تدبــــر - المجموعة الثامنة عشر
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً (22) }. كالفراش تماماً، أنت الآن في الحر تجد وسائل لتخفيف الحر، يوجد برد فهناك وقود ومدافئ، أنت تحتاج إلى الماء، الماء موجود تستخرجه من أي مكان، أي مكان إذا حفرت بئراً تصل إلى الماء، من أودع الماء في الأرض؟ الله جلَّ جلاله، نظام المطر، نظام الرياح، هذا كلُّه يحتاج إلى دراسات.
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (22) }. السماء بناء، والله سبحانه وتعالى هو الذي بنى هذا النظام وبنى هذه المجرَّات، قد يسأل أحدكم: كم مجرة في الكون؟ لا يزال الكون مجهولاً، أما المعلومات المتواضعة التي وصل إليها العلماء مليون ملْيون مجرة، وفي أكثر هذه المجرات مليون ملْيون كوكب ونجم، وكل هذه المجرات مُترابطة مع بعضها البعض بقوى التجاذب، ومتحرِّكة بمساراتٍ مغلقة حيث إن هذا الكون مبنيٌ بناءً رائعاً أساسه التوازن الحركي.
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ (22) }. لحكمةٍ إلهية جعل الله رِزْقَ الإنسان في الأمطار، الأمطار وحدها آيةٌ من آيات الله الدالة على عظمته، من أين جاءت هذه البحار؟ فقد سمعت أن مرصداً عملاقاً في أوروبا يستخدم الأشعة فوق البنفسجية في كشف النجوم، اكتشف سحابة كونية، سحابة واحدة من بين آلاف السحب تستطيع هذه السحابة أن تملأ البحار كلَّها ستين مرة في يوم واحد بالماء العذب
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ (22) }. هذا موسم فواكه، يأكل الإنسان كل يوم منها صنفاً أو أصنافاً، فهل خطر في بالك من صنع هذه البطيخة؟ من صممها بهذا الحجم؟ أساسها بذرة واحدة، من أين جاء هذا الطُعْم الحلو؟ وهذا اللون الأحمر؟ وهذه المواد المُدِرَّة؟ وهذه المواد المفيدة؟ ومن جعل هذه القشرة سميكة جداً وذات شكل بيضوي؟ وتجد السيارة تحمل عشرة أطنان من البطيخ، البطيخ في الأسفل كما هو في الأعلى، لأن الشكل البيضوي أكبر شكل يقاوم الضغط، لأن الضغط على أي مكان فيه يوزَّع على كل سطح هذا الشكل، كالبيض تماماً تضع مئة بيضة في سلة، فالبيضة التي في الأسفل لا تتأثر أبداً
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ (22) } ﴿ لكم ﴾ لكم خصيصاً لكم، قد تُدعى إلى وليمة وأنت ضيف الشرف كل هذا الطعام صُنِع من أجلك أيّها الإنسان، قد يطرق الباب طارق، ضيف زائر تفضَّل وكُلْ، لكن هذا الطعام لم يصنع لهذا الضيف الطارق صنع لضيف الشرف، يجب أن تعلم علم اليقين أن كل شيء خلقه الله عزَّ وجل خصيصاً لك، هذا يُستفاد من قوله تعالى ﴿ لكم ﴾
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (24) } " لم، ولن "، لم لنفي الماضي، ولن للنفي على التأبيد أي المستقبل: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (24) ﴾. لم تستطيعوا أن تفعلوا في الماضي، ولن تستطيعوا أن تفعلوا بالمستقبل، والدليل: أنه مضى على إنزال هذا القرآن أكثر من ألفٍ وأربعمئة عام، هل استطاع العِلم كله في الأرض أن يأتي بشيءٍ يُناقض هذا القرآن؟ بالعكس كلَّما تقدَّم العلِم تطابق مع القرآن
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) } النار أيها الأخوة، وما أدراك ما النار ! الشموس، أبدأ الكلام الآن عن شموس حمراء اللون، والنجوم البعيدة بيضاء، انظروا إليها في الليل تجدوها بيضاء، ويوجد الآن ثقوب سوداء، يمر الكوكب المُلتهب بمرحلة الاحمرار إلى الابيضاض إلى السواد، وكل مرحلة تتضاعف فيها الحرارة ملايين المرَّات، شمسنا حمراء حيث أنها في البدايات، ولكن هناك شموساً بيضاء تنكمش وتصبح بيضاء اللون، وبعد ألف عام تصبح هذه الشمس سوداء، وهناك ثقوب فيها ضغطٍ عالٍ جداً، لو دخلت الأرض أحد هذه الثقوب لأصبحت بحجم البيضة مع وزنها نفسه، إذا وضعت الحجر البازلتي وهو آخر العناصر انصهاراً فإنه يذوب في النار: ﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (24) ﴾. هل تعلم يا أخي أن أهل الخبرة يصنعون أرض الأفران الآن من الحجر الأسود أي البازلتي، قلَّما ينصهر هذا الحجر، أما في نار جهنم فهو يصبح سائلاً، لو أن الأرض أُلقيت في الشمس لتبخَّرت في ثانيةٍ واحدة، حرارة الشمس في ظاهرها ستة آلاف درجة، وفي أعماقها عشرون مليون درجة، هذه شمس الأرض الحمراء وليست السوداء، الحمراء عشرون مليون درجة
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا (23) } أعلى مرتبة في الطب أن تحمل بورد، أو (إف آر إس) من بريطانيا، أو (أكريجيه) من فرنسا، هذه أعلى شهادة بالطب، أعلى شهادة في الآداب أن تحمل دكتوراه دولة وتأخذ عليها جائزة نوبل مثلاً، هذه مراتب الدنيا، رجل ألَّف إنتاجاً أدبياً فقُدِّر عالياً إلى درجة أنه منح عليه جائزة نوبل، لكن يا ترى ما هي أعلى مرتبة عند الله عزَّ وجل؟ أعلى مرتبة في المال أن يكون معك آلاف الملايين بالعملات الصعبة الغالية جداً ـ آلاف الملايين ـ الذي اخترع الكمبيوتر ويقود الآن صناعة متفوقة فيه، حجمه المالي الآن ثلاثين مليار دولار، هذه مرتبة مالية عالية، وهناك مرتبة علمية كأينشتاين الذي جاء بالنظرية النسبية، وهناك مرتبة إدارية كالذي يتربَّع على عرش أقوى دولة في العالم هو في قمة هذا المجتمع، لكن ما هي أعلى مرتبة في عالم الدين؟ أعلى مرتبة هي التي وصل إليها النبي، مرتبة العبودية لله، أن تكون حقاً عبداً لله: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا (23) ﴾. أنت في أعلى درجة عند الله حينما تكون عبداً له، معنى عبد: انصياعٌ كامل، حبٌ كامل، إخلاصٌ كامل، رضى بقضاء الله وقدره، طُمأنينة إلى وعد الله
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ (25) } ليست جنة واحدة بل جنات: هذه الآية لها عدة معانٍ ؛ من أوجه معانيها أن كل نعيم تناله في الجنة بسبب استقامتك في الدنيا، مثلاً إذا درس إنسان دراسة طويلة جداً ومتعبة جداً ونال أعلى شهادة، الآن يبدأ القطاف، الآن له دخل كبير، مكانة اجتماعية، راحة كبيرة جداً، ماذا يقول زميله الكسول؟ يقول: متى صار فلان في هذه المرتبة العالية؟ أين كان هو عندما كنت تلعب أنت في الأزقة؟ عندما درس ثلاثاً وثلاثين سنة ولم يرفع رأسه يوماً وآثر الدراسة على كل حظوظه من الدنيا، الآن صار في مرتبة عالية
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً (25) } أي أن التشابه بالشكل والاسم، أما الطعم فلا نسبة بينهما بل المقارنة مرفوضة، أنت تشرب أحياناً كأساً من الشراب المصنع والمصنوع، ونشرب شراباً طبيعياً طازجاً مئة بالمئة، فلا تجد بينهما أي نسبة، أين الثرى من الثُريا؟ الاسم واحد ولكنك تجد أن الشراب الكيماوي كيماوي، والشراب الطبيعي لا يُقَدَّر بثمن وهذا في الدنيا، فكيف في الجنة؟
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ (25) } لا يوجد نَكَد، ولا يوجد تَرَهُّل، ولا يوجد مرض، هناك متاعب عديدة عند النساء في الدنيا، أما في الجنة فلا، هن طاهرات ومطهرات، لا حيض، ولا نفاس، ولا نشوز، ولا زوجة حاقدة، ولا زوجة لئيمة، انتفى كل ذلك أبداً، والزوجة يزينها كمال وجمال منّة من الله تعالى: هذه هي الجنة، وطريقها واضح، وهي بعد الموت
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) } أيها الأخوة الكرام، تعارف الناس على أن البعوضة لا قيمة لها، حشرةٌ حقيرة، يضربها الإنسان ويقتلها يبدو أن هذه الحشرة هيَّنةٌ على الناس، لكن الشيء الذي يلفت النظر هو أن الشيء كلما صَغُر كلما احتاج إلى صنعةٍ بارعة، فقد تجد مذياعاً كبيراً فلا يثير دهشتك، أما إن رأيته صغيراً فإنه يستأثر باهتمامك، وأما إن رأيت ساعةً فيها مِذياع فإنك تزداد اهتماماً وانتباهاً، وتدرك أن فيها دقة صُنع. أطلعني أخٌ كريم على جهاز كمبيوتر بحجم كف اليد فيه كل البرامج التي توضع في الكبير، وفيه اتصال دولي، وفيه إنترنت ـ شيء لا يُصدق ـ بحجمٍ صغير، فكلَّما صغرت الآلة كان وراءها صنعةٌ بارعة
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً (26) } البعوضة أيها الأخوة لها ثلاثة قلوب، قلبٌ مركزي وقلبٌ لكل جناح، هذا القلب يُمِدُّ الجناح بطاقةٍ تجعله يرِفُّ أربعة آلاف رفةٍ في الثانية، هذه البعوضة عندها جهاز رادار، ففي ظُلمة الليل ينام طفلان على سريرهما تتجه البعوضة إلى الطفل مباشرةً دون أن تتجه إلى وسادة أو إلى ركن في الغرفة، الآن لديها جهاز رادار يكشف لها الكائن الحي فإذا وصلت إليه حلَّلت دمه، هناك دمٌ لا يُناسبها، قد ينام أخوان على سرير واحد، يفيق أحدهما، وقد أُصيب بمئات لدغات البعوض، والثاني سليم، إذاً عندها جهاز تحليل دم، تأخذ الدم الذي يناسبها، وتدع الذي لا يناسبها، والبعوضة من أجل أن تأخذ هذا الدم لا بد أن تميَّعه لأن الكرية الحمراء أوسع من خرطوم البعوضة، فلا بد من أن تميع الدم حتى يجري في خرطومها، فإذا لدغت البعوضة هذا الطفل استيقظ وقتلها فلا بدّ أن تخدره، متى يشعر الإنسان بلدغ البعوضة؟ بعد أن تطير، يضربها من دون فائدة لأنها تكون قد طارت، فهذه البعوضة الصغيرة فيها جهاز رادار، وجهاز تحليل، وجهاز تمييع، وجهاز تخدير، ولها جناحان يرفَّان أربعة آلاف رفَّة في الثانية، ولها ثلاثة قلوب ؛ قلبٌ مركَّزي، وقلبٌ لكل جناح، وبإمكان البعوضة أن تقف على سطحٍ أملس
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ (26) } من هو الذي يستخف بهذه البعوضة التي هي من آيات الله الدالة على عظمته؟ إنه الفاسق: ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) ﴾ هناك علاقة رائعة بين السلوك وبين الاعتقاد، الفاسق لا يعتقد والمؤمن يعتقد، الفاسق يسخر والمؤمن يُعَظِّم، معنى ذلك أن الإنسان حينما يفسُق يصبح منطقه تبريرياً تسويغياً، منطقه مقيداً بشهواته، لذلك إياك أن تناقش منتفعاً لأنه لا يقنع معك، فهو يدافع عن المكاسب التي حَصَّلها، هذا الذي ينتفع من الكفر لا يمكن أن يتخلَّى عن الكفر لأنه ينتفع منه، منتفع، المنتفع لا يُناقَش، والغبي لا يُناقَش، والقوي المغتر بقوته لا يُناقَش
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ (27) } عهد الله إلينا أن نأكل المال الحلال، عهد الله إلينا أن نَقْصُرُ طرفنا على زوجاتنا وعلى محارمنا، عَهْدَ الله إلينا أن نكون صادقين، عهد الله إلينا أن نكون أُمناء، عهد الله إلينا أن نؤدِّي الأمانات إلى أهلها، عهد الله إلينا ألا نظلم بني البشر، ألا نكذب، ألا نأخذ ما ليس لنا، أن نكون أمناء، لذلك بعث الله عزَّ وجل النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة ليقوِّم أخلاقها
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (27) } لهذه الآية معانٍ كثيرة، الأنبياء جميعاً دعوتهم واحدة، فالذي لا يفرِّق بين الأنبياء، يجعل كل الأنبياء مبعوثين من عند الله عزَّ وجل معهم كتاب الله، يعتقد بالأنبياء جميعاً اعتقاداً صحيحاً، هذا لم يقطع ما أمر الله به أن يوصل، هذا معنى، وهناك معنى آخر: كل إنسان يدعو إلى معصية يقطع الناس عن الله عزَّ وجل وقد أمروا أن يتصلوا بالله من دَلَّ على كسبٍ حرام قطع هذا المكتسب عن الله، أي إنسان دعا إلى معصية، رَوَّج لمعصية، دعا إلى دنيا مُغرية، رَغَّب الناس بشيءٍ لا يرضي الله، دعا الناس إلى شراء جهاز حتى يكون على مستوى العصر، وحتى يَطِّلع على ما في العالم من أحداث، كما يتوهم كل إنسان يدعو إلى شيء يقطع عن الله هو قاطع، وأكبر كلمة وأكبر جريمة يرتكبها الإنسان أن يكون قاطعاً عن الله
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (27) } هناك حقيقة واحدة في الكون هي الله، أي عمل يقرِّبُك من الله هذا عمل عظيم، وأي عمل يبعدك عن الله عزَّ وجل فهو عمل خسيس، فشراء مجلة غير منضبطة مشكلة، شاب يطَّلع على صور الفنانات في أوضاع مغرية في مجلة مشكلة، وهذه المجلة ومثيلاتها ينبغي ألا تدخل هذا البيت، هناك من يشتري هذه المجلاَّت ويضعها في عيادته من أجل أن يستمتع المرضى قبل الدخول إلى غرفة المعاينة، هذا يقطع ما أمر الله به أن يوصل. أيها الأخوة، هؤلاء يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وبالمناسبة إذا وجدت إنساناً له شيخ في مسجد، ملتزم، متألِّق، دَعْهُ لا تدخل بتفاصيل، لا تقطعه عن هذا المسجد، هذا مصدر سعادته، مصدر انضباطه، إلا بحالات نادرة جداً، إذا كانت هناك عقيدة منحرفة خطيرة جداً في هذا المسجد، هذا موضوع ثانٍ، أما بشكل عام فلا يكن همُّك قطع إنسان موصول بالله عن طريق جماعة، عن طريق مسجد، عن طريق شيخ، هذا عمل تخريبي
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (27) } إيَّاك أن تكون أداة قطعٍ، بل كن أداة وصلٍ، لذلك: ليس منا من فَرَّق. حتى بعض المؤسسات مثلاً تعلق أنها تريد موظفاً يعمل لديها غير متزوج، أو غير مصحوب بزوجته، في دول الخليج أحياناً يطلبون موظفاً من دون زوجة، زوجته أقرب الناس إليه، ليس في الإمكان أن يعيش بعيداً عنها، وليس في إمكانها أن تعيش بعيدةً عنه، لا نقبلك بزوجة، يبقى سنةً بأكملها في مكان، وزوجته في بلد آخر، هؤلاء يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، هؤلاء الذين يفرِّقون شمل الأسرة هؤلاء ليسوا على حق، يأمرك القرآن والسنَّة أن تجمع شمل الأسرة، هذه الآية واسعة جداً لا تنتهي
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ (27) } يفسدون العلاقات، يفسدون الأخلاق، يفسدون براءة الصِغار، هناك أعمال فنية مستوردة تُعْرَض على الصغار فيها كل شيء من الفسق والفجور والعلاقات الغرامية، طفل عمره ثلاث سنوات أو أربع سنوات يشرب مع دمه هذه العلاقات الشائنة عن طريق أفلام نستوردها، هذه لا تجوز، لا بدَّ من أعمال تناسب الصغار المؤمنين، كل عمل يُبعدك عن الله عزَّ وجل هذا قطعٌ لما أمر الله به أن يوصل.
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ (27) } سأل أحدهم أخته عندما جاءها مولود: ماذا قدَّم لكِ زوجكِ بمناسبة الولادة؟ قالت له: لم يقدِّم لي شيئاً، فأجابها متسائلاً: أمعقول هذا؟ أليس لكِ قيمة عنده؟ والله يليق بكِ شخص غيره أرقى منه، ألقى بذلك قنبلة ومشى، جاء زوجها ظهراً إلى البيت فوجدها غاضبة فتشاجرا، وتلاسنا، واصطدما، فطلقها، من أين بدأت المشكلة؟ من كلمة قالها الأخ، مثلاً قد يسأل أحدهم: هذا البيت كيف يتسع لكم؟ إنه يتسع لنا، ليس لك أنت علاقة، إنه يحب أن يُعَكِّر صفو الأسرة، هو شيطان، داخل فيه شيطان، وهذا هو الفساد
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ (34) } الحقيقة أن السجود لله وحده، ولكن تنفيذُ أمر الله سجودٌ لله، لو أن آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له لما أمكن أن ينفَّذ هذا الأمر، ولكن لأن الله عزَّ وجل أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، فَهُمْ حينما سجدوا فقد نَفَّذوا أمر الله عزَّ وجل، ألا ترى أن الله يأمرك في الحج أن تُقَبِّلَ الحجر الأسود، ويأمرك أن ترجُم حجراً آخر يمثِّل إبليس، فأنت حينما تُقَبِّل هذا الحجر وتعظمه إنما تنفذ أمر الله، وحينما أمرك أن ترجم هذا الحجر وتحقِّره إنما نفذت أمر الله عزَّ وجل، وكل أمرٍ لله عزَّ وجل يقتضي الوجوب، ولله حكمةٌ ما بعدها حكمة، وعدل ما بعده عدل، ورحمةٌ ما بعدها رحمة
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ (34) } قال العلماء: " عِلَّةُ أي أمرٍ أنه أمر "، مثلاً عندك لا سمح الله آلام بالمعدة، ودخلت إلى أفضل طبيب في البلد، معه أعلى شهادة، ومعه أعلى خبرة، إذا قال لك: دع الحوامض، لا يخطر في بالك لحظة أن تفكر بأمره، لأنك تثق بعلمه، تنفذ لأنه أمرك، أنا مرة قلت عن عالم من علماء هذه البلدة الطيبة كان بأمريكا ودخل بنقاش مع عالم كبير حديث العهد بالإسلام ـ عالم بالفيزياء أو الكيمياء ـ طُرِح موضوع لحم الخنزير، بدأ هذا العالم يتحدث عن مضار الخنزير، وعن الدودة الشريطية، وعن تأثر طباع الإنسان بلحم الخنزير وطباع الخنزير، وعن أن هذه الدودة لا تتأثر بالحرارة، وتكلم كلاماً طيباً جداً سبحان الله، فأجابه هذا المسلم الأمريكي قال له: يا أستاذ كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه، فهذا يكفي، يكفي إذا قال لك خالق الكون: لا تفعل هذا الشيء، لذلك قال العلماء: علة أي أمرٍ أنه أمر
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ (34) } ليس متاحاً للملائكة أن يعصوا، الملائكة غير مكلفين، المَلَك غير مكلف، المَلَك مسيَّر، اسجد يسجد، لا يوجد بين المخلوقات كلها إلا نوعان مخيَّران+ ؛ الإنس والجن، الإنس يتلقَّى الأمر، يطيع، أو يعصي، أو يرد، ثلاثة مواقف، إذا أطاع فهو طائع، إن لم يطع فهو عاصٍ، إن احتقر الأمر ورده فهو كافر، مطيع، عاصٍ، كافر، قال لك: صلِّ، الذي صلى مطيع، والذي لم يصلِّ تهاوناً وتكاسلاً ـ الله يتوب علينا، والله أنا مقصر، إن شاء الله سوف أصلي ـ هذا عاصٍ، أما لماذا الصلاة؟ فهذا كافر، فرقٌ بين أن تطيع الله، وبين أن تعصيه، و بين أن ترد أمره، هذا متاحٌ فقط للإنس والجن
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ (34) } قد يقول قائل: الملائكة سجدوا، وإبليس مستثنى منهم، هل المعنى أنه مَلَك؟ لا الاستثناء نوعان ؛ هناك استثناء متصل، واستثناء منقطع، إذا قلنا: دَخَلَ الطلاب إلا خالداً، هذا استثناء متصل، خالد طالب، أما إذا قلنا: دخل الطلاب إلا المدرس، هذا استثناء منقطع المدرس ليس من جنس الطُلاَّب، لكن دخول الصف يشمل الجميع، الطلاب والمدرس، فهذا الاستثناء لا يعني أن إبليس مَلَك، لا أبداً ! إبليس كان من الجن، ولو كان مَلَكَاً لما عصى أبداً، لما عصى، لأنه مسيّر لا يستطيع أن يعصي
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ (34) } معصية الكبر عند الله كبيرةٌ جداً: الكبر أن ترفض الحق، ألا تقبله، ألا تعبأ بالصلاة، ألا تعبأ بالزكاة، ألا تعبأ بالحج، أن ترى نفسك فوق الشرع، مرة كان عندنا أستاذ في الجامعة متمكن من العلم تمكُّناً كبيراً جداً، لا يغيب ولا طالب عن محاضرة له، رأيته مرة في رمضان يفطر، وكأنه يشعر أن مرتبته، وعلمه، ومكانته، وسمعته في الشرق الأوسط، ومؤلَّفاته، أكبر من أن يصوم رمضان، معصية الاستكبار كبيرة جداً، إبليس استكبر
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ (36) } ما دام المرء بالمعاصي والآثام ترك الصلاة، ما دام ماله حراماً، ما دام يرتاد الملاهي، تجده مرتاحاً ولا يوجد عنده مشكلة، عندما يلتزم بجامع يقول له الشيطان أول شيء: من خلق الله؟ أو: قد يكون هذا القرآن ليس من عند الله، بل هو كلام محمد؟ متى بدأ الشيطان يوسوس لهذا الإنسان؟ بعد أن التزم، وطريق الفجور لا يوجد فيه شيطان، الطريق سالك ونازل، وبعد أن التزم المرء قعد الشيطان على طريق الصلاح
آية
قال تعالى: " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ " الموت قادم، وقيامتك قريبة، وللأسف مازلت غافلا، لا تتعظ بالوقائع، مازلت تلعب، مازلت تلهو، حذار فالله يقول: " وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا "
آية
قال الله تعالى: " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " فكان علاج الضيق: الذكر " سبحان الله وبحمده "، وكثرة الصلاة وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر يفزع للصلاة، وكانت العبادة ولزوم المحراب حتى الموت
آية
" وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ " إن الماكرين مهما اشتد مكرهم، والكائدين وإن بدا استعصاء كيدهم، ينسون " إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا " يتغافلون عن " وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم " " ويمكرون ويمكر الله " فأحيانا يضيق صدر المؤمنين بمكر الماكرين، حتى يظنوا أنَّه لا مفر من استعلاء الظلم والقهر. لكن الله بالمرصاد، وهو يصنع بكم يا مؤمنون يا مؤمنات هذا لتزدادوا قربا، فتترفعون عن الدنيا، وتتعلقون بالآخرة
آية
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ " كذابون يدعون الإيمان وهم منه براء، لذلك ذكر عقابهم الشديد " وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " والمشكلة الكبرى أن تكون كذابا، ولا تشعر، أو تصدق كذبك، وتدعي أنك صالح أو مؤمن أو تقي أو من النخبة أو....الخ ثم أعمالك تكذب أقوالك، ثم أحوالك تفضح كذبك.
آية
قال الله تعالى: " إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " هل تخيلتم يوما ما أن " الغم " مثوبة، الغم أجر، لم يقل " فأصابكم " بل " فأثابكم " أيها المهموم ويا صاحب الغموم، افهم عن الله تعالى، إنه يبتلي ليهذب لا ليعذب، إنَّ كل ما يصيبك من نكد هذه الحياة لكي تعلق قلبك بالله وحده، فلا تفرح بموجود ولا تحزن على مفقود
آية
قال الله تعالى: " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " [آل عمران: 24] الشيطان من أسمائه (الغَرور) " ولا يغرنكم بالله الغرور " ومن أخطر طرائق الشيطان أن يغرر الإنسان بالدين، فتجد الواحد مغرورا بالتزامه لبعض الشرع، مغرورا بفهمه الخاص للدين، مغرورا بظاهر لا وزن له في قلبه، مغرورا بكلمات يحفظها ويتشدق بها، مغرورا يشعر أنه من " النخبة " من " الصفوة " أنه من " الخاصة ".. لذلك لسان المغرور يقول: " لن تمسنا النار إلا أياما معدودات " أفيقوا... وتخلصوا من داء الغرور القاتل، فلا تنس ذنوبك، ولا تنس ماضيك لذلك قال الله لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: " وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ " لا تحكموا على الناس، ولا تغتروا بأنفسكم، وتذروا عيوبكم لتذلوا لله تعالى، واعرفوا أن النعمة من الله ليس لكم فيها من شيء، بل محض فضله سبحانه...اليوم ارفع شعار " لا للغرور "
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) } هذه كلمة ﴿ إلى حين ﴾ إذا فهمها الإنسان ترتعد مفاصِلُه، ﴿إلى حين﴾، عدة سنوات، اعمل ما شئت لا بد من الموت، إذا شيَّع الواحد جنازة، ووقف على القبر، وضع هذا الميت في القبر، هذه الحادثة الرهيبة كلنا سوف نصل إليها، كلنا، مهما كان حجمك المالي، مهما كان بيتك فخماً، مهما كان لك هيمنة على الناس، مهما كان لك أذواق رفيعة جداً في الاستمتاع، مهما كنت أنيقاً عندك أذواق عالية، مهما كان رصيدك كبيراً، هذه اللحظة لا بد منها، لذلك العاقل هو الذي يعد لهذه اللحظة التي لا بد منها عدتها
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ وَقُلْنَا اهْبِطُوا (36) } انتهت الآن الحالة المريحة، انتهى الدرس، اهبطوا، مثل تقريبي: عندك طلاب أريتهم مزرعة جميلة، تجعلهم يسبحون، تطعمهم أكلاً لذيذاً، تجدهم يحبونها، الآن الذهاب إلى المزرعة للعمل والاجتهاد، أول مرة يهمك أن تجعلهم يطمعون، تريهم ما هي الجنة، فهذه يسمونها تربية عالية جداً، هذه الجنة، وأنتم مخلوقون لهذه الجنة، الآن اهبطوا منها، الآن الجنة بالعمل فاعملوا واشتغلوا، أعطاك نموذجاً عالياً جداً.
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) } أيها الأخوة، فرقٌ كبير بين معصية إبليس وبين معصية آدم، معصية إبليس ردٌ لأمر الله، معصية إبليس استكبارٌ عن طاعة الله، معصية إبليس تنطلق من الكِبر، وهذه في سُلَّمِ المعاصي تقع في أعلى درجة، فأشد المعاصي إثماً وعقاباً وبعداً أن يَسْتَنْكِفَ الإنسان أن يطيع الله كبراً، أما الذي يعصيه غَلَبَةً فهذا توبته سريعة، إلا أن العلماء يقولون: إن الأنبياء معصومون، ومعصية آدم ليست معصيةً بالمعنى الدقيق، لأن الله سبحانه وتعالى أراد من الذي حصل لآدم أن يكون درساً بليغاً له ولذرِّيَتِه من بعده
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) } الله عزَّ وجل توَّاب، ومعنى توَّاب صيغة مبالغة، وصِيَغ المبالغة مع أسماء الله الحسنى تعني أنه يتوب على الإنسان من أكبر ذنبٍ اقترفه، ويتوب عليه من آلاف الذنوب، فهنا مبالغة كَماً ونوعاً، مهما كان الذنب في نظرك كبيراً يتوب الله عزَّ وجل عليك منه، أي ذنبٍ مهما بدا لك كبيراً
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً (38) } الهبوط نزول مستوى، كان الإنسان بحالة راقية صار بحالة متعبة، تجد الإنسان يصل إلى ثلاثين سنة حتى يتزوج، هذا يكون سبَّاقاً إلى الزواج، حتى يستقر إلى أن يجد له بيتاً، مأوى، زوجة، أولاداً، ثلاثين عاماً فما بعد، يحتاج إلى سنوات وسنوات حتى يستطيع أن يتحرك حركة معقولة، فهؤلاء الذين كسبوا المال حصَّلوه بجهدٍ جهيد، فلمَّا حصَّلوه ما بقي لهم كثير ولا قليل حتى يغادروا الدنيا، فالدنيا دار تعب
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) } العبرة ليست في الشباب ولكن في الشيخوخة، العبرة في خريف العمر، هذه المرحلة من العمر متعلِّقة بالشباب، أحد الصالحين هنا في الشام عَلَّم الطلاَّب ثمانين سنة، بدأ بالتعليم في الثمانية عشر وتوفي في الثمانية والتسعين وهو قائم على التعليم ؛ التعليم الديني، وكان يقول للطالب: يا بني أنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدَّك تلميذي، أي أنه علَّم ثلاثة أجيال، وخرَّج آلافاً مؤلَّفة من أعلام هذه البلدة، وكان في الثمانية والتسعين منتصب القامة، حاد البصر، مُرْهَف السمع، أسنانه في فمه، متَّعه الله بقوَّته، فكان إذا سُئل: يا سيدي ما هذه الصحَّة التي أكرمك الله بها؟! يقول: " يا بني حفظناها في الصِغَرْ فحفظها الله علينا في الكِبَرْ، من عاش تقياً عاش قويَّاً "، لذلك خريف العمر متعلِّق بالشباب
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) } لا خوفٌ عليهم من المستقبل، يضمن الله لهم مستقبلاً مريحاً، ولا يحزنون على ما مضى لأنهم قادمون إلى الجنَّة، إنسان يسكن في حيّ فقير، في حي متواضع جداً، وفي بيت صغير تحت الأرض، مساحته ثمانون متراً، عنده ثمانية أولاد، فإذا انتقل إلى بيت مساحته أربعمئة متر له إطلالة جميلة جداً، هل هناك ألم في أثناء نقل الأثاث؟ هل هناك انقباض؟ هل هناك ضيق؟ بالعكس هناك فرح، وسرور، واستبشار، الانتقال إلى الأحسن مسعد للنفس، إذا عَمَّر الإنسان الآخرة سهُل عليه أن ينتقل إليها
آية
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى
{ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (40) } هناك أيها الأخوة نعمةٌ وهناك مُنْعِم، الكافر مع النعمة، أما المؤمن مع المُنعم، وما لم تنتقل من النعمة إلى المنعم فلست مؤمناً، الكفَّار في كل مكان يستمتعون بنعم الله أَيَّما استمتاع، بل إن الكفَّار أكثر من المؤمنين استمتاعاً بالنعم لأنها نصيبهم الوحيد من الله عزَّ وجل، بلادهم جميلة، وأموالهم طائلة، وقوَّتهم مسيطرة ومع ذلك هم غارقون في المعاصي والآثام.