ذِكْر قصة هود عليه السلام (١)
وهو هودُ بن شالخ بن أرفَخْشَذ بن سام بن نوح.
ويُقال: إن هودًا هو عابر بن شالخ بن أرفَخْشَذ بن سام بن نوح.
ويُقال: هود بن عبد اللَّه بن رَباح بن الجارود بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح.
ذكرَه ابن جرير.
وكان من قبيلة يُقال لهم: عاد بن عوص بن سام بن نوح، كانوا عربًا يسكنون الأحقاف، وهي جبال الرمل، وكانت باليمن بين عُمان وحضرموت بأرضٍ مُطلّةٍ على البحر، يقال لها: الشحر، واسم واديهم مغيث.
وكانوا كثيرًا ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضِّخام، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ [الفجر: ٦ - ٧] أي: عاد إرم، وهم عاد الأولى.
وأما عادٌ الثانية فمتأخرة، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه.
وأما عاد الأولى، فهم عاد ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ [الفجر: ٧ - ٨] أي: مثل القبيلة.
وقيل: مثل العمد.
والصحيح الأول، كما بيَّناه في التفسير.
ومن زعمَ أنَّ إرمَ مدينةٌ تدور في الأرض، فتارةً في الشام، وتارةً في اليمن، وتارةً في الحجاز، وتارةً في غيرها، فقد أبعدَ النُّجْعةَ، وقال ما لا دليلَ عليه، ولا برهانَ يُعوَّلُ عليه، ولا مستندَ يُركنُ إليه.
وفي صحيح ابن حبَّان: عن أبي ذرٍّ، في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين، قال فيه: "منهم أربعةٌ من العرب، هُودٌ، وصالحٌ، وشُعيب، ونَبيُّكَ يا أبا ذر".
ويُقال: إن هُودًا أوَّلُ من تكلَّم بالعربية، وزعمَ وهبُ بن مُنبِّه أنَّ أباه أوَّلُ من تكلَّم بها.
وقال غيره: أوَّلُ من تكلَّم بها نوح.
وقيل: آدمُ، وهو الأشبه.
وقيل: غير ذلك، واللَّه أعلم.
ويُقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل: العربُ العاربةُ، وهم قبائلُ كثيرةٌ منهم: عاد، وثمود، وجُرْهم، وطَسْم، وجَديس، وأميم، ومَدْين، وعِمْلاق، وعَبيل، وجَاسم، وقَحْطان، وبنو يقطن، وغيرهم.
وأما العرب المستعربة: فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وكان إسماعيلُ بن إبراهيم أوَّلَ من تكلَّم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد أخذَ كلامَ العرب من جُرْهم الذين نزلوا عند أُمِّه هاجرَ بالحرم، كما سيأتي بيانُه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى، ولكنْ أنطقَه اللَّه بها في غاية الفَصاحة والبيان، وكذلك كان يتلفَّظُ بها رسولُ اللَّه ﷺ.
والمقصودُ أنَّ عادًا وهم عادٌ الأولى كانوا أوَّل من عبدَ الأصنام بعد الطُّوفان، وكانت أصنامُهم ثلاثة: صدًا، وصمودًا، وهرًا (١).
فبعثَ اللَّه فيهم أخاهم هودًا ﵇، فدعاهم إلى اللَّه، كما قال تعالى بعد ذكر قوم نوح، وما كان من أمرهم في سورة الأعراف: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٦٥) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٦٦) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٦٥ - ٧٢].
وقال تعالى بعد ذكر قصة نوح في سورة هود: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (٥٠) يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)﴾ [هود: ٥٠ - ٦٠].
وقال تعالى في سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ بعد قصة قوم نوح: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٨ - ٢٢] وقال في الحاقة: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦ - ٨] وقال في سورة الفجر: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: ٦ - ١٤].
وقد تكلَّمنا على كلٍّ من هذه القصص في أماكنها من كتابنا التفسير، وللَّه الحمد والمنة.
(١) في تاريخ الطبري (١/ ٢١٦): صدَّاء، وصمود، والهباء.
وفي إحدى النسخ المخطوطة: الهناء.
مختارات