فوائد من كتاب إيقاظ أولي الهمم العالية
حكمــــــة
عن إبراهيم عن علقمة قال: خرجنا ومعنا مسروق وعمرو بنُ عُتبة ومعضد غازين فلما بلغنا ماء سندان وأميرها عتبة بن فرْقَد، قال لنا ابنه عمرو بن عُتْبَة: إنكم إنْ نزلتم عليه صنع لكم نُزلاً ولعلهُ يظلم فيه أحدًا ولكن إن شئتم قلْنَا في ظِلِّ هذه الشجرة فأكلنا كسرَنا (أي كِسَر خُبز يابس) ثم رجعنا ففعلنا.
حكمــــــة
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فَضِيحةُ البهرج تبينُ عند المحك، لو أبصرت طلائع الصديقين في أوائل الركب، أو سمعت استغاثة المحبين في وسط الركب، أو شاهدت ساقة المُستغفرين في آخر الرَّكْب، لعلمتَ أنك قد انقطعت تحتَ شجرة أم غَيْلَان. واحسرتَاه لمُنقطعٍ دُوْن الرَّكْبِ يَعُدُّ المنازلَ إلى الرواح في الهوى والتفليس وحتَّامَ السعُي في صُحْبَةِ إبليْسِ. وكم بهرجةٍ في العملِ وتدليس أينَ أقرانُكَ هل تسمعُ لهم من حسِيْس أعلمتَ أنُهمْ اشتد ندمُهم وحسرتهم على إيثار الخسِيس. تالله لقد ودُوا أن لو كانوا طلَّقُوا الدنيا قبل المَسِيْس.
حكمــــــة
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: إن الذي يحسمُ مادة رجاءِ المخلوقين من قلْبِكَ هو الرضا بحكْم الله عز وجل وقسمهِ لك. فمن رضي بحُكْمِ الله وقسْمِهِ لم يبق لرجاء الخلقِ في قلبه موضِع. والذي يحسمُ مادة الخوف هو التسليمُ لله، فإنَّ من سلَّمَ لله واستسلم لهُ وعلم أنَّ ما أصابهُ لم يكنْ ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يُصيبه إلا ما كتب الله له لم يبق لخوف المخلوقين في قلبه موضع أيضًا. فإن نفسه التي يخاف عليها قد سلمّها إلى وليّها ومولاها وعلم أنه لا يصيبها إلا ما كتب لها، وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها فلا معنى للخوف من غير الله. والذي يحسمُ مادة المبالات بالناس شهود الحقيقة، وهو رؤية الأشياء كلها من الله، وبالله وفي قبضته وتحت قهره وسُلطانه لا يتحرك منها شيء إلا بحوله وقوته، ولا ينفع ولا يضر شيءٌ إلا بإذنه ومشيئته، فما وجه المبالات بالخلق!
حكمــــــة
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: سأل موسى ربه عز وجل، فقال: أيْ ربّ أيُّ عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني. قال: فأي عبادك أقضَى؟ قال: الذي يقضي بالحق، ولا يتبع الهوى. قال: أيْ رب، أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كَلِمة تهديه إلى هدى أو ترده عن رَدَى. قال: أي رب، فهلْ في أرضك أحدٌ أعلم مني؟ قال: نعم، قال: فمن هُو؟ قال: الخضر، قال: فأين أطلُبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة التي ينفلتُ عندها الحُوتُ. قال: فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله.
حكمــــــة
قال ابن القيم: إن السُنَّة الذات تمحقُ البدعةَ ولا تقوُمُ لها وإذا طلعت شمسُها في قلب العبد قطعتْ من قلبه ضُبَابَ كلِ بِدْعَةٍ وأزَالَت ظلمة كل ضلالة. إذ لا سلطان للظلمة مع سلطان الشمس، ولا يرى العبدُ الفرقَ بين السنة والبدعة. ولا يُعينُه على الخروج من ظلمتِهَا إلى نور السُنَّة إلا المُتابعة، والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله بالاستعانة والإخلاص وصدق اللَّجاء إلى الله. والهجرةُ إلى رسوله بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسُنته، «فمن كانت هجرته إلى اللهِ ورسولهِ فهجرته إلى الله ورسوله» ومن هاجَرَ إلى غير ذلك فهو حظه ونصيبه من الدنيا والآخرة والله المستعان.
حكمــــــة
قال ابن القيم: أشدُ العقوبةُ العقوبةُ بسلب الإيمان، ودُونها العقوبةُ بموت القلب، ومحو لذة الذكر والقراءة والدعاء والمناجاة. وربما دبَّتْ عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة، إلى أن يمتلي القلبُ بها فتعمي البصيرة. وأهونُ العقوبَة، ما كان واقعًا بالبدن في الدنيا، وأهونُ منها ما وقع بالمال. وربما كانت عقوبةُ النظر في البصيرة أو في البصر أو فيهما. حذار حِذار من أمرين لهما عواقب سُوءٍ: رد الحق لمخالفته هَوَاك، فإنك تُعاقبُ بتقليب القلب. وردّ ما يردُ عليك من الحق رأسًا ولا تقبلهُ إلا إن برز في قالب هواك.
حكمــــــة
كان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فسُئل عن مسألة في مجلس الخليفة، فقال: لا أدري، فقالوا له: تأخذ في كل شهر من بيت المال كذا وكذا، ولا تُحسِن مسألة، فقال: إنما آخُذُ على الذي أحسنُ فقط، ولو أخذت على ما لا أحسنُ لفنَي بيتُ المال، ولا يفنى ما لا أحسن.فأعجب الخليفة جوابه وأمر بجائزة وزاد في جرايته أي ما يجري له من بيت المال.
حكمــــــة
قال المغيرة بن شعبة: ما خدعني قطُ غيرُ غُلام من بني الحارث، فإني ذكرتُ امرأةً منهم وعندي شابٌ من بني الحارث، فقال: أيها الأمير، إنه لا خير لكَ فيها، فقُلتُ: ولِمَ؟ قال: رأيتُ رجُلاً يقبِّلُهَا، فأقمتُ أيامًا ثم بلغني أن الفتى تزوج بها، فأرسلتُ إليه، فقُلتُ: ألم تُعلمني أنك رأيت رجُلاً يُقبِّلُها؟ قال: بلى رأيت أباها يُقبِلُهَا، فإذا ذكرت الفتى وما صنعَ غمَّني ذلك.
حكمــــــة
جاء عبدالرحمن بن زيد رجلٌ من أهل بيته، فسألهُ أن يمُدَّهُ بشيء من المال معُونةً عل الزواج، فأجابه بجواب يدل على قِلةِ ما سَيُسَاعِدُهُ به، فلما مضى الرجل من عنده قال لصاحب خزانته: أعطه أربعمائة دينار فاستكثرها أحدُ من حوله، وقال: لقد رددت ردًا ضعيفًا حتى ظننا أنك تُعطيه شيئًا قليلاً، فقال عبدالرحمن: أحبُّ أن يكون فعلي أعظم من قولي.
حكمــــــة
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: ومعلوم عند الخاصة و العامة أن فتنة سماع الغناء والمعَازف أعظم من فتنة النَّوْحَ بكثير. والذي شاهدناه نحنُ وغيُرنا وعرفنَا بالتجارب أنه ما ظهرت المعازفُ وآلات اللهو في قومٌ وفشتْ فيهم واشتغلُوا بها إلا سَلَّطَ الله عليهم العدو. ويُلُو بالقُحْط والجُدب ووُلاة السُوء والعاقل يتأمل أحوال العَالَم وينظُر، والله المستعان.
حكمــــــة
قال شيخنا عبدالرحمن الناصر السعدي ـ رحمه الله ـ: اعلموا رحمكم الله، أن المعازف والغناء وآلات اللهو من المحرمات. فاجتنبوها، فقد جاءت نصوص الشر بتحريمها وحذر منها العلماء وحرموها. وقد تهاون بذلك بعض الذين يفتحون الراديو على إذاعات العزف والغناء وذلك لا يحل ولا يجوز. وفيه مفاسد وشرور كثيرة تصد القلوب عن الخير وترغبها في الشر، ويؤذون المارين والسامعين والجيران. فمن فتح على الغناء والمعازف، فقد باء بإثمه وإثم كل من سمع. يقول سبحانه وتعالى:؟وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ؟. والله أعلم
حكمــــــة
كيف يسلم من له زوجةُ لا ترحمه، وولد لا يَعْذُرُه، وجار لا يأمنه، وصاحب لا ينصحه، وشريكٌ لا يُنصفُه، وعدوٌ لا ينام عن مُعاداتِهِ، ونفسٌ أمَّارةٌ السُوء، ودُنيا مُتزيِّنة، وهوىً مُرْدِي، وشهوةٌ غالبةٌ لَهُ، وغضبٌ قاهرٌ، وشيطان مُزَيِّن، وضعْفٌ مستولٍ عليه، فإن تولاه اللهُ وجَذَبَه إليه انقهرتَ له هذه كُلُها وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعتْ عليه فكانت الهلكة.
حكمــــــة
قال عمرو بن ذر لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم، ونظروا إلى أهل الغفلة قد سكنُوا إلى فُرشِهِمْ ورجعُوا إلى ملاذِّهم، قَامُوْا إلى الله سبحانه وتعالى فرحين مُستبشرين بما قدْ وهَبَ اللهُ لَهُمْ مِن السَّهَر وطول التَّهَجُدِ. فاستقبلوا الليل بأبْدِانهِم، وباشروُا ظلمتهُ بصفاح وجوجهم، فانقضى عنهم الليلُ، وما انقضتْ لذَّتُهم مِن التلاوة، ولا ملَّتْ أبْدَانُهُم من طُول العِبَادَة، فأصبِحَ الفَرِيْقَانِ وَقَدْ ولَّى الليل بربح وغبن.
حكمــــــة
عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: اشتريتُ إبلاً وارتجَعْتُها إلى الحمى فلما سَمنَتْ قدِمْتُ بها، قال: فدخل عُمرُ السوق فرأى إبلاً سمانًا، فقال: لِمَن هذه؟ فقيل: لعبدالله ابن عمر، فجعل يقول: يا عبدالله بَخٍ بَخٍ ابن أمير المؤمنين. قال: فجئته اسعى، فقُلتُ: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: ما هذه الإبل؟ فقُلتُ: إبلٌ هزيلة اشتريتها وبعثتُ بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: ارعَوا إبل ابنِ أمير المؤمنين، أُسْقُوا إبل ابن أميرِ المؤمنين. يا عبدالله بن عُمر، أغْدُ على رأسِ مالك واجعلْ باقيه في بيت مال المسلمين.