التكافل الاجتماعي كما صوره القرآن
ربما يظن البعض أن نظام التكافل الاجتماعي في القرآن قاصر على ضمان الأمور الضرورية والحيوية بالنسبة للفرد والجماعة ومرتكز على جوانب معينة من البر و الإحسان والصدقة للفقراء والمحتاجين ولكن الحقيقة أن مفهوم التكافل في الإسلام هو أشمل وأوسع من ذلك. فهو يشمل تربية عقيدة الفرد وضميره وتكوين شخصيته وسلوكه الاجتماعي ويشمل تنظيم الأسرة وتنظيم العلاقات الاجتماعية ويشمل تنظيم المعاملات المالية والعلاقات الاقتصادية أيضاً، فالأرض ـ بكل خيراتها ـ لا تبخل على الإنسان بعمل، وإن العقل البشري ـ بطاقته ـ يفتح آفاقاً واسعة لتطوير مصادر الغذاء في البر والبحار والمحيطات والأنهار. وهذه الخيرات تستطيع إشباع ملايين الأفراد، خصوصاً إذا ما استخدمت وسائل الإنتاج الزراعي والحيواني الميكانيكية التي تستطيع مضاعفة الإنتاج الغذائي بكلفة أقل. وكل هذا النشاط والاستثمار يقع تحت عنوان حق الجماعة في التمتع بمصادر الثروة الاجتماعية ؛ فتضمن الدولة حقوق القاصرين والعاجزين عن العمل، فضلاً عن حقوق عموم الأفراد باستثمار مصادر الثروة الطبيعية بكافة أنواعها و أشكالها المعروفة. فالأرض بخيراتها الهائلة إنما خلقت للجميع كما ورد في قوله تعالى:
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } البقرة 29
وهذا الضمان ينبع من جوهر النظرة القرآنية للإنسان. فالفرد ـ حسب تلك النظرة ـ ليس كياناً مادياً فحسب، بل هو كيان مادي وروحي كريم ؛ والجوع يمزق هذا الكيان ويحط من قدره ؛ وبذلك فلابد من إشباع حاجاته الأساسية في العيش ا! لكريم. والى هذا التفضيل أشار الكتاب المجيد بقوله تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(70) } الإسراء
وليس غريباً أن نلمس بكل صراحة إدانة القرآن الكريم للبخل والبخلاء، وأولئك الذين يكنزون أموالهم ويبعدونها عن التداول الاجتماعي ؛ لأن البخل يحرم الأفراد من التنعم بالثروات الاجتماعية فقال تعالى: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(180) } آل عمران
إن المولى عز وجل خلق للأفراد مصادر غذائهم وكسوتهم، ولكن سوء التوزيع الذي يقوم به الإنسان هو الذي يحرم البعض من حقوقهم ويتخم البعض الآخر. وهذا يفسر ـ إلى حد ما ـ تأكيد القرآن المستمر على الإنفاق الواجب والمستحب على الفقراء والمساكين كالصدقات الواجبة، والكفارات، والأضحية، والأنفال.
ولا تتوقف الشريعة الإسلامية بمساعدة الفقراء عند الضمان الاجتماعي فحسب، بل تتعدى في نظرتها الشمولية إلى التكافل العام بين جميع أفراد المجتمع الإنساني، الذي ينبغي أن يقوم على مبدأين هما:
الأول: مبدأ كفالة الأفراد بعضهم البعض كفاية، وهذا المبدأ لا يمكن تجزئته أو فصله عن بقية أحكام الإسلام التي تفرض على المكلفين ضرائب وغرامات مالية أو عينية يرد أغلبها إلى الفقراء، خصوصاً القاصرين والعاجزين.
الثاني: مبدأ الاخوة الذي يعتبره الإسلام حجر الأساس في بناء العلاقات الاجتماعية النظيفة. وقد أشارت الأحكام الشرعية الإسلامية في أكثر من موضع إلي ضرورة التحسس لآلام الآخرين وأهمية مشاركة الأفراد شعورهم الإنساني من أفراح واترح. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وت! عاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
فالمصائب الجماعية أخف ثقلاً على كاهل الفرد من تلك التي ينوء بحملها الإنسان منفرداً دون صديق أو حميم.
ولذلك كان مفهوم الاخوة في الإسلام، فقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[الحجرات 10]
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
*************************
* أهم المصادر والمراجع:
ـ التكافل الاجتماعي: للدكتور عبد الله علوان
ـ الإسلام والتكافل: لمنصور عبيد
ـ صحيح مسلم: للإمام مسلم
ـ صحيح البخاري: للإمام البخاري
مختارات