فقه التعظيم (٢)
ومن تعظيمه عزَّ وجلَّ أن لا ينازع العبد له اختياراً، فإذا اختار لك أو لغيرك شيئاً إما بأمره ودينه.
وإما بقضائه وقدره، فلا تنازع اختياره، بل ارض باختيار ما اختار لك، فإن ذلك من تعظيمه جلَّ جلاله.
ولا ترد عليه قدره من المعاصي، فإنه سبحانه وإن قدرها، لكنه لم يخترها له، فمنازعتها غير اختياره من عبده، وذلك من تمام تعظيم العبد له سبحانه.
ومن تعظيمه عزَّ وجلَّ تعظيم حرماته: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: ٣٠].
وحرمات الله هي ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص.
والأزمنة والأمكنة.
والأوامر والنواهي.
فتعظيم الأمر، وتعظيم أمره ونهيه، وتعظيم حرماته، وتعظيم قضائه وقدره، هو الواجب على كل مسلم، فيعظم ربه تعظيماً لذاته، وخوفاً من عقابه، وطلباً لثوابه.
فهو سبحانه أهل أن يُعبد وأن يُّحَب، وأن يعظم، وهو الذي يستحق العبادة والتعظيم والإجلال لذاته، فمنه كل شيء، وبيده كل شيء، وهو القادر على كل شيء.
ومن تعظيم الله جلَّ جلاله صيانة الانبساط بين يدي الله أن تشوبه جرأة فيخرج عن أدب العبودية، فلا بدَّ من مقارنة التعظيم والإجلال لبسط المشاهدة، وصيانة السرور بين يدي الله أن يداخله أمن، فينبغي للعبد أن لا يأمن في هذه الحال المكر، ولا ينسب ما حصل له من الاجتهاد التام والعبادة الخالصة إلى نفسه، بل ذلك محض فضل الله عليه.
ومن أعظم الظلم والجهل والسفه أن يطلب العبد التعظيم والتوقير من الناس، وقلبه خال من تعظيم الله وتوقيره.
فما أجهل الإنسان حين يوقر المخلوق ويجله أن يراه في حال لا يوقر الله أن يراه عليها، فلو عرف الناس ربهم وعظموه، وعرفوا حق عظمته وحَّدوه، وأطاعوه وشكروه.
فطاعة الله سبحانه واجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره في القلب، المبني على معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة عظمته وقدرته، ولطفه ورحمته.
ومن وقاره سبحانه أن لا تعدل به شيئاً من خلقه.
.
لا في اللفظ كقولك: ما شاء الله وشئت.
ولا في الحب والتعظيم والإجلال.
ولا في الطاعة فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع الله، بل أعظم؛ كما عليه أكثر الظلمة والفجرة.
ولا في الخوف والرجاء، فلا يجعله أهون الناظرين إليه.
ولا يستهين بحق الله عزَّ وجلَّ ويقول هو مبني على المسامحة، ولا يجعله على الفضلة ويقدم حق المخلوق عليه.
ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبه، ويعطي الله في عبادته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه.
ولا يجعل مراد نفسه مقدماً على مراد ربه.
فهذا كله من عدم وقار الله في القلب، ومن لا يوقر الله العظيم، كيف يوقر كلامه ورسله ودينه وأوامره؟.
{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)} [نوح: ١٣].
ومن كان كذلك فإن الله لا يلقي له في قلوب الناس وقاراً ولا هيبة، بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم، وإن وقروه مخافة شره فذلك وقار بغض لا وقار حب وتعظيم.
ومن وقار الله وإجلاله وتعظيمه أن يستحي العبد منه في الخلوة أعظم مما يستحي من أكابر الناس.
ومن وقار الله أن يستحي العبد من اطلاعه على سره وقلبه فيرى فيه ما يكره.
ومن وقار الله توقير كلامه ورسله ودينه، وعدم هجر كتابه، ومن لا يوقر الله وكلامه، وما آتاه من العلم والحكمة كيف يطلب من الناس توقيره وإكرامه؟.
مختارات