فقه أحكام الأسماء والصفات (٩)
وأما صفته (تبارك) فمختصة به تعالى كما أخبر بها عن نفسه بقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)} [الفرقان: ١].
وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} [الملك: ١].
وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (٦١)} [الفرقان: ٦١].
فالبركة كلها لله تعالى، والبركة منه، فهو المبارك جل جلاله، ومن ألقى عليه بركته فهو المبارك، ولهذا هو الذي جعل كتابه مباركاً، ورسوله مباركاً، وبيته مباركاً، والأزمنة والأمكنة التي شرفها واختصها مباركة، فليلة القدر مباركة، والمسجد الأقصى مبارك، وأرض الشام مباركة.
ومعنى تبارك تعاظم، الدال على العظمة، كتعالى الدال على العلو، فكذلك تبارك دال على كمال بركته وعظمتها، فمنه تأتي البركات كلها، وباسمه يتبارك كل شيء، وبيده الخير والرحمة والإحسان: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤].ويجب على المسلم الإيمان بكل ما أخبر الله ورسوله به من أسماء الله وصفاته، سواء عرفنا معناه أم لم نعرفه، وهي صفات حقيقية لا تشبه صفات المخلوقين، فكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات، فصفاته كذلك لا تشبه صفات المخلوقين، فالله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله.
فعلى المسلم أن يثبت لله من الأسماء والصفات، ما أثبته الله ورسوله، وينفي عنه ما نفاه الله ورسوله.
وفي الأحكام يثبت خلقه وأمره، فيؤمن بخلق الله لكل شيء، المتضمن كمال قدرته، وعموم مشيءته، ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، وأمره في التصريف والتدبير لهذا الكون العظيم.
فيثبت العبد جميع أسماء الله وصفاته إثباتاً يتبعه اليقين على الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وعدم الالتفات إلى ما سواه.
فالإنسان إذا شفي بالدواء، قال: شفاني الدواء، وإذا شفي بدون الدواء، قال شفاني الله، وهذا ليس بصحيح، فالشافي في الحالين واحد لا شريك له وهو الله.
ولكن الله عزَّ وجلَّ ابتلاءً وامتحاناً للعباد: تارة يشفي بالأسباب.. وتارة بدون الأسباب.. وتارة بضد الأسباب.. إظهاراً لقدرته.. أو إنفاذاً لسنته.. فالله له قدرة، وله سنة هي الأسباب.. والأسباب مخلوقة مدبرة من القادر الذي لا يعجزه شيء.
والأسباب يبتلى بها المؤمن، ويطمئن بها الكافر كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨)} [يونس: ٧، ٨].
ولا بد من النفي في أسماء الله وصفاته، فنثبت لله الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وننفي ذلك عما سواه.
فالله سبحانه قوي وغيره ضعيف.. والله قوته كاملة فلا يعجزه شيء وغيره قوته ناقصة.. والله قوته مطلقة وغيره قوته محدودة.. والله قوته أبدية لا تزول وغيره قوته حادثة تزول.
والله غني وغيره فقير مهما ملك.. والله غناه كامل وغيره غناه ناقص.. والله غناه مطلق وغيره غناه محدود.. والله غناه أبدي لا يزول وغيره غناه يزول.. وهكذا في بقية الأسماء والصفات.
وبهذا النفي والإثبات يقوى الإيمان، ويزيد اليقين على الله وأسمائه وصفاته، والتوكل عليه وحده، والتوجه إليه وحده، ويضعف اليقين على المخلوق العاجز المقهور.
والله تبارك وتعالى واحد لا شريك له، وليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله.
مختارات