الشكر
الشكر خير عيش السعداء لم يترقوا إلى أعلى المنازل إلا بشكرهم، ولمّا كان الإيمان صفين، نصفٌ شكر ونصفٌ صبر، كان حقيقاً على من نصح نفسه وآثر نجاتها وسعادتها.
تعريف الشكر
الشكر لغةً: الاعتراف بالإحسان، شكرت الله- شكرت لله- شكرت نعمة الله. فالشكر في اللغة هو ظهور أذر الغذاء في جسم الحيوان، والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل أو الذي يسمن على العلف القليل. والشكر خلاف الكفر.
والشكر الثناء على المحسن بما أولاه من معروف، وتقول شكرته وشكرت له وقيل اللام أنصح، والشكران خلاف الكفران.
اشتكرت السماء أي اشتد وقع مطرها. واشتكر الضرع أي امتلأ لبناً.
والشكر الزيادة والنماء.
والشكر في الاصطلاح: ظهور أثر النعم الإلهية على العبد في قلبه إيماناً وفي لسانه حمداً وثناءً وفي جوارحه عبادة وطاعة ويكون القليل من النعمة مستوحياً الكثير من الشكر فكيف إذا كانت النعم كثيرة؟، ومن العباد من هو شاكر ومنهم من هو كافر.
شكرت له، يتعدى باللام، وكفرت به ؛ يتعدى بالباء!، ولابن القيم نكتة طرفة في هذا فيقول: [المشكور في الحقيقة هي النعمة وهي مضافة إلى المنعم لذلك تقول شكرت له فيتعدى باللام، أما الكفر ففيه تكذيب وجحد بالنعمة لذلك قالوا كفر بالله وكفر بنعمته وكفر بآلائه فلذلك تعدى بالباء].
هذا الشكر له مقامات عظيمة في الدين:
1- قرن الله ذكره بشكره وكلاهما المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة إليهما وعوناً عليهما، فقد قرن الله الشكر بالذكر فقال: (فاذكروني أذكركم واشكروني ولا تكفرون).
2- قرن الشكر بالإيمان، وأنه لا غرض له في عذاب الخلق إذا قالوا آمنا (ماذا يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم)، أي وفيتم حقه وما خلقتم من أجله وهو الشكر بالإيمان.
3- أهل الشكر هم المخصوصين بمنته عليهم من بين عباده فقال تعالى: (وكذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين).
4- قسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهل الكفر وأحب الأشياء إليه الشكر وأهل الشكر (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً).
5- يبتلي عباده ليستخرج الشكور فقال تعالى على لسان سليمان عليه السلام: (هذا من فضل ربي يبلوني أءشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم).
6- وعد الشاكرين بالزيادة (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).
7- الله يرضى عمل الشاكرين ويرضى الشكر (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم). فيقارن الله بين الشكر والكفر وأنهما ضدّان (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). والشاكرون في هذه الآيات الذين ثبتوا على نعمة الإيمان ولم ينقلبوا على أعقابهم. فمن الناس من لا يصمد عند الابتلاء والمحنة فيكفر ولا يثبت، ومنهم من يظهر لربه حقيقة ما في قلبه عند المحنة والابتلاء، فيتعالى لسانه بذكر ربه وحمده فيثبت ويشكر شكراً عملياً بالقلب واللسان والجوارح.
8- علّق الله المزيد بالشكر والمزيد من لا نهاية له، كما أن الشكر لا نهاية له، ووقف الله الكثير من الجزاء على المشيئة..
- (فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء).
- في الإجابة (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء).
- في المغفرة (يغفر لمن يشاء).
- في الرزق (يرزق من يشاء).
- في التوبة (ويتوب الله على من يشاء).
أما الشكر فإنه أطلقه (وسنجزي الشاكرين)،(وسيجزي الله الشاكرين) ولم يقل (إن شاء)!!
9- أخبر سبحانه وتعالى أن إبليس من مقاصده أن يمنع العباد من الشكر، فتعهد إبليس بأشياء (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) فإبليس يريد حرمانهم من الشكر والقعود بينهم وبينه.
10- وصف الله الشاكرين بأنهم قليل من عباده (وقليل من عبادي الشكور)، وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول: [اللهم اجعلني من الأقلين] فقال ما هذا؟ قال: [يا أمير المؤمنين: الله تعالى يقول (وما آمن معه إلا قليل) ويقول (وقليل من عبادي الشكور) ويقول (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم)] قال عمر: صدقت..!!، وإذا كان الشكر من صفات الأنبياء والمؤمنين فإنه ليس كذلك عند كل الناس فإن كثيراً منهم يتمتعون بالنعم ولا يشكرونها.
11- أثنى الله على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر وهو نوح عليه السلام (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً) إشارة إلى الاقتداء به.
12- أخبر الله أنه يعبده من شكره وأن من لم يشكره فإنه ليس من أهل عبادته: (واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون).
13- أمر سبحانه وتعالى عبده موسى أن يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليف بالشكر (يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين).
14- أول وصية أوصى بها الإنسان بعدما عقل أن يشكر له ثم لوالديه (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير).
15- أخبر الله أن رضاه في شكره (إن تشكروا يرضه لكم).
16- أخبر عن خليله إبراهيم بشكر نعمته (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين شاكراً لأنعمي اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم). فمن صفات الأمة القدوة الذي يؤتم به بالخير يعدل مثاقيل من أهل الأرض أنه كان قانتاً لله شاكراً لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله.
17- الشكر هو الغاية من الخلق(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون). فهذه غاية الخلق، أما غاية الأمر (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)فكما قضى الله لهم بالنصر فليشكروا هذه النعمة.
والخلاصة أن الشكر غاية الخلق وغاية الأمر فخلق ليشكر وأمر ليشكر (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)، والشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره، أنت تصبر لأجل أن يحدث ما يترتب عليه وما يؤدي إليه من الأشياء، والشكر غاية في نفسه والصبر وسيلة إلى غيره وإلى ما يحمد وليس مقصوداً لنفسه.
وفي منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) ذكر ابن القيم في الشكر أيضاً سبعة عشر وجهاً وهي:
1- أنه من أعلى المنازل.
2- فوق منزلة الرضا والزيادة، فالرضا مندرج في الشكر ويستحيل وجود الشكر بدونه.
3- نصف الإيمان شكر ونصفه صبر.
4- أمر الله به ونهى عن ضده.
5- أثنى على أهله ووصفهم بخواص خلقه.
6- جعله غاية خلقه وأمره.
7- وعد أهله بأحسن الجزاء.
8- جعله سبباً للمزيد من فضله.
9- حارساً وحافظاً للنعمة.
10- أهل الشكر هم المنتفعون بآياته.
11- اشتق لهم اسماً من أسمائه (الشكور) وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكوراً.
12- غاية الرب من عبده.
13- سمى نفسه شاكراً وشكوراً، وسمى الشاكرين بهذا الاسم فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلاً.
14- أخبر الله عن قلة الشاكرين في عباده.
15- الشكر لابد معه من مزيد.
الشكر عكوف القلب على محبة المنعم، والجوارح على طاعته وجريان اللسان بذكره والثناء عليه.
والشكر يتعلق بأمور ثلاث: القلب واللسان والجوارح، ومعنى الشكر ينطوي على معرفة ثلاثة أمور وهي معاني الشكر الثلاثة.
1- معرفة النعمة: استحضارها في الذهن وتمييزها والتيقن منها، فإذا عرف النعمة توصل إلى معرفتها بمعرفة المنعم بها ولو على وجه التفصيل، وهذا ما نجده في القرآن الكريم ليستحضر العبد هذه النعم فيشكر. وإذا عرف النعمة سيبحث العقل عن المنعم فإذا عرف المنعم أحبّه فإذا أحبه جد في طلبه وشكره ومن هنا تحصل العبادة لأنها طريق شكر المنعم وهو الله.
2- قبول النعمة: تلقيها بإظهار الفقر إلى المنعم والحاجة إليه وأن وصول النعم تمّ بغير استحقاق، فالله أعطانا النعم منّة وتفضّل.
3- الثناء بها: الثناء على المنعم المتعلق بالنعمة نوعان:
عام ß وهو أن تصفه بالجود والكرم والبر والإحسان وسعة العطاء ونحو ذلك.
خاصß أن تتحدث بنعمه عليك وتخبر بوصولها إليك (وأما بنعمة ربك فحدث).
والتحديث المأمور به هنا فيه قولان:
1- أن تذكر وتعدد (أنعم الله علي بكذا وكذا...) ولذلك قال بعض المفسرين اشكر ما ذكره من النعم عليك في هذه السورة من جبرك يتيماً وهدايتك بعد الضلال وإغنائك بعد العيلة.
2- أن تستعملها في طاعته.
فالتحدث بالنعمة من الثناء على الله، فتثني على الله بالأسماء المناسبة لمقام الشكر(المنان-الكريم-ذو الفضل العظيم – الله واسع – عطاؤه كثير).
حديث جابر مرفوعاً: [من صنع إليه معروفاً فليجزِ به فإن لم يجد ما يجزي به فليثني فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ومن تحلّى بما لم يُعطَ كان كلابس ثوبي زور).
ومن الثناء كقول جزاك الله خير، و الدعاء أيضاً وسيلة للشكر.
أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة:
1- شاكر للنعمة مثني بها.
2- جاحد لها كاتم لها.
3- مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها، وكما في الحديث فالمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور.
وقد روى النعمان بن بشير: [من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله]. والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب [رواه أحمد].
والتحدث بالنعمة المأمور به ينبغي أن يكون ذلك في النفس وعند الآخرين ولكن إذا كان عند حاسديها فإن كتم ذكرها ليس من كفرها فهو لم يكتم ذكر النعمة شحاً بذلك وتقصيراً في حق الله لكن لدرء مفسدة وهي حسد صاحب العين وكيده وضرره ودفع الضرر من المقاصد الشرعية.
أما مقابلة النعمة فلايمكن في حق الله (لن ينال الله لحومها ولا دماءها)، فلا سبيل إلى المجازاة ويبقى في قضية الثناء عليه استعمالها فيما يرضيه، أما المجازاة فلا سبيل إليها ولا ينتفع الله بخلقه شيء.
و واجبنا نحو الله في النعم:
1- الخضوع له، خضوع الشاكر للمشكور.
2- حبه له، حب الشاكر للمشكور.
3- اعترافه بنعمته عليه(الإقرار).
4- الثناء عليه بها.
5- أن لا يستعملها فيما يكره بل يستعملها فيما يرضيه.
وإذا كانت النعم تتفاضل فهل يتفاضل الشكر؟ نعم.
والشكر لله يكون بالقلب واللسان والجوارح.
الشكر بالقلب
علم القلب وذلك بأن يعلم أن الله هو المنعم بكل النعم التي يتقلب فيها [الناس يشكرون المعبر ولا يشكرون المصدر!!]، وهذا مهم في تربية الأطفال، أن يُعرَّف من أين جاءت النعم(يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون)!!
أول نعمة ؛ نعمة الخلق والإيجاد، ورصد النعم والتعرف إليها مرحلة تمهيدية للشكر، وجاءت كثير من الآيات بإحصاء النعم ليكتشف الإنسان كثرتها فيعلم أن النعم لا يمكن حصرها (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).
ولكن ذُكِر لنا أشياء فرعية وأصلية، والفروع نردها إلى أصولها، كالصحة فهي نعمة أصلية وما يتفرع منها من النعم (الحركة- المشي-العمل – الرياضة-النوم- الأكل – الشرب - السفر)، كذلك المال والوقت والعلم كلها نعم أصلية.
وتستطيع أن تضم النعم إلى ما يحاذيها ويشابهها، أنعم علينا بوصفنا مخلوقات بعد الخلق والإيجاد ثم نعمة الآدمية والإنسانية وأنعم علينا بوصفنا مسلمين من نعمة الهداية والإيمان. ونعمة التربية التي ترتقي بالفرد درجة بعد درجة وتعلم علماً بعد علم حتى يبلغ كماله، وفوق كل ذلك نعمة النبوة للذين اصطفاهم الله، والصديقين والشهداء و الصالحين.
إن عرض النعم على العامة أمر مهم جداً وهو قضية في الدعوة، فالله عزوجل خص الآدمي أنه خلقه بيده (لما خلقت بيدي).
(ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار).
وذكر في سورة النحل(سورة النعم): (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون* وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون * وعلامات وبالنجم هم يهتدون * أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون* و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم).
(والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون).
هذه المنة للإيمان بعد الإسلام أو الإسلام اولاً (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين).
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
ومن نعمة الهداية يكون الأمن والسكينة والفرج والمغفرة والرحمة والبركة والتيسير وسعة الرزق.
ومن مقاصد ووسائل الدعوة أنك تحدث المدعوين بنعم الله عليهم ليحصل الشكر (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون). فبعض الناس اتجهوا إلى أشياء غريبة في تفسير النعم أو نسبتها إلى مصادر باطلة ليست هي، مثل الذي فعله قارون لما ذكر بنعمة الله عليه فقال (إنما أوتيته على علم عندي)، فالغرور يجعلهم ينسبون النعمة إلى غير المنعم، وهذا فعل الأشقياء فالله تعالى يقول: (وما بكم من نعمة فمن الله)(فلينظر الإنسان مما خلق)(فلينظر الإنسان إلى طعامه)(أءنتم أنزلتموه من المزن) (وما أنتم له بخازنين) (أفرءيتم الماء الذي تشربون*أءنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء لجعلناه أجاجاً فلولا تشكرون).
الشكر باللسان
لسان المرء يعرب عما في قلبه، فإذا امتلأ القلب بشكر الله لهج اللسان بحمده والثناء عليه، وتأمل ما في أذكار النبي صلى الله عليه وسلم من الحمد والشكر لرب العالمين..
1- كان لما يفيق من نومه يقول:[الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور]، [الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره].
2- وإذا أوى إلى فراشه لينام يقول: [الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا فكم ممن لا كافي له وملا مؤوي].
3- ومن أذكار الصباح والمساء[اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر] من قالها حين يصبح فقد أدى شكر ليله.
4- سيد الاستغفار[أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي] اعتراف بالنعمة واعتراف بالتقصير في شكرها لأنه يذنب.
5- يفتتح الأدعية بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله.
6- في كل خطبة أو نكاح أو أمر ذي بال يحمد الله.
7- دعاء الاستفتاح – سورة الفاتحة – الرفع من الركوع – أذكار ما بعد السلام – ربنا ولك الحمد – أدعية التهجد – اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن – الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
8- إذا أكل أو شرب أو سئل عن حال أو سافر أو عطس.
9- في أي ساعة يحمد ربه من ليل ونهار، له في كل تحميدة صدقة.
وقعت يد عائشة على يد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد في بطن الليل وقدماه منصوبتان يقول: [اللهم إني أعوذ برضاك من
سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك].
قال صلى الله عليه وسلم: [يا معاذ إني أحبك فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنّي على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك].
الشكر بالجوارح
وهي ما سوى القلب واللسان من جوارح، فما من عمل يعمله ابن آدم من الطاعات والعبادات إلا وهو شاكر فيه لنعم ربه سبحانه وتعالى.
والخلاصة في الشكر بالجوارح ؛ العمل الصالح، فعند بلوغ الأربعين (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه)، فسأل الله العمل الصالح عقب سؤاله التوفيق على شكر نعمته يعني أن الشكر باللسان وحده لا يكفي.
ومن وسائل الشكر بالجوارح حديث (كل ابن آدم يصبح وعلى كل سلام ومفصل صدقة) فكيف يؤدي شكر 360 مفصل؟، كل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وعدد المفاصل 360 إذا شكرها المرء [أمسى يومه وقد زحزح عن النار].
والصدقات كثيرة جمعها ابن رجب في شرحه الأربعين النووية[الصدقات البدنية- المالية-الخبرة من تعليم صنعة أو تصنع لأخرق- التفهيم – التعليم – الوقت – الجاه...]، فذو القرنين مثلاً علم شعباً جاهلاً صناعة السدود حتى تقيهم شر أعدائهم.
المقصود أن المسلم عليه أن يشكر ربه بجوارحه بسائر أنواع الصدقات وكل معروف صدقة ولا يغني شكر يوم عن يوم آخر.
وليس هناك تعارض بين شكر الله وشكر الناس، لأن الله أمر بشكر الناس، وهو سبحانه الذي أرشدنا إلى شكر الناس إذا صنعوا لنا معروفاً أن نكافئهم وأولهم الوالدين (اشكر لي ولوالديك) (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، فليس شكر المخلوق قادحاً في شكر الخالق بل المشكلة فيمن يشكر المخلوق ولا يشكر الخالق وهذه هي المصيبة، وهناك فرق بين شكر العبد وشكر الرب، فشكر الرب فيه خضوع وذل وعبودية ولا يجوز لشكر العبد أن تعبده وإنما تعطيه شيء مقابل شيء، وتدعو له وتثني عليه..
شكر الله أيضاً يختلف عن شكر الناس من جهة العبودية والدرجة ومافيه من أنواع الطاعات له سبحانه وتعالى..
والإنسان الذي لا يشكر الناس إنسان لئيم وحريٌ به أن لا يشكر الله..
والنعم تزيد بالشكر وتحفظ من الزوال بالشكر(لئن شكرتم لأزيدنكم) (ولا تتمنوا مافضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله).
من الأشياء التي تؤدي إلى الشكر:
1- أنك تنظر إلى من هو دونك، قال صلى الله عليه وسلم: [انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله]. فمما يحفظ العبد من ترك الشكر عندما ينظر إلى من هو فوقه أن هذه قسمة الله (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما أتاكم).
2- أن يعلم العبد أنه مسئول عن النعمة (ثم لتُسألن يومئذ عن النعيم) ومحاسب عليها حتى الماء البارد، ومن نوقش الحساب عُذِّب.
ويشتط الناس في فهم شكر ما أسبغ الله عليهم من النعم لدرجة أنهم يحرمون أنفسهم منها، والله رضي لنا أن نستمتع وأن نشكر (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)(كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون).
فلا يمكن أن يكون الشكر بتحريم الحلال وهذا من مباديء الصوفية، فالله رضي لنا أن نستخدم النعم المباحات ونشكره عليها سبحانه وتعالى، ولو كان شرطاً في الانتفاع بالنعمة أداء ثمنها شكراً ؛ ما وفّت كل أعمال العباد ولا على نعمة واحدة[أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي] فتشكر الله وتعترف بالنعم وتستغفر من التقصير بشكر النعمة.
فالحل أن نستخدم النعم فيما يرضي الله ونثني عليه ونشكره ونستغفره من التقصير في الشكر وهو تعالى رضي منا بهذا..
وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تفطرت قدماه وتشققت قيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟قال: [أفلا كون عبداً شكوراً!!]. فتشكر الله على المغفرة.
ومن الوسائل أن ندعو الله أن يعيننا على الشكر[اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك]، قالها لمعاذ، وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي المال نتخذ؟ فلفت نظرهم صلى الله عليه وسلم فقال: [ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر دينه ودنياه].
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى على العبد أن يأكل الاكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها).
قال الحسن البصري رحمه الله: إن الله ليمتع بالنعمة ماشاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذاباً ولهذا كانوا يسمون الشكر(الحافظ) لأنه يحفظ النعم الموجودة و (الجالب) لأنه يجلب النعم المفقودة.
هكذا يحفظ ويحصّل من علو منزلة الشكر وعظمه عند الله، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبدß قيد النعم، فهو يقيد النعمة ألا تنقلب ولا تهرب.
قال عمر بن عبد العزيز: [قيدوا نعم الله بشكر الله]، والشكر مع المعافاة عند بعض أهل العلم أعظم من الصبر على الابتلاء. فقال مطرف بن عبد الله: [لأن أعافي فأشكر أحبُّ إليّ من أن أُبتلى فأصبر].
فإذا رزقت الشكر على النعمة فإن هذا لا يقل عن الصبر على المصيبة. وقال الحسن: [أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه (وأما بنعمة ربك فحدث) والله يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال].
وقال أبو رجاء العطاردي: خرج علينا عمران بن حصين وعليه معطف من خزّ لم نره عليه من قبل ولا من بعد فقال: [إن رسول الله قال إذا أنعم الله على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده].
وقال صلى الله عليه وسلم: [كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده]، وهنا الضابط والحد الشرعي، فإذا أردت أن تظهر نعم الله عليك فإن ذلك مقيد في عدم الخيلاء والإسراف.
عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة فقال هل لك من مال؟قلت نعم قال من أي المال؟ قلت من كل المال، الإبل، الرقيق، النعم، الخيل.. قال: [إذا آتاك الله مالاً فليرَ عليك].
وقال الحسن: إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادراً على أن يزيدهم وإذا كفروه كان قادراً على أن يبعث عليهم عذاباً.
وقد ذم الله الكنود وهو الذي لا يشكر نعمه، قال الحسن: (إن الإنسان لربه لكنود) أي يعد المصائب وينسى النعم.
وفي النساء أظهر، فلو أحسنت إلى إحداهن الدهر وطيلة العمر ثم رأت منك تقصيراً قالت مارأيت منك خيراً قط!، وهذا ظلم، والنساء أكثر أهل النار لأنهم يكفرن العشير، وإذا كان ترك شكر نعمة الزوج يؤدي إلى جهنم فما حال من يكفر نعمة الله..؟!!
يا أيها الظالم في فعله
والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى
تشكو المصيبات وتنسى النعم
والتحدث بالنعم شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم فلما قرأت (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب ربنا ولك الحمد..
وقال شُريح: وما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم:
1- ألا تكون في دينك.
2- أنها لا تكون أعظم مما كانت.
3- أنها لابد كائنة فقد كانت.
(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم).
كان عمر بن عبد العزيز إذا قلّب بصره في نعمة أنعمها الله عليه قال: [اللهم إني أعوذ بك أن أبدّل نعمتك كفراً وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثني بها]، لأن الله ذم الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رُفعت مائدته قال: [الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفيٍّ ولا مكفور، الحمد لله ربنا غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنٍ ربنا].
وكذلك من شكر النعم المتجددة أنك تسجد سجود الشكر وفي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أمر فسرّ به فخرّ لله ساجداً، وأبو بكر لما جاءه قتل مسيلمة المرتد الذي ألب عليه العرب وأشد الناس على المسلمين خرّ لله ساجداً، وعلي رضي الله عنه لما رأى ذا الثدية في الخوارج أسود مخدّج مقطوع اليد عند العضد مثل حلمة المرأة، وأنه علامة وآية أنه سيقاتل الخوارج أمرهم فبحثوا في جثث القتلى وأخرجوه ؛ سجد علي رضي الله عنه شكراً لله. وكعب بن مالك سجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه.
والسنة لم ترد بسجود الشكر يومياً لكنها وردت في النعم المتجددة والتي تذكر بالنعمة المستديمة، ولأن هذه النعم المتجددة العظيمة لها وقع في النفوس والقلوب أعلق بها وأهنأ والإنسان يُعزّى بفقدها فإن ما توجبه من فرح النفس وانبساطها والذي يدفع الأشر والبطر عند نزول النعمة فجأة.
ومن النعم المتجددة كما يقول أحد السلف: بشّرت الحسن بموت الحجاج وهو مختفٍ فخرّ لله ساجداً،فموت ظالم نعمة و ولادة مولود، وجاء الخبر في الانتصار.
قال ابن القيم: [الدين نصفان، نصف شكر ونصف صبر، فهو قاعدة كل خير، والشكر مما يحبه الله فهو يحب أن يُشكر عقلاً وشرعاً وفطرةُ]، فوجوب شكره أظهر من كل واجب، وقد فاوت الله بين عباده بالنسبة للنعم الظاهرة والباطنة وفي خلقهم وأخلاقهم و أديانهم وأرزاقهم ومعايشهم. لذلك فقد روى الإمام أحمد في كتاب الزهد: [قال موسى هلاّ سويت بين عبادك قال إني أحببت أن أشكر]، فالتفاوت بين العباد يؤدي إلى الشكر.
وقد تنازع أهل العلم بين الفقير الصابر والغني الشاكر، أيهما أفضل في كلام طويل، والظاهر أن كل واحد في حق صاحبه أفضل، فالشطر في حق الغني أفضل والصبر في حق الفقير أفضل.
مختارات