فوائد من كتاب التخويف من النار 3 لابن رجب الحنبلى رحمه الله
حكمــــــة
قال عطية: سئل ابن عباس عن قوله: { كالمهل } قال: غليظ كدردي الزيت قال علي بن أبي طالب عن ابن عباس: أسود كمهل الزيت و كذا قال سعيد بن جبير و غيره. قال الضحاك: أذاب ابن مسعود من بيت المال ثم أرسل إلى أهل المسجد فقال: من أحب أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا. قال مجاهد: بماء كالمهل: مثل القيح و الدم أسود كعكر الزيت.
حكمــــــة
عن الحسن قال: لقي رجل رجلا فقال له: يا هذا أراك قد تغير لونك و نحل جسمك فمم هو؟ فقال آخر: و إني لأرى ذلك فمم هو؟ قال: أصبحت منذ ثلاثة أيام صائما فلما أتيت بعشائي عرضت لي هذه الآية: { يسقى من ماء صديد * يتجرعه ولا يكاد يسيغه } إلى قوله: { عذاب غليظ }. فلم أستطع أن أتعشاه فأصبحت صائما فلما أتيت بعشائي أيضا عرضت لي فلم أستطع أن أتعشاه فلي ثلاث منذ أنا صائم قال: يقول الرجل الأخر: و هي التي عملت بي هذا العمل.
حكمــــــة
من طريق خليد بن حسان الهجري قال: أمسى الحسن صائما فأتي بعشائه فعرضت له هذه الآية: { إن لدينا أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما } فقلصت يده و قال: ارفعوه فأصبح صائما فلما أمسى أتى بإفطاره فعرضت له الآية فقال: يا أبا سعيد تهلك و تضعف ! ! فأصبح اليوم الثالث صائما فذهب ابنه إلى يحيى البكاء و ثابت البناني و يزيد الضبي فقال: أدركوا أبي فإنه هالك فلم يزالوا به حتى سقوه شربة ماء من سويق.
حكمــــــة
من طريق صالح المري قال: كان عطاء السلمي قد أضر بنفسه حتى ضعف فقلت له: إنك قد أضررت بنفسك و أنا متكلف لك بشيء فلا ترد كرامتي قال: أفعل قال: فاشتريت سويقا من أجود ما وجدت و سمنا قال: فجعلت له شريبة فلتيتها و حليتها و أرسلت بها مع ابني و كوزا من ماء فقلت له: لا تبرح حتى يشربها فرجع فقال: قد شربها فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابني فرجع بها لم يشربها قال: فأتيته فلمته و قلت: سبحان الله ! أرددت علي كرامتي؟ ! إن هذا مما يعنيك و يقويك على الصلاة و على ذكر الله تعالى فلما رآني قد وجدت من ذلك قال: يا أبا بشر لا يسؤك و الله لقد شربتها أول ما بعثت بها فلما كان الغد راودت نفسي على أن أسيغها فما قدرت على ذلك إذا أردت شربه ذكرت هذه الآية: { يتجرعه و لا يكاد يسيغه و يأتيه الموت من كل مكان و ما هو بميت و من ورائه عذاب غليظ } فبكى صالح عند هذا و قال قلت لنفسي: ألا أراني في واد و أنت في آخر.
حكمــــــة
عن سوار بن عبد الله القريعي قال: كنا مع عمر بن درهم في بعض السواحل قال: و كان لا يأكل إلا من السحر إلى السحر فجئنا بطعام فلما رفع الطعام إلى فيه سمع بعض المتجهدين يقرأ هذه الآية { إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم } فغشي عليه و سقطت اللقمة من يده فلم يفق إلا بعد طلوع الفجر فمكث بذلك سبعا لا يطعم شيئا كلما قرب إليه طعام عرضت له الآية فيقوم و لا يطعم شيئا فاجتمع إليه أصحابه فقالوا سبحان الله ! تقتل نفسك؟ ! فلم يزالوا به حتى أصاب شيئا.
حكمــــــة
قال الحسن في قوله تعالى: { و جعلنا جهنم للكافرين حصيرا } قال: فراشا و مهادا و قال قتادة: محبسا حصروا فيها و روى مسكين عن حوشب عن الحسن أنه كان إذا ذكر أهل النار قال في وصفهم: قد حذيت لهم نعال من نار و سرابيل من قطران و طعامهم من نار و شرابهم من نار و فرش من نار و لحف من نار و مساكن من نار في شر دار و أسود عذاب في الأجساد أكلا أكلا و صهرا صهرا و حطما حطما.
حكمــــــة
عن عبد الواحد بن زيد عن الحسن قال: إن رجلا من صدر هذه الأمة كان إذا دخل المقابر نادى: يا أهل القبور ! بعد الرفاهية و النعيم معالجة الأغلال في النار؟ ! و بعد القطن و الكتان لباس القطران و مقطعات النيران؟ ! و بعد تلطف الخدم و الحشم و معانقة الأزواج مقارنة الشيطان في نار جهنم مقرنين في الأصفاد؟ !
حكمــــــة
عن وهب بن منبه قال: أما أهل النار الذين هم أهلها فهم في النار لا يهدؤون و لا ينامون و لا يموتون و يمشون على النار و يجلسون على النار و يشربون من صديد أهل النار و يأكلون من زقوم النار فرشهم و لحفهم نار و قمصهم نار و قطران و تغشى وجوههم النار و جميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها يجذبون مقبلين و مدبرين فيسيل صديدهم إلىحفر في النار فذلك شرابهم قال: ثم بكى وهب حتى سقط مغشيا عليه و غلب بكر بن خنيس عند روايته هذا الحديث البكاء حتى قام فلم يقدر أن يتكلم و بكى محمد بن جعفر بكاء شديدا.
حكمــــــة
روى مسكين عن حوشب عن الحسن أنه ذكر أهل النار فقال: قد عظموا لجهنم مسيرة ثلاثة أيام و لياليهن للراكب المسرع و إن ناب أحدهم مثل النخل الطوال و إن دبره لمثل الشعب مغلولة أيديهم إلى أعناقهم قد جمع بين نواصيهم و أقدامهم و الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم يسوقونهم إلى جهنم فيقول الرجل منهم للملك: ارحمني فيقول: كيف أرحمك و لم يرحمك أرحم الراحمين؟ !
حكمــــــة
عن هشام عن الحسن في هذه الآية " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها " قال: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم: عودوا فيعودون كما كانوا. وعن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعا و سنه تسعون ذراعا و بطنه لو وضع فيه جبل لوسعه فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها.
حكمــــــة
روى عطاء بن يسار عن كعب قال: يؤتى بالرئيس في الشر فيقال له: أجب ربك فينطلق به إلى ربه فيحتجب عنه و يؤمر به إلى النار فيرى منزله و منزل أصحابه فيقال: هذه منزلة فلان هذه منزلة فلان فيرى ما أعد الله لهم فيها من الهوان و يرى منزلته أشر من منازلهم قال: فيسود وجهه و تزرق عيناه و يوضع على رأسه قلنسوة من نار فيخرج فلا يراه أهل ملأ إلا تعوذوا بالله منه فيأتي أصحابه الذين كانوا يجتمعون به على الشر و يعينونه عليه فما يزال يخبرهم بما أعهد الله لهم في النار حتى يعلو وجوههم من السواد مثل ما علا وجهه فيعرفهم الناس بسواد وجوههم فيقولون: هؤلاء أهل النار.
حكمــــــة
عن مسعود في قوله تعالى: { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } قال عبد الله: اطلع ثم اطلع إلى أصحابه فقال: لقد رأيت جماجم القوم تغلي وبإسناده عن مجاهد في قوله: { سمعوا لها شهيقا و هي تفور } قال: تفور بهم كما يفور الحب القليل في الماء الكثير وعن سفيان الثوري قال في هذه الآية: تغلي بهم كالحب القليل في الماء الكثير.
حكمــــــة
قال تعالى: { جزاء وفاقا } قال ابن عباس: وافق أعمالهم فليس عقاب من تغلظ كفره و أفسد في الأرض و دعا إلى الكفر كمن ليس كذلك قال تعالى: { الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } وقال تعالى: { و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أصحاب الصغائر و قد يخفف عن بعضهم العذاب بحسنات أخر له أو بما شاء الله من الأسباب و لهذا يموت بعضهم في النار.
حكمــــــة
قال الله عز و جل: { خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم } قال كثير من السلف: نزلت هذه الآية في أبي جهل. قال الأوزاعي يؤخذ أبو جهل يوم القيامة فيخرق في رأسه خرق ثم يؤتى بسجل من الحميم فيصب في ذلك الخرق ثم يقال له: ذق إنك أنت العزيز الكريم.
حكمــــــة
قال الله تعالى { كلا لينبذن في الحطمة * وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة } قال محمد بن كعب القريظي في قوله: { تطلع على الأفئدة } قال: تأكله النار إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده أنشئ خلقه عن ثابت البناني أنه قرأ هذه الآية ثم قال: تحرقهم إلى الأفئدة و هم أحياء لقد بلغ منهم العذاب ! ثم يبكي
حكمــــــة
قال الله عز و جل: { وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر } قال صالح بن حيان عن ابن بريدة في قوله تعالى: { لا تبقي و لا تذر } قال: تأكل العظم و اللحم و المخ و لا تذره على ذلك و قال السدي: لا تبقي من جلودهم شيئا و لا تذرهم من العذاب و قال أبو سنان: لا تذرهم إذا بدلوا خلقا جديدا.
حكمــــــة
قال الله تعالى: { إن المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر } وقال تعالى: { فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون } قال قتادة: يسجرون في النار مرة و في الحميم مرة و قال تعالى: { يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله و أطعنا الرسولا }
حكمــــــة
قال قتادة: قال ابن عباس { صعودا }: صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه وقال كعب: يقول الله عز و جل للإمام الجائر: { خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه } فيسحب على وجهه في النار فينتشر لحمه و عظامه و مخه وقال ثابت أبو زيد القيسي عن عاصم الأحول عن أبي منصور مولى سليم: إن ابن عباس قال: { يسحبون * في الحميم }
حكمــــــة
قال آدم بن أبي إياس: أنبأنا المسعودي عن يونس بن خباب عن ابن مسعود قال: إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار فيها مسامير من نار ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت من نار ثم قذفوا في نار الجحيم فيرون أنه لا يعذب في النار غيرهم ثم تلا ابن مسعود { لهم فيها زفير و هم فيها لا يسمعون }
حكمــــــة
عن سويد بن عفلة قال: إذا أراد الله أن ينسى أهل النار جعل للرجل صندوقا على قدره من النار و لا ينبض عرق إلا فيه مسمار من نار ثم تضرم فيه النار ثم يقفل بقفل من نار ثم يجعل ذلك الصندوق في صندوق من نار ثم تضرم بينهما نار ثم يقفل ثم يطرح ـ أو يلقى ـ في النار فذلك قوله تعالى: { لهم من فوقهم ظلل من النار و من تحتهم ظلل } وقوله تعالى: { لهم فيها زفير و هم فيها لا يسمعون } قال: فما يرى أن في النار أحدا غيره.
حكمــــــة
قال الله تعالى: { و يأتيه الموت من كل مكان و ما هو بميت و من ورائه عذاب غليظ } وقال إبراهيم في قوله: { و يأتيه الموت من كل مكان } حتى من تحت كل شعرة في جسده و قال الضحاك: حتى من إبهام رجليه و المعنى: أنه يأتيه مثل شدة الموت و ألمه من كل جزء من أجزاء بدنه حتى شعره و ظفره و هو مع هذا لا تخرج نفسه فيستريح قال ابن جريح: تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيستريح و لا ترجع إلى مكانها من جوفه. تأول جماعة من المفسرين على ذلك قوله تعالى: { ثم لا يموت فيها و لا يحيا } قال الأوزاعي عن بلال بن سعد: تنادي النار يوم القيامة: يا نار أحرقي يا نار استفي يا نار انضجي كلي و لا تقتلي ! !
حكمــــــة
قال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا أحمد بن موسى عن أبي مريم قال: يقول أهل النار: إلهنا ارض عنا و عذبنا بأي نوع شئت من عذابك فإن غضبك أشد علينا من العذاب الذي نحن فيه ! ! قال أحمد: فحدثت سليمان ابن أبي سليمان فقال: ليس هذا كلام أهل النار هذا كلام المطيعين لله قال: فحدثت به أبا سليمان فقال: صدق سليمان بن أبي سليمان ـ و سليمان و هو ولد أبي سليمان الداراني و كان عارفا كبير القدر رحمه الله ـ و ما قاله حق فإن أهل النار جهال لا يتفطنون لهذا و إن كان في نفسه حقا و إنما يعرف هذا من عرف الله و أطاعه و لعل هذا يصدر من بعض من يدخل النار من عصاة الموحدين كما أن بعضهم يستغيث بالله لا يستغيث بغيره فيخرج منها و بعضهم يخرج منها برجائه لله وحده و بعض من يؤمر به إلى النار يتشفع إلى الله بمعرفته فينجيه منها.
حكمــــــة
عن سويد بن سعيد قال: سمعت الفضيل ابن عياض يقول: يوقف رجل بين يدي الله عز و جل لا يكون معه حسنة فيقول الله عز و جل: اذهب هل تعرف أحدا من الصالحين أغفر لك بمعرفته؟ فيذهب فيدور مقدار ثلاثين سنة فلا يرى أحدا يعرفه فيرجع إلى الله عز و جل فيقول: يا رب لا أرى أحدا ! ! فيقول الله عز و جل اذهبوا به إلى النار فتتعلق به الزيانية يجرونه فيقول: يا رب إن كنت تغفر لي بمعرفة المخلوقين فإني بوحدانيتك أنت أحق أن تغفر لي فيقول الله للزبانية: ردوا عارفي لأنه كان يعرفني و اخلعوا عليه خلع كرامتي و دعوه يتبحبح في رياض الجنة فإنه عارف بي و أنا له معروف.
حكمــــــة
روى ابن المبارك بإسناده عن كعب قال: إن الله ينظر إلى عبده يوم القيامة و هو غضبان فيقول: خذوه فيأخذه مائة ألف ملك أو يزيدون فيجمعون بين ناصيته و قدميه غضبا لغضب الله فيسحبونه على وجهه إلى النار قال: فالنار أشد عليه غضبا من غضبهم سبعين ضعفا قال: فيستغيث بشربة فيسقى شربة يسقط منها لحمه و عصبه ثم يركس في النار أو يدكس في النار فويل له من النار ! ! قال ابن المبارك: حدثت عن بعض أهل المدينة أنه يتفتت في أيديهم إذا أخذوه فيقول: ألا ترحموني فيقولون: كيف نرحمك و لم يرحمك أرحم الراحمين؟ !
حكمــــــة
عن إسماعيل بن عبيد الله قال: إن داود عليه السلام قال: ربي ارزقني عينين هطالتين يبكيان بذروف الدموع و يشفياني من خشيتك قبل أن يعود الدمع دما و الأضراس جمرا قال: و كان داود عليه السلام يعاتب في كثرة البكاء فيقول: دعوني أبكي قبل يوم البكاء قبل تحريق العظام و اشتعال اللحي و قبل أن يأمر بي ملائكة غلاط شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون !
حكمــــــة
عن محمد بن كعب القرظي قال: لأهل النار خمس دعوات يكلمون في أربع منها و يسكت عنهم في الخامسة فلا يكلمون يقولون: { ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل } فيرد عليهم: { ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم و إن يشرك به تؤمنوا } ثم يقولون: { ربنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون } فيرد عليهم: { و لو شئنا لآتينا كل نفس هداها } إلى آخر الآيتين ثم يقولون: { ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل } فيرد عليهم { أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال } ثم يقولون: { ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل } فيرد عليهم: { أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير } ثم يقولون: { ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون } فيرد عليهم: { اخسؤوا فيها و لا تكلمون } إلى قوله: { و كنتم منهم تضحكون } قال: فلا يتكلمون بعد ذلك.
حكمــــــة
قال سنيد في تفسيره: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: نادى أهل النار خزنة جهنم أن { ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب } فلم يجيبوهم ما شاء الله ثم أجابوهم بعد حين و قالوا لهم: { ادعوا و ما دعاء الكافرين إلا في ضلال } ثم نادوا: { يا مالك ليقض علينا ربك } فيسكت عنهم مالك خازن جهنم أربعين سنة ثم أجابهم: { إنكم ماكثون } ثم نادى الأشقياء ربهم: { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا } الآيتين فسكت عنهم مثل مقدار الدنيا ثم أجابهم بعد: " اخسؤوا فيها و لا تكلمون "
حكمــــــة
قال أبو الزعراء عن ابن مسعود: إذا أراد الله أن لا يخرج منها أحدا غير و جوههم و ألوانهم فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع فيقول: يا رب فيقال: من عرف أحدا فليخرجه قال: فيجيء الرجل من المؤمنين فينظر فلا يعرف أحدا فيناديه الرجل فيقول: يا فلان أنا فلان فيقول: ما أعرفك ! قال: فعند ذلك يقولون في النار: { ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون } فيقول عند ذلك: { اخسؤوا فيها و لا تكلمون } فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلم يخرج منها أحد. وفي رواية قال ابن مسعود ليس بعد هذه الآية خروج { اخسؤوا فيها و لا تكلمون }
حكمــــــة
قال الله تعالى: { و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } إلى قوله: { و نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } قال سفيان بن عينة عن عثمان الثقفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال: ينادي الرجل أخاه: إني قد احترقت فأفض علي من الماء فيقال: أجبه فيقول ذكر إن الله حرمها على الكافرين.
حكمــــــة
عن أبي بكر بن عبد الله قال: ينادون أهل النار: يا أهل الجنة فلا يجيبونهم ما شاء الله ثم يقال: أجيبوهم و قد قطع الرحم و الرحمة فيقول أهل الجنة: يا أهل النار عليكم لعنة الله يا أهل النار عليكم غضب الله يا أهل النار لا لبيكم و لا سعديكم ماذا تقولون؟ فيقولون: ألم نكن في الدنيا آباءكم و أبناءكم و إخوانكم و عشيرتكم؟ فيقولون بلى فيقولون: { أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين }
حكمــــــة
قال الله عز و جل: { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أإنك لمن المصدقين } قال خليد العصري في قوله تعالى: { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } قال: في وسطها و رأى جماجم تغلي فقال فلان: و الله لولا أن الله عز و جل عرفه إياه لما عرفه لقد تغير حبره و سبره فعند ذلك يقول: { إن كدت لتردين }
حكمــــــة
قال معمر عن قتادة قال كعب: إن بين أهل النار و أهل الجنة كوى لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى عدوه من أهل النار إلا فعل. عن الفزاري قال: لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب باب يدخل عليه زواره من الملائكة و باب يدخل عليه أزواجه من الحور و العين و باب مقفل في ما بينه و بين أهل النار يفتحه إذا شاء أن ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه و باب فيما بينه و بين دار السلام يدخل فيه على ربه إذا شاء
حكمــــــة
عن الضحاك في قوله تعالى: { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك } من الدر و الياقوت { ينظرون } يعني على السرر ينظرون كان ابن عباس يقول: السرر بين الجنة و النار فيفتح أهل الجنة الأبواب فينظرون على السرر إلى أهل النار كيف يعذبون و يضحكون منهم و يكون ذلك مما يقر الله به أعينهم أن ينظروا إلى عدوهم كيف ينتقم الله منه.
حكمــــــة
قال الله تعالى: { عليها تسعة عشر * وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } قال آدم بن أبي إياس: حدثنا حمادة بن سلمة حدثنا الأزرق بن قيس عن رجل من بني تيم قال: كنا عند أبي العوام فقرأ هذه الآية { عليها تسعة عشر } فقال: ما تقولون؟ تسعة عشر ملكا؟ قلنا: بل تسعة عشر ألفا فقال: و من أين علمت ذلك قال: قلت: لأن الله تعالى يقول: { و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } قال أبو العوام صدقت و بيد كل واحد منهم مرزبة من حديد لها شعبتان فيضرب بها الضرب يهو بها سبعين ألفا بين منكبي كل ملك منهم مسيرة كذا و كذا فعلى قول أبي العوام و من وافقه الفتنة للكفار إنما جاءت من ذكر العدد الموهم للقلة حيث لم يذكر المميز له. روى سعيد بن بشير عن قتادة في قوله: { و ما يعلم جنود ربك إلا هو } أي من كثرتهم.
حكمــــــة
المشهور بين السلف و الخلف أن الفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغتر الكفار بقتلهم و ظنوا أنهم يمكنهم مدافعتهم و ممانعتهم و لم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن البشر كلهم مقاومته و لهذا قال الله تعالى: { و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } إلى قوله { و ما يعلم جنود ربك إلا هو } قال السدي: إن رجلا من قريش يقال له أبو الأشدين قال: يا معشر قريش لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة و بمنكبي الأيسر التسعة الباقية ثم تمرون إلى الجنة ـ يقوله مستهزئا ـ فقال الله عز و جل: { و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } و قال قتادة: ذكر لنا أبا جهل حين نزلت هذه الآية قال: يا معشر قريش أما يستطع كل عشرة منكم أن يأخذوا واحدا من خزنة النار و أنتم الدهم وصاحبكم هذا يزعم أنهم تسعة عشر؟ !.
حكمــــــة
عن ابن عباس موقوفا قال: إذا كان يوم القيامة خرج عنق من النار فأشرفت على الخلائق لها عينان تبصران و لسان فصيح تقول: إني وكلت بكل جبار عنيد فتلقطهم من الصفوف فتحبسهم في نار جهنم ثم تخرج ثانيا فتقول: إني وكلت بمن آذى الله و رسوله فتلقطهم من الصفوف فتحبسهم في نار جهنم ثم تخرج ثالثة قال أبو المنهال: أحسب أنها قالت: إني وكلت اليوم بأصحاب التصاوير فتلقطهم من الصفوف فتحبسهم في نار جهنم.
حكمــــــة
عن أبي هريرة قال: يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام آخذ بكل زمام سبعون ألف ملك و هي تمايل عليهم حتى توقف عن يمين العرش و يلقي الله عليها الذل يومئذ فيوحي الله إليها: ما هذا الذل؟ فيقول: يا رب أخاف أن يكون لك في نقمة فيوحي الله إليها: إنما خلقتك نقمة و ليس لي فيك نقمة و يوحي الله إليها فتزفر زفرة لا تبقى دمعة في عين إلا جرت ثم تزفر أخرى فلا يبقى ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا صعق إلا نبيكم نبي الرحمة صلى الله عليه و آله وسلم يقول: يا رب أمتي أمتي.
حكمــــــة
روى بشر بن شغاف عن عبد الله بن سلام قال: يوضع الجسر على جهنم ينادي مناد: أين محمد و أمته؟ فيقوم فتتبعه أمته برها و فاجرها قال: فيأخذون الجسر فيطمس الله أنظار أعدائه فيتهافتون فيها من شمال و يمين و ينجو النبي و الصالحون معه ثم ينادي مناد: أين عيسى وأمته؟ فيقوم فتتبعه أمته يرها و فاجرها فيأخذون بالجسر فيطمس الله أبصار أعدائه فيتهافتون فيها من شمال و يمين فينجو النبي و الصالحون معه ثم يتبعهم الأنبياء و الأمم حتى يكون آخرهم نوح رحم الله نوح.
حكمــــــة
قال أيفع بن عبد الكلاعي: لجهنم سعة قناطر و الصراط عليها و ذكر أنه يحبس الخلق عند القنطرة الأولى فيسألون عن الصلاة فيهلك من يهلك و يهنجو من ينجو و يحبسون عند القنطرة الثانية فيسألون الأمانة هل أدوها أم أضاعوها فيهلك من يهلك و ينجو من ينجو ثم يحبسون عند الثالثة فيسألون عن الرحم و قد ذكرنا فيما تقدم غير حديث في حبس الولاة على جسر جهنم وتزلزل الجسر بهم.
حكمــــــة
عن أبي اليمان أن رجلا كان شابا أسود الرأس و اللحية فنام ليلة فرأى في نومه كأن الناس حشروا و إذا بنهر من لهب نار و إذا جسر يجوز الناس عليه يدعون بأسمائهم فإذا دعي الرجل أجاب فناج و هالك قال: فدعاني باسمي فدخلت في الجسر فإذا حده كحد السيف يمور بي يمينا و شمالا قال: فأصبح الرجل أبيض اللحية و الرأس مما رأى.
حكمــــــة
روي عن بشر بن الحارث قال: قال لي فضيل بن عياض: يا بشر مسيرة الصراط خمسة عشر ألف فرسخ فانظر كيف تكون على الصراط. روى فضيل بن إسحاق عن الفضيل قال: الصراط أربعون ألف فرسخ. قال محمد بن السماك: سمعت رجلا من زهاد أهل البصرة يقولون: الصراط ثلاثة ألف سنة ألف سنة يصعدون فيه و ألف سنة يستوي بهم و ألف سنة يهبطون منه.
حكمــــــة
عن سعيد بن أبي هلال قال: بلغنا أن الصراط يكون على بعض الناس أدق من الشعر و على بعض الناس مثل الوادي الواسع. وقال سهل التستري من دق عليه الصراط في الدنيا عرض له في الآخرة و من عرض عليه الصراط في الدنيا دق عليه في الآخرة و معنى هذا أن من ضيق على نفسه في الدنيا باتباع الأمر و اجتناب النهي و هو حقيقة الاستقامة على الصراط المستقيم في الدنيا كان جزاؤه أن يتسع له الصراط في الآخرة ومن وسع على نفسه في الدنيا باتباع الشهوات المحرمة والشبهات المضلة حتى خرج عن الصراط المستقيم ضاق عليه الصراط في الآخرة بحسب ذلك و الله أعلم.
حكمــــــة
عن الحسن في قوله عز و جل: { و إن منكم إلا واردها } قال: قال رجل لأخيه: فقد جاءك عن الله أنك وارد في جهنم؟ قال: نعم قال: فأيقنت بالورود؟ قال: نعم قال: فأيقنت و صدقت بذلك؟ قال: نعم وكيف لا أصدق و قد قال الله عز و جل: { و إن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا } قال: فأيقنت أنك صادر عنها؟ قال: و الله ما أدري أأصدر عنها أم لا قال: ففيم التثاقل؟ و فيم الضحك؟ و فيم اللعب؟.
حكمــــــة
قال أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال: نحن يوم القيامة على كذا و كذا انظر أي ذلك فوق الناس قال فتدعىالأمم بأوثانها و ما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا فيقول: أنا ربكم فيقولون: حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك فينطلق بهم فيتبعونه و يعطي كل إنسان منهم مؤمن أو منافق نوره ثم يتبعونه و على جسر جهنم كلاليب و حسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون فينجو أول زمرة وجوهم كالقمر و ذكر بقية الحديث.
حكمــــــة
عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن و قال بعضهم: يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد الله فقلت: إنا اختلفنا في الورود فقال يردونها جميعا و قال سليم بن مرة: يدخلونها و قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: لا يبقى بر و لا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا و سلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردهم { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }]
حكمــــــة
عن علي ابن بكار أنه سئل عن حسن الظن بالله قال: أن لا يجمعك و الفجار في دار واحدة. وعن سلمان بن الحكم بن عوانة أن رجلا دعا بعرفات فقال: لا تعذبنا بالنار بعد أن أسكنت توحيدك قلوبنا قال: ثم بكى و قال: ما إخالك تفعل بعفوك ثم بكى و قال: و لئن فعلت: فبذنوبنا لا تجمعن بيننا و بين قوم ظالمين عاديناهم فيك.
حكمــــــة
عن حكيم بن جابر قال: قال إبراهيم عليه السلام: اللهم لا تشرك من كان يشرك بك و من كان لا يشرك بك. قال ابن أبي الدنيا: و حدثني أبو حفص الصيرفي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا تلى: { و أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } قال: و نحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت أتراك تجمع بين القسمين في دار واحدة؟ ! ثم بكى أبو حفص بكاء شديدا.