فقه الخلق (٢)
أما الأخلاق السافلة فمنشؤها وبناؤها يقوم على أربعة أركان:
الجهل.. والظلم.. والشهوة.. والغضب.
فالجهل يُري الإنسان الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، والنقص كمالاً، والكمال نقصاً، والحق باطلاً، والباطل حقاً، نعوذ بالله من الجهل وأهله.
والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه، فيغضب في موضع الرضا، ويرضى في موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل، ويبذل في موضع الإمساك، ويحجم في موضع الإقدام، ويقدم في موضع الإحجام وهكذا.ويلين في موضع الشدة، ويقسو في موضع اللين، ويتواضع في موضع العزة، ويتكبر في موضع التواضع.
والشهوة تحمله على الحرص والطمع، والبخل والشح، والنهمة والجشع، والذل وعدم العفة، والدناءات كلها.
والغضب يحمله على الكبر والحقد والحسد والعدوان والسفه.
وكل خلق محمود مكتنف بخلقين ذميمين، وهو وسط بينهما، وطرفاه خلقان ذميمان كالجود الذي هو وسط بين خلق البخل والتبذير، والتواضع الذي هو وسط بين خلق الذل والمهانة، والكبر والعلو.
والنفس إذا انحرفت عن التوسط انحرفت ولا بدَّ إلى أحد الخلقين الذميمين، فإن انحرفت عن خلق التواضع انحرفت إما إلى كبر وعلو، وإما إلى ذل ومهانة وحقارة.
وإذا انحرفت عن خلق الحياء انحرفت إلى قحة وجرأة، وإما إلى عجز وخور ومهانة.
وإذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت إما إلى عجلة وطيش وعنف، وإما إلى تفريط وإضاعة.
وإذا انحرفت عن خلق الصبر انحرفت إما إلى جزع وهلع وجشع وتسخط، وإما إلى غلظة كبد، وقسوة قلب، وتحجر طبع.
وإذا انحرفت عن خلق الحلم انحرفت إما إلى الطيش والترف والحدة والخفة، وإما إلى الذلة والمهانة والعجز والحقارة.
وإذا انحرفت عن خلق العزة التي وهبها الله للمؤمنين انحرفت إما إلى كبر وإما إلى ذل، والعزة المحمودة بينهما.
وإذا انحرفت عن خلق الشجاعة انحرفت إما إلى تهور وإقدام غير محمود، وإما إلى جبن وتأخر مذموم.
وإذا انحرفت عن خلق القناعة انحرفت إما إلى حرص وطمع، وإما إلى خسة ومهانة وإضاعة.
وإذا انحرفت عن خلق الرحمة انحرفت إما إلى قسوة وغلظة، وإما إلى ضعف القلب، وجبن النفس كمن لا يقدم على ذبح شاة ولا إقامة حد، أو تأديب ولد.
وصاحب الخلق الوسط مهيب محبوب، عزيز جانبه، حبيب لقاؤه، غزيرة منافعه.
ولا ينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان:
العفة عما في أيدي الناس.. والتجاوز عما يكون منهم.
ومعاشرات النبي - صلى الله عليه وسلم - قامت على أصلين:
البساطة، والحياء.. ومعاشرات الكفار قامت على الإسراف، والفحشاء.
والخلق ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال بسهولة ويسر من غير تقدم فكر أو رويَّة أو تكلف.
والأخلاق نوعان:
أخلاق حسنة ممدوحة.. وأخلاق سيئة مذمومة.
فالخلق الحسن: هو الأدب والفضيلة، وينتج عنه أقوال وأفعال جميلة عقلاً وشرعاً كالصدق والصبر، والحلم والإحسان، والعفو والإيثار ونحوها.
والخلق السيئ: هو سوء الأدب والرذيلة، وينتج عنه أقوال وأفعال قبيحة عقلاً وشرعاً كالكذب والعجلة، والجهل والبخل، والرياء والحسد، والظلم والحرص ونحوها.
وعلم الأخلاق في الإسلام يدور حول تنظيم سلوك الإنسان، وتنبيهه إلى الخير ليسعى إليه، وإلى الشر ليجتنبه أو يتركه.
فهو علم يبحث في الأحكام التي تعرف بها الفضائل ليتحلى بها الإنسان، والرذائل ليجتنبها، بهدف تزكية النفس على أساس من الوحي الإلهي.
مختارات