فضل الاسماء الحسنى واهميتها
أيها الأحبة في اللَّه: أسماء الله الحسنى كلها خير، بل كل الخير ليس إلا ثمرة لها، وكل الفضل ليس إلا زهرة من شجرتها.
فتعالوا بنا أيها الأحبة ولتمشي أقدامُ المحبةِ على أرضِ الاشتياق إلى جنة أسماء ربنا تبارك وتعالى، ولندخل بساتينها النضرة، ولنقطف من فضائلها زهرة، ولنرتشف من عسلها قطرة.
- أولاً: (الأسماء الحسنى من أعظم أسباب دخول الجنة):
لمن عرفها وآمن بها وأدَّى حقَّها. فعن أبي هريرة (رضي اللَّه عنه) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لله تسعةٌ وتسعون اسمًا مائة إلاَّ واحدة لا يحفظها أحدٌ إلا دخل الجنة). وفي رواية: (من أحصاها دخل الجنة "
ثانيًا: الأسماء الحسنى تعرِّفك باللَّه عزَّ وجلَّ:
عن أبي بن كعب رضي اللَّه عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }.
ثالثًا: معرفة الأسماء الحسنى أصل عبادة الله تبارك وتعالى:
قال أبو القاسم التيمي الأصبهاني في بيان أهمية معرفة الأسماء الحُسنى: قال بعض العلماء: أول فرض فرضه اللهُ على خلقه معرفته، فإذا عرَفه الناس عبدوه، وقال تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } [محمد: 19]. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها، فيعظموا اللَّه حقَّ عظمته.
قال: ولو أراد رجل أن يتزوج إلى رجل أو يُزَوِّجه أو يُعامله طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجدِّه، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فاللَّه الذي خلقنا ورزقنا ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطته أولى أن نعرف أسماءه، ونعرف تفسيرها.
فمثلًا: فمن عرف أنه حييُّ كريم قوي فيه رجاؤه وازداد فيه طمعه، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن ربكم تبارك وتعالى حَييٌّ كريم يستحي مِن عبده إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صفرًا)
رابعًا: الأسماء الحسنى أعظم الأسباب لإجابة الدعاء:
قال تعالى: { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180].
فدعاء الله بأسمائه الحسنى هو أعظم أسباب إجابة الدعوة وكشف البلوة، فإنه يرحم ؛ لأنه الرحمن، الرحيم، ويغفر ؛ لأنه الغفور، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل اللَّه بأسمائه الحُسنى ويتوسل إليه بها، فكان يقول: (أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيت به نفسك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي...)
وقد دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسجد، فسمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت اللَّه لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يَلد ولم يُولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال: (لقد سألت اللَّه بالاسم الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب). وفي رواية فقال: (والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى). وفي رواية لأحمد: أنه سمع رجلاً يقول بعد التشهد: اللهم إني أسألك يا اللَّه الأحد الصمد، الذي لم يَلد ولم يُولد ولم يكن له كفوًا أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (قد غُفِرَ له، قد غُفِرَ له). ثلاثًا ".
خامسًا: إن اللَّه يحب من أحب أسماءَه الحسنى:
عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سَريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟) فسألوه، فقال: (لأنها صفة الرحمن، وأنا أحبُّ أن أقرأ بها). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبروه أن الله يحبه).
وفي حديث آخر، قال الرجل: إني أحبها. فقال: (حُبُّك إياها أدخلك الجنة).
سادسًا: دعاء اللَّه بأسمائه الحسنى أعظم أسباب تفريج الكروب وزوال الهموم:
عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب أحدًا قط همٌ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدك، ابن عبدك، ابن أَمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكُمك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألك بكل اسم هو لك، سميَّت به نفسك، أو علَّمته أحدًا من خلقِك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيبِ عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب اللَّه همَّه وحزنه وأبدل مكانه فرحًا). فقيل: يا رسول اللَّه، أفلا نتعلمها؟ فقال: (بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا اللَّه العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ السماواتِ والأرضِ ورب العَرشِ العظيم.
وفي رواية للنسائي وصححه الحاكم عن علي: لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات وأمرني إن نزل كرب أو شدة أن أقولها.
سابعًا: الأسماء الحسنى أصل كل شيء:
قال تعالى: { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } [الحديد: 3].
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء...)
فإن اللَّه هو الأول فلم يسبقه شيءٌ، وكل شيء دونه إنما هو من خلقه ومن ثمرة أفعاله ومن آثار أسمائه وصفاته.
قال ابن القيم رحمه اللَّه: وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود من سواه تابع لوجوده، تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه، فالعلم بأسمائه تبارك وتعالى وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءَه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم ؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم ؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها
. ومن أمثلة ذلك:
الأصل في الخلق أن اللَّه هو (الخالق)، فلا يوجد خلقٌ غير خلقه، ولا يوجد خالق سواه. قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الرعد: 16].
والأصل في الرزق أن اللَّه هو الرزَّاق. قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات: 58]. فهو الرزَّاق ولا رازق سواه، وكل رزق إنما هو رازقه، وما من عطاءٍ إلا وهو الذي أعطاه، قال تعالى على لسان نبيه موسى: { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه: 50].
والأصل في الرحمة أن اللَّه تبارك وتعالى هو الرحمن والرحيم، فكل رحمة مشتقة من رحمته، فها هي الرحم قد اشْتق اسمها من اسمه الرحمن، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها اسمًا من اسمي... "
إخوتاه: كل ما نراه من رحمات بين الخلائق ليست إلا آثار رحمة واحدة لرب الأرض والسماوات ؛ اللَّه الرحمن الرحيم تبارك وتعالى. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن اللَّه خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة) - وفي حديث آخر: (كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض - فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمةً واحدة). وفي رواية: (إن للَّه مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحشُ على ولدها - وفي رواية: حتى ترفع الدابَّةُ حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وأخَّر اللَّهُ تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة).
فكل رحمة مهما عظُمت إنما هي من اللَّه على الحقيقة، فأعظم الناس رحمة بالناس هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قد وصفه اللَّه بقوله: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة: 128]، فما هذه الرحمة العظيمة والأخلاق الكريمة إلا نسيم من رحمة اللَّه عز وجل. قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]. وقال تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [آل عمران: 159].
إخـوتـاه:
كل الرحمات من اللَّه، فلا يرسلها غيره ولا يمسكها سواه. قال تعالى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } [فاطر: 12].
فإذا لم يرحم اللَّه فمن إذًا الذي يرحم !!
والأصل في المغفرة أن اللَّه هو الغفار، والغفور، قال تعالى: { وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ } [آل عمران: 135].
وكل عفوٍ ومغفرة إنما يكون من مغفرة اللَّه وعفوه، وهو الذي علَّم عباده كيف يعفون ويغفرون.
قال تعالى: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } [النور: 22].
ثامنًا: معرفة اللَّه بأسمائه وصفاته هي أصل خشيته تبارك وتعالى:
إن العلم بأسماء الله جل ثناؤه وصفاته ومعرفة معانيها يُحْدِثُ خشية ورهبة في قلب العبد، فمن كان بالله أعرف فهو منه أخوف، ومن كان به أعلم كان على شريعته أقوم، قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28].
قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: إنما يخاف اللَّهَ فيتقي عقابه بطاعته العلماءُ بقدرته على ما يشاء من شيء وأنه يفعل ما يريد "
وقال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: ليس العلم عن كثرة الرواية، ولكن العلم الخشية، { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28].
ولذلك فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية للَّه تبارك وتعالى ؛ لأنه كان أعلم الناس به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم باللَّه وأشدكم له خشية). وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (إن أتقاكم وأعلمكم باللَّه أنا)
فمعرفة الله عز وجل أساس تعظيمه وخشيته وأعظم أسباب البعد عمَّا يغضبه. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن اللَّه أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظمك ربَّنا، فيُرد عليه: لا يعلم ذلك من حلف بي كاذبًا). أي: لو عَلِمَ الحالفُ باللَّه كذبًا عظمة اللَّه جل جلاله لخَشِيَه واتقاه وما اجترأ على هذا الفعل وأمثاله.
تاسعًا: من عرف الأسماء الحسنى كما ينبغي فقد عرف كلَّ شيء:
أيها الأحبة في اللَّه، إن أسماء اللَّه الحسنى كلها حُسن وبركة، ومن حُسنها أنها تعرفك بكل شيء على حقيقته من غير إفراطٍ ولا تفريط. فمن عرف أن اللَّه عزَّ وجلَّ هو الخالق، عرف أن كل ما دونه مخلوق، قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الرعد: 16].
ومن عرف أن اللَّه عز وجل هو الرزاق علم أن كل ما دونه مرزوق، قال تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6]، وكذلك يعلم أنه لا يملك الرزق سواه، قال تعالى: { وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } [النمل: 64].
ومن عرف أن اللَّه تبارك وتعالى هو الملك، عرف أن كل ما دونه مملوك، قال تعالى: { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } [المائدة: 17].
ولذلك قيل: مَن عرف ربه فقد عرف نفسه.
فمن عرف ربه بالغِنى، عرف نفسه بالفقر. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر: 15].
ومن عرف ربه بالبقاء عرف نفسه بالفناء. قال تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [الرحمن: 26، 27].
ومن عرف اللَّه بالعلم، عرف نفسه بالجهل، قال تعالى: { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 216].
وحين ركب الخضر مع موسى عليهما السلام السفينة، نظر إلى عصفور قد نقر في البحر نقرة أو نقرتين، فقال الخضر لموسى (عليهما السلام): (ما علمي وعلمك من علم اللَّه إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر)
فمن عرف اللَّه عزَّ وجلَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، علم أنه بالكمال موصوف، وبالإحسان والجمال والجلال معروف، وعرف أيضًا نفسه بكل نقص وعيب، إلا أن يرزقه الله عز وجل كمال الإيمان وصالح الأعمال فيورث له ذلك عبودية صادقة بالانكسار بين يدي الجبار تبارك وتعالى، فيذل لعزته ويخضع لقوته.
وهذا هو دأب الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فها هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتعبد لربه بذلك فيقول: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك...)
فلما عرف أن اللَّه هو ربه وإلهه وخالقه، عرف نفسه بعبوديته له، فقال: (وأنا عبدك...). وقال أيضًا في دعاء الاستخارة: (فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب...).
عاشرًا: حسن الظن باللَّه عز وجل:
ويُعد حسن الظن باللَّه تعالى ثمرة للفضيلة السابقة. فمن عرف غِنى الله وفقر خلقه، وقدرة اللَّه وعجز خلقه، وقوة اللَّه وضعف خلقه، عرف مقدار افتقار الخلق لغنى الله، وضعفهم لقوته، وتواضعهم لعظمته، وذلتهم لعزته، تبارك وتعالى.
فإذا تبين له ذلك على الحقيقة حال إذن يُعظِّم اللَّهَ وحده ويخافه ويصبح عبدًا له وحده، فمن دخل قلبه اليقين على قدرة اللَّه، خرج منه اليقين على قدرة الخلق، ومن خشي اللَّه تبارك وتعالى خرجت من قلبه خشية مَنْ سواه، فورث له ذلك حسنَ ظنه باللَّه عز وجل واعتصام به دون سواه وتوكل عليه دون غيره وسلم له في كل أمره، وهذا بعينه ما حدث لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه في الغار حين أحاط بهم المشركون، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لو نظر أحدهم أسفل قدميه لرآنا، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما).
الحادية عشرة: لا يضر مع اسم اللَّه شيء:
ومن فضائل أسماء اللَّه الحُسنى أنها يُستجلب بها الخير ويستدفع بها الشر. فاسم اللَّه يدفع الضرر ويرفعه.
فعن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه (عليه الصلاة والسلام) يقول: (ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم اللَّه الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات فيضره شيء)
الثانية عشرة: الأسماء الحسنى وأثرها في الحلال والحرام:
ولم تقتصر فضائل الأسماء الحسنى وبركتها على حياة القلوب وتفريج الكروب، بل وكذلك كان لها أعظم الأثر في الفقه، فترى أن ذكر اسم اللَّه على شيء قد يفرق بين الحلال والحرام. فأحلّ اللَّهُ عز وجل الذبيحة التي ذُكِر اسمُه عليها، بل وأمر بالأكل منها. قال تعالى: { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [الأنعام: 118]. وعاتب من لا يأكل مما ذكر اسم اللَّه عليه، قال تعالى: { وَمَا لَكُمْ أَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } [الأنعام: 119].
وعن عدي بن حاتم قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أُرسِلُ كلابي المعلمة؟ قال: (إذا أرسلتَ كلابَك المعلمةَ وذكرتَ اسم اللَّه فأمسكن فكُل).
وقد نهى عن أكل اللحم أو الصيد الذي لم يُذكر اسمُ اللَّه عليه، قال تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [الأنعام: 121].
الثالثة عشرة: العلم بأسماء اللَّه الحسنى أعظم العلوم وأشرفها:
إن أشرف العلوم هي العلوم الشرعية، وأشرف العلوم الشرعية هو العلم بأسماء اللَّه الحسنى، وصفاته العُلى ؛ لتعلقها بأشرف من يمكن التعلم عنه ؛ وهو اللَّه سبحانه وتعالى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى: والقرآن فيه من ذكر أسماء اللَّه وصفاته وأفعاله، أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء اللَّه وصفاته أعظم قدرًا من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك - أي لأسماء الله وصفاته - كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأُبي بن كعب: (أَتَدري أي آية من كتاب اللَّه معك أعظم؟). قال: قلت: { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة: 255]). قال: فضرب في صدري وقال: (واللَّه ليهنك العلم أبا المنذر).
وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه أن { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن
الرابعة عشرة: بركة الأسماء الحسنى في المعيشة:
قال تعالى: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [الرحمن: 78].
ومن بركة الأسماء الحسنى أن الشيطان لا يقرب ما ذُكر عليه اسمُ الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال إبليس: يا رب، ليس أحدٌ من خلقك إلا جعلت له رزقًا ومعيشة، فما رزقي؟ قال: ما لم يُذكرعليه اسمي)
الخامسة عشرة: بركة الأسماء الحسنى تلحق الذرية:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ابن عباس رضي اللَّه عنهما: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: بسم اللَّه، اللهمَّ جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولدُ في ذلك لم يضره شيطان أبدًا).
السادسة عشرة: أسماء اللَّه أعظم أسباب شفاء:
فإن اللَّه تبارك وتعالى هو خالق البدن ويعلم دائَه، وبيده وحده شفاؤه، ودواؤه، وخير دواء، وأعظم شفاء هو أسماء اللَّه عز وجل، ولذلك حين عاد جبريل عليه السلام رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه لم يجد سببًا للشفاء خيرًا من أن يرقيه باسم اللَّه عز وجل.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أشتكيت؟ قال: (نعم). قال: (بسم اللَّه أرقيك، من كل شيءٍ يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، اللَّه يَشْفِيك، بسم اللَّه أرقيك).
السابعة عشرة: النجاة من الوسوسة:
فمن عرف الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى ثبت إيمانه وصدق يقينه، فكان لمجاهدة الشيطان أشد وعلى دفع الوساوس أقوى.
فعن أبي زميل قال: سألت ابن عباس، فقلت: ما شيءٌ أجد في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: واللَّه ما أتكلم به، قال: فقال لي أشيءٌ من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد. قال حتى أنزل الله عز وجل: { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ } الآية [يونس: 94]، قال: فقال لي: (إذا وجدت في نفسك شيئًا، فقُل: { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الحديد: 3])
* * *
مختارات