما أخذته، بل هو شيء آخر ومركبات أخرى متحللة.
وبهذا تظل الحقيقة القرآنية ناصعة دالة على إعجاز هذا القرآن،فما أخذه الذباب لا يمكن لأحد استنقاذه منه على نفس هيئته،بل متغيرا متحللا.
إسلام بروفيسور أمريكي بسبب هذه الآية الكريمة:
أخبر أحد الأئمة في أمريكا، يقول كنت أخطب يوم الجمعة فقرأت آية كبر لها أحد المصلين استعظاما لها،فسكت حتى انتهى ثم أكملت خطبتي ومن ثم صلاتي،فلما التفت للمصلين أقبل علي من بين الصفوف رجل أمريكي أشقر أبيض في الثمانين من العمر،فقال لي لقد سمعت تكبير الرجل لتلك الآية، والآية التي أسلمت بسببها أعظم فهل تسمح لي بإلقائها فقلت له نعم وقربت منه مكبر الصوت ثم بدأ يتكلم فقال:
لقد كنت رجلاً عالماً بالفيزياء والأحياء بدرجة بروفسور وكنت لا أدين بدين علمانياً بل وملحدا ًوكانت زوجتي مثلي، وفي يوم من الأيام دخلت علي زوجتي وأخبرتني أنها دخلت في الإسلام، ولقد تعجبت من ذلك وبما أني أحمل مبادئ الديمقراطية لم أعترض عليها !!!
ومع الأيام ارتحت لدخولها هذا الدين، لقد أصبحت أكثر هدوءً وأحسن أخلاقاً، ولقد اشترطت علي أن لا ألمس كتابها المقدس (القرآن)الذي تقرأ فيه، وكانت قد رفعته في أعلى رفوف المكتبة.
وفي يوم من الأيام دخلت البيت وكنت مستاء جداً من عملي ومتضايق لأبعد الحدود،فشممت رائحة شواء اللحم الذي تحضره من الجزار المسلم حيث يكون مذبوحاً على الطريقة الإسلامية،وكنت أكره رائحته جداً جداً، فاستثارتني الرائحة وأشعلت غضبي أكثر، فذهبت مسرعاً إلى حيث كانت تشوي في الحديقة،فقلبت الشواية بما فيها من لحم وجمر، ثم دخلت البيت وأنا لا أزال انتفض من فرط الغضب والانفعال،فرفعت بصري فوقع على الكتاب الذي حذرتني من لمسه، فأخذته بين يدي ووضعته على فخذي وأنا جالس على الأريكة، و أخذت أهز قدمي ثم فتحت الكتاب وكان مترجما بالإنجليزية فوقع بصري على هذا الكلام:
(يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره)
صعقت ما هذا الكلام،في علمي أن هذا الكتاب أنزل على محمد قبل ألف وأربعمائة عام، من أين له هذه المعلومة،لقد صنعنا الطائرات فعلاً.. وعابرات القارات.. والصواريخ، ولكن لا نستطيع أبداً أن نخلق ذباباً واحداً، ونحن نعلم في علم الأحياء أن الذباب من أسهل الكائنات الحية تركيباً فلو أستطاع العلماء أن يكونوه استطاعوا أن يعرفوا سر الخلق ومن ثم يستطيعوا أن يعرفوا أسرار خلق الإنسان، والأدهى من ذلك التحدي في هذا الكتاب،في أن نسلب الذباب شيئاً أكله من أكلنا، فأنا عالم في الأحياء وأعلم أن الذباب ليس له معدة فما يأكله يتفرق مباشرة في جسده وينتفع به، فلو شققنا عن معدته لإخراج ما أكله لن نجد شيئاً لأنه كما قلت ليس له معدة، فمن علم محمد هذا قبل ألف وأربعمائة عام لابد أنه من خلق هذا الذباب، ومن خلق الكون كله، دخلت علي زوجتي وأنا في حيرتي.. ودهشتي، فقالت أنت خائن.. وظالم، كيف تأخذه وأنا قد أخذت عليك العهود.. والمواثيق ألا تمسك به،...... قلت بل أنت الظالمة،.....فهذا الكتاب عندك من أربع سنوات ثم لا تطلعيني عليه؟!!
ثم قلت لها أريد أن أعرف الكثير عن دينك هذا، ففرحت كثيراً، ومن ثم أخذتني إلى المركز الإسلامي........
ثم أعلنتها عالية (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله )
الفرق بين العزة والكبر:
التكبر ترفع بالباطل والعزة ترفع بالحق.
أو أن التكبر: نكران النعمة وجحودها والعزة: اعتراف بالنعمة.
والعزة أثبتها الله تعالى للمؤمنين فقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) المنافقون 8
والعزة هي معرفة الإنسان نفسه، وما مَنَّ الله عليه من القدرة والقوة، والمكانة والمنزلة، وحفظها عما يدنسها، ولهذا يوصف الإنسان بها، ولا يكون ذَمًّا، بخلاف الكبر، فإنه وصف مذموم في الإنسان، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)
وبين في نفس الحديث معنى الكبر فقال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس) أي: رد الحق ودفعه، واحتقار الناس وازدراؤهم، فإذا حملت العزة الإنسان على رد الحق وازدراء الناس واحتقارهم دخلت في الكبر المذموم، قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ) البقرة 206.
فبين العزة والكبر نوع تشابه، ولكن بينهما فرق مُمَيِّزٌ كما تبين، فإطلاق بعض الناس الكبر على العزة استعمال غير صحيح؛ لأنه خلط بين ما يصح وصف المؤمن به، وبين ما لا يصح وصفه به.
قال رجل للحسن البصري: إنك متكبر! فقال الحسن: بل أنا عزيز.
يقول سيد قطب رحمه الله (إن العزة ليست عناداً جامحاً يستكبر على الحق ويتشامخ بالباطل، وليست طغياناً فاجراً يضرب في عتو وتجبر وإصرار،وليست اندفاعاً باغياً يخضع للنزوة ويذل للشهوة،وليست قوة عمياء تبطش بلا حق ولا عدل ولا صلاح.. كلا!
إنما العزة استعلاء على شهوة النفس، واستعلاء على القيد والذل، واستعلاء على الخضوع الخانع لغير الله.
ثم هي خضوع لله وخشوع؛ وخشية لله وتقوى، ومراقبة لله في السراء والضراء.. ومن هذا الخضوع لله ترتفع الجباه.)
ثمار الإيمان بهذا الاسم:
1-الإيمان بأن الله هو العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر وأن عزته مقرونة بالعلم والحكمة والقوة والرحمة سبحانه جل وعلا.
2-من كان يريد العزة فلله العزة جميعا:إن العزة كلها لله، فمن كان يريد العزة فليذهب إلى المصدر الأول،ليطلبها عند الله، ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم، وهم مثله محاويج ضعاف!
فلا يحني رأسه لمخلوق متجبر، ولا لقوة من قوى الأرض جيمعاً... فالعزة لله جميعاً.
قال بعض السلف (إن الناس يطلبون العزة في أبواب الملوك ولا يجدونها إلا في طاعة الله )
3- التذلل والانكسارلله عزة: فتذلل العباد لربهم هي ذلة لمن له الخلق والأمر والغنى والملك، وكل العباد رهن مشيئته وطوع أمره، فالعزة الحقيقية ألاَّ تكون مغلوباً ولا مقهوراً لبد مثلك، فمهما بلغ الإنسانُ في الدنيا من القوة والجبروت لا بُدَّ أنْ يُغلب، ولا بُدَّ أنْ يقهره الموت، فإنْ كنتَ مغرماً بعزة لا تزول، فهي في جنب الله.
قال بعض السلف (من أراد عزا بلا سلطان وكثرة بلا عشيرة وغنى بلا مال فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة )
4- الاطمئنان على الرزق والأجل:
يقول الشيخ محمد الغزالي (في خلق المسلم باختصار) إن الناس يذلون أنفسهم لأحد أمرين:
إما أن يصابوا في أرزاقهم أو في آجالهم، والغريب أن الله قطع سلطان البشر على الآجال والأرزاق جميعا، فليس لأحد إليهما من سبيل: فالناس في الحقيقة يستذلهم وهم نشأ من أنفس مريضة بالحرص على الحياة والخوف على القوت، والناس من خوف الذل في ذل، ومن خوف الفقر في فقر.
مع أن الإسلام بنى حقيقة التوحيد على الصلة بالله تبارك وتعالى فيما ينوب ويروع واليأس من الناس فيما لا يملكون فيه على الله بتا، ولا يقدمون نفعا ولا ضرا: (أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور، أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور) الملك 20،21
ويقول ابن القيم في مناجاة الله:
يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يُهيضون عظما أنت جابره !
ذلكم هو التوحيد الكامل. وذلكم ما يجب أن يستشفى به أولئك الضعاف المساكين، الذين يريقون ماء وجوههم في التسكع على الأبواب، والتمسح بالثياب، و الزلفى على الأعتاب. يريد الإسلام ليجتث عوامل القلق في النفوس وأن يكشف عنها الضيق حتى تتنفس في جو طليق، فيقول رسول الله: 'إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله'. حسنه الألباني
إنه يقول ذلك لا ليقعد الناس عن التكسب الواجب: فهذا ظن الجهلة، لكنه يقول ذلك ليُجمل الناس في الطلب، ويخففوا من الإلحاح الشائن والتملق المعيب، وذلك سر القسم: (وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) الذاريات 23.
5- الطاعة طريق العزة:
كلما أطعنا الله كلما رفعنا وكلما خالفنا أمره كلما وضعنا، فمن هان عليه أمر الله هان على الله ومن عظَّم شعائره عظَّمه الله.
وكان من دعاء السلف (اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك )
إن العز كل العز في طاعة الله والذل كل الذل في معصية الله
العز في كنف العزيز ومن عبد العبيد أذله الله
وقال عمر بن الخطاب (والله لقد كنا أذل قوم فاعزنا الله بهذا الدين فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله)
مختارات