فوائد من كتاب استنشاق نعيم الأنس من نفحات رياض القدس (في محبة الله) للحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي
A
حكمــــــة
نازع أبو سليمان الداراني رحمه الله من كان يتمنى الموت شوقًا إِلَى لقاء الله، وخالفهم في ذلك وقال:
لو أعلم أن الأمر كما تقولون لأحببت أن نفسي تخرج الساعة، ولكن كيف بانقطاع الطاعة والحبس في البرزخ ؟ وإنَّما نلقاه بعد البعث ".
وقال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله:
" فهو في الدُّنْيَا أحرى أن نلقاه - يعني: بالذكر ".
لو أعلم أن الأمر كما تقولون لأحببت أن نفسي تخرج الساعة، ولكن كيف بانقطاع الطاعة والحبس في البرزخ ؟ وإنَّما نلقاه بعد البعث ".
وقال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله:
" فهو في الدُّنْيَا أحرى أن نلقاه - يعني: بالذكر ".
حكمــــــة
ومن قال: إن الأرواح والقلوب تكافح ذات الرب -سبحانه- في الدُّنْيَا عيانًا، فهو غالط، فإن هذا لم يثبت لأحد إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء، كما ذكره الصحابة -رضي الله عنهم- وصنف بعضهم مصنفًا سماه "تفضيل العبادات عَلَى نعيم الجنات" وأشار إِلَى أن العبادات حق الرب، وأن النعيم حظ النفس، وكأنه ظن أن لا نعيم في الجنة إلا التمتع بالمخلوقات [فيها] وهو غلط عظيم، فإن أعلى نعيم الجنة ما يحصل فيها من معرفة الله ومشاهدته، فإن علم اليقين يصير هناك عين اليقين، وتتجدد معرفة عظيمة لم تكن موجودة قبل ذلك؛ بل ولم تخطر عَلَى قلب بشر وكذلك توحيد أهل الجنة ودوام ذكرهم هو من أكمل لذاتهم، ولذلك يلهمون التسبيح، كما يلهمون النفس.
حكمــــــة
قال ابن عيينة رحمه الله :
"لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدُّنْيَا" وكذلك ترنمهم بالقرآن و (سماعه) وأعلاه سماعه من الله (عز وجل) فأين هذا من تلاوة أهل الدُّنْيَا وذكرهم ؟ وأما سائر العبادات فما كان منها فيه مشقة عَلَى الأبدان فإن أهل الجنة قد أسقط ذلك عنهم ؛ وكذلك ما فيه نوع ذل وخضوع كالسجود ونحوه.
"لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدُّنْيَا" وكذلك ترنمهم بالقرآن و (سماعه) وأعلاه سماعه من الله (عز وجل) فأين هذا من تلاوة أهل الدُّنْيَا وذكرهم ؟ وأما سائر العبادات فما كان منها فيه مشقة عَلَى الأبدان فإن أهل الجنة قد أسقط ذلك عنهم ؛ وكذلك ما فيه نوع ذل وخضوع كالسجود ونحوه.
حكمــــــة
[وقد]غلط من قال: إن العارفين لا يشتاقونا إِلَى الله -عز وجل- في الدُّنْيَا ؛ لأنهم يشهدونه بقلوبهم حاضرًا، وتباشر قلوبهم أنواره ويتجلى لها فيستأنسون به ويطمئنون إِلَيْهِ.
وهذا وإن كان نقل عن بعض السَّلف المتقدمين فهو أيضاً غلط، ولعله صدر من قائله في حال استغراقه في مشاهدة ما شاهده، فظن أنَّه ليس وراء ذلك مطلب، وهذا كما قال بعضهم: "إنه تمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي عيش طيب ".
ومعلوم أن أهل الجنة في أضعاف أضعاف ما هو فيه من النعيم واللذة، ولكنه لما استعظم ما حصل له من النعيم ظن أنَّه ليس وراءه شيء، وعند التحقيق يتبين أن ما حصل في الدُّنْيَا للقلوب من تجلي أنوار الإيمان يدل عَلَى عظمة ما يحصل في الجنة، وليس بينهما نسبة فيتزايد بذلك الشوق إِلَى ما وراءه، ولهذا "كان النبي صلّى الله عليه وسلم يسأل ربه الشوق إِلَى لقائه" مع أنَّه أكمل الخلق مشاهدة ومعرفة .
وهذا وإن كان نقل عن بعض السَّلف المتقدمين فهو أيضاً غلط، ولعله صدر من قائله في حال استغراقه في مشاهدة ما شاهده، فظن أنَّه ليس وراء ذلك مطلب، وهذا كما قال بعضهم: "إنه تمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي عيش طيب ".
ومعلوم أن أهل الجنة في أضعاف أضعاف ما هو فيه من النعيم واللذة، ولكنه لما استعظم ما حصل له من النعيم ظن أنَّه ليس وراءه شيء، وعند التحقيق يتبين أن ما حصل في الدُّنْيَا للقلوب من تجلي أنوار الإيمان يدل عَلَى عظمة ما يحصل في الجنة، وليس بينهما نسبة فيتزايد بذلك الشوق إِلَى ما وراءه، ولهذا "كان النبي صلّى الله عليه وسلم يسأل ربه الشوق إِلَى لقائه" مع أنَّه أكمل الخلق مشاهدة ومعرفة .
حكمــــــة
، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:
"نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تَنَطَّقَ به، فقاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: انظروا إِلَى هذا الرجل الَّذِي قد نوَّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذيانه بأطيب الطعام والشراب؛ فدعاه حب الله ورسوله إِلَى ما ترون"
"نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تَنَطَّقَ به، فقاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: انظروا إِلَى هذا الرجل الَّذِي قد نوَّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذيانه بأطيب الطعام والشراب؛ فدعاه حب الله ورسوله إِلَى ما ترون"
حكمــــــة
وكان عتبة الغلام رحمه الله يبكي بالليل ويقول:
قطع ذكر العرض عَلَى الله أوصالَ المحبين. ثم يحشرج البكاء حشرجة الموت ويقول: تراك يا مولاي تعذب (محبيك) وأنت الحي الكريم. وبات ليلة بالساحل قائمًا يردد هذه الكلمات لا يزيد عليها ويبكي حتى أصح: إن تعذبني فإني لك مُحبُّ، وإن ترحمني فإني لك محبٌّ ! ".
قطع ذكر العرض عَلَى الله أوصالَ المحبين. ثم يحشرج البكاء حشرجة الموت ويقول: تراك يا مولاي تعذب (محبيك) وأنت الحي الكريم. وبات ليلة بالساحل قائمًا يردد هذه الكلمات لا يزيد عليها ويبكي حتى أصح: إن تعذبني فإني لك مُحبُّ، وإن ترحمني فإني لك محبٌّ ! ".
حكمــــــة
وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله [يبكي] ويقول:
" لئن طالبني بذنوبي لأطالبنه بعفوه، ولئن طالبني ببخلي لأطالبنه بجوده، ولئن أدخلني النار، لأخبرن أهل النار أني كنت أحبه ".
وأخذ هذا المعنى بعض [الشعراء] المتأخرين فَقَالَ:
وحقك لو أدخلتني النار قلت للـ... ذين بها قد كنتُ ممن (أحبه)
وآيةُ حبِّ الصبِّ أن يَعْذُبَ الأسى... إذا كان من يهوى عليهم (يصيبه)
" لئن طالبني بذنوبي لأطالبنه بعفوه، ولئن طالبني ببخلي لأطالبنه بجوده، ولئن أدخلني النار، لأخبرن أهل النار أني كنت أحبه ".
وأخذ هذا المعنى بعض [الشعراء] المتأخرين فَقَالَ:
وحقك لو أدخلتني النار قلت للـ... ذين بها قد كنتُ ممن (أحبه)
وآيةُ حبِّ الصبِّ أن يَعْذُبَ الأسى... إذا كان من يهوى عليهم (يصيبه)
حكمــــــة
في الصحيحين عن أنس "أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِى - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ (كَثِيرِ) صَلاةٍ وَلا صِيامٍ وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.
وفي رواية للبخاري: "فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم" [قال أنس] ففرحنا يومئذ فرحًا شديدًا.
وفي رواية لمسلم : "قال أنس فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قوله: "أنت مع من أحببت" قال أنس: "فأنا أَحَبّ الله -عز وجل- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم".
قال بعض العارفين: "يكفي (المحبين) شرفًا هذه المعية ".
مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ (كَثِيرِ) صَلاةٍ وَلا صِيامٍ وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.
وفي رواية للبخاري: "فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم" [قال أنس] ففرحنا يومئذ فرحًا شديدًا.
وفي رواية لمسلم : "قال أنس فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قوله: "أنت مع من أحببت" قال أنس: "فأنا أَحَبّ الله -عز وجل- ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم".
قال بعض العارفين: "يكفي (المحبين) شرفًا هذه المعية ".
حكمــــــة
قال الحسن البصري رحمه الله :
"ابن آدم لا تغتر بقول من يقول المرء مع من أَحَبّ، إنه من أَحَبّ قومًا اتبع آثارهم، ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم وتأخد بهديهم وتقتدي بِسُنَّتهم وتُصبحَ وتمسي وأنت عَلَى منهاجهم، حريصًا عَلَى أن تكون منهم فتسلك سبيلهم وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصرًا في العمل، فإنما ملاك الأمر أن تكون عَلَى استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم ؛ لأنهم خالفوهم في القول والعمل (وسلكوا) غير طريقهم، فصار موردهم النار، نعوذ بالله من ذلك ".
"ابن آدم لا تغتر بقول من يقول المرء مع من أَحَبّ، إنه من أَحَبّ قومًا اتبع آثارهم، ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم وتأخد بهديهم وتقتدي بِسُنَّتهم وتُصبحَ وتمسي وأنت عَلَى منهاجهم، حريصًا عَلَى أن تكون منهم فتسلك سبيلهم وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصرًا في العمل، فإنما ملاك الأمر أن تكون عَلَى استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم ؛ لأنهم خالفوهم في القول والعمل (وسلكوا) غير طريقهم، فصار موردهم النار، نعوذ بالله من ذلك ".
حكمــــــة
كانت حالة العُلَمَاء الربانيين كالحسن وسفيان وأحمد وغيرهم، يظهر عليهم الخوف ولوازمه ويكثر كلامهم فيه ويقل كلامهم في المحبة وظهور آثارها عليهم أيضاً، حتى حذر طوائف من العُلَمَاء ممن يكثر دعوى الشوق والمحبة بغير خوف لما ظهر منهم من الشطح والدعاوي ؛ بل والإباحة والحلول وغير ذلك من المفاسد، والله -سبحانه- أعلم.
حكمــــــة
ويقال: إن أول من أظهر الكلام في المحبة والشوق وجمع الهمة وصفاء الفكر، وتكلم به عَلَى رؤس الناس: أبو حمزة الصوفي، وكان من أعيان العارفين أيضاً، وكان يجتمع بالإمام أحمد كثيرًا، وكان أحمد يسأله ويقول [له] : ما تقول يا صوفي ؟ رضي الله عنهم أجمعين.
وكان عباد البصره بعد طبقة الحسن وأصحابه كعبد الواحد بن زيد وأصحابه عتبة وضيغم وغيرهما يظهر منهم المحبة كثيرًا مع شدة الخوف أيضاً وكذلك رابعة العدوية والفضيل وداود الطائي وغيرهم.
ثم اتسع الكلام في المحبة من زمن أبي سليمان الداراني وأصحابه بالشام كأحمد بن أبي الحواري وقاسم الجوعي.
وقد غلط طوائف من المتأخرين في أمرهم فظنوا أن حالهم هو غاية الكمال، وأن العقلاء كلهم من العُلَمَاء بالله، والعمال لله مقصرون عن درجتهم، وهذا خطأ قبيح جدًّا. ثم أدخلوا في طبقتهم من ليس منهم من المجانين الذين لا حكمة لديهم ولا ظهر شيء من الأحوال الصحيحة [عليهم] وإنَّما تظهر منهم مخالفة الشرعة بالأعمال والأقوال الشنيعة .
وكان عباد البصره بعد طبقة الحسن وأصحابه كعبد الواحد بن زيد وأصحابه عتبة وضيغم وغيرهما يظهر منهم المحبة كثيرًا مع شدة الخوف أيضاً وكذلك رابعة العدوية والفضيل وداود الطائي وغيرهم.
ثم اتسع الكلام في المحبة من زمن أبي سليمان الداراني وأصحابه بالشام كأحمد بن أبي الحواري وقاسم الجوعي.
وقد غلط طوائف من المتأخرين في أمرهم فظنوا أن حالهم هو غاية الكمال، وأن العقلاء كلهم من العُلَمَاء بالله، والعمال لله مقصرون عن درجتهم، وهذا خطأ قبيح جدًّا. ثم أدخلوا في طبقتهم من ليس منهم من المجانين الذين لا حكمة لديهم ولا ظهر شيء من الأحوال الصحيحة [عليهم] وإنَّما تظهر منهم مخالفة الشرعة بالأعمال والأقوال الشنيعة .