فوائد من كتاب تسهيل الوصول لفوائد سير أعلام النبلاء لفرحان العطار
حكمــــــة
عن الربيع عن أنس عن أبي العالية قال: قال رجل لأبي بن كعب أوصني؟ قال: اتخذ كتاب الله إماما، وارض به قاضيا وحكما، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم. و عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: عن أبي – في قوله تعالى - }قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم { قال: هن أربع كلهن عذاب، وكلهن واقع لا محالة، فمضت اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، فألبسوا شيعا، وذاق بعضهم بأس بعض، وبقي ثنتان واقعتان لا محالة: الخسف والرجم.
حكمــــــة
عن أبي الأحوص قال: أتيت أبا موسى وعنده عبد الله وأبو مسعود الأنصاري، وهم ينظرون إلى مصحف، فتحدثنا ساعة ثم خرج عبد الله وذهب، فقال أبو مسعود: والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحدا أعلم بكتاب الله من هذا القائم، و عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال عبد الله: والذي لا إله غيره لقد قرأت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، و لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته.
حكمــــــة
عن شقيق قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - } ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة { على قراءة من تأمروني أن أقرأ؟ لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه، قال شقيق: فجلست في حلق من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما سمعت أحداً منهم يعيب عليه شيئا مما قال ولا يرد عليه.
حكمــــــة
عن قيس بن مروان أنه أتى عمر فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بـها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب، فغضب عمر و انتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرجل، فقال: ومن هو ويحك؟ فقال: ابن مسعود، فما زال يطفئ غضبه ويتسرى عنه حتى عاد إلى حاله ثم قال: ويحك ! والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله يسمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " قال: ثم جلس يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: " سل تعطه " فقلت: والله لأغدون إليه فلأبشره، قال: فغدوت فوجدت أبا بكر قد سبقني. رواه أحمد في مسنده.
حكمــــــة
عن محمد بن كعب قال: جمع القرآن خمسة، معاذ وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبي وأبو أيوب، فلما كان زمن عمر كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا وملئوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأعني برجال يعلمونهم، فدعا عمر الخمسة فقال: إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا، فقالوا: ما كنا لنتساهم هذا شيخ كبير - لأبي أيوب - وأما هذا فسقيم -لأُبي - فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدؤوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يَلْقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس، فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين، فكانوا بحمص حتى إذا رضوا من الناس، أقام بها عبادة بن الصامت، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين، فمات في طاعون عمواس، ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين و بها مات، ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات.
حكمــــــة
من جلالة زيد أن الصديق اعتمد عليه في كتابة القرآن العظيم في صحف، وجمعه من أفواه الرجال، ومن الأكتاف والرقاع، واحتفظوا بتلك الصحف مدة، فكانت عند الصديق ثم تسلمها الفاروق، ثم كانت بعد عند أم المؤمنين حفصة، إلى أن ندب عثمان زيد بن ثابت ونفرا من قريش، إلى كتابة هذا المصحف العثماني، الذي به الآن في الأرض أزيد من ألفي ألف نسخة، ولم يبق بأيدي الأمة قرآن سواه ولله الحمد.
حكمــــــة
عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله أُبي وعثمان وزيد وتميم الداري، وروى أبو قلابة عن أبي المهلب: كان تميم يختم القرآن في سبع، وروى عاصم الأحول عن ابن سيرين: أن تميما الداري كان يقرأ القرآن في ركعة، وروى أبو الضحى عن مسروق قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد، يقرأ آية يرددها ويبكي } أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات { (الجاثية 20).
حكمــــــة
قيل للشعبي: إن إسماعيل السدي قد أعطي حظا من علم القرآن، فقال: إن إسماعيل قد أعطي حظا من الجهل بالقرآن، قلت: ما أحد إلا وما جهل من علم القرآن أكثر مما علم، وقد قال إسماعيل بن أبي خالد: كان السدي أعلم بالقرآن من الشعبي رحمهما الله وقال سلم بن عبد الرحمن - شيخ لشريك -: مر إبراهيم النخعي بالسدي وهو يفسر فقال: إنه ليفسر تفسير القوم.
حكمــــــة
قال قتادة: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا، قال أبو هلال قالوا لقتادة: نكتب ما نسمع منك؟ قال وما يمنعك أن تكتب، وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب فقال }: علمها عند ربي في كتاب { (طه 52)، و عن قتادة } إنما يخشى الله من عباده العلماء { قال: كفى بالرهبة علما، اجتنبوا نقض الميثاق، فإن الله قدم فيه و أوعده، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة، إياكم والتكلف والتنطع والغلو والإعجاب بالأنفس، تواضعوا لله لعل الله يرفعكم. قال سلام بن أبي مطيع: كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة.
حكمــــــة
قال رجل لأبي جعفر وكان في دينه فقيها: هنيئا لك ما آتاك من القرآن، قال: ذاك إذا أحللت حلاله، وحرمت حرامه وعملت بما فيه، وكان يصلي خلف القراء في رمضان يلقنهم يؤمر بذلك، وعن سليمان بن مسلم قال: رأيت أبا جعفر القارئ على الكعبة فقال: أقرئ إخواني السلام، وخبرهم أن الله جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين. وروى إسحاق المسيبي عن نافع قال: لما غسل أبو جعفر نظروا ما بين نحره إلى فؤاده كورقة المصحف، فما شك من حضره أنه نور القرآن، وقد سقت كثيرا من أخبار أبي جعفر في طبقات القراء.
حكمــــــة
عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي، إذ استبكى فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله، وسألوه فاستعجم عليهم، وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم، فجاء إليه فقال: ما الذي أبكاك؟ قال: مرت بي آية، قال: وما هي: قال " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما، وروى عفيف بن سالم عن عكرمة بن إبراهيم عن ابن المنكدر: أنه جزع عند الموت فقيل له:لم تجزع؟ قال: أخشى آية من كتاب الله " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب.
حكمــــــة
قال عمر بن ذر: اللهم إنا قد أطعناك في أحب الأشياء إليك أن تطاع فيه: الإيمان بك، والإقرار بك، ولم نعصك في أبغض الأشياء أن تعصى فيه: الكفر و الجحد بك، اللهم فاغفر لنا بينهما وأنت قلت: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " (النمل 39) ونحن نقسم بالله جهد أيماننا لتبعثن من يموت، أفتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة؟، قال شعيب بن حرب: قال عمر بن ذر: يا أهل معاصي الله، لا تغتروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه فإنه قال: " فلما آسفونا انتقمنا منهم " (الزخرف 56) وعن عمر بن ذر قال: كل حزن يبلى إلا حزن التائب عن ذنوبه. إبراهيم بن بشار حدثنا ابن عيينة قال كان عمر بن ذر إذا قرأ " مالك يوم الدين " قال: يا لك من يوم ما أملأ ذكرك لقلوب الصادقين.
حكمــــــة
كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم " [الحديد 16] فلما سمعها قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا. قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.
حكمــــــة
قال يحيى بن أيوب: دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن عياض، فإذا معه شيخ، فدخل زافر وأقعدني على الباب، قال زافر: فجعل الفضيل ينظر الي ثم قال: هؤلاء المحدثون يعجبهم قرب الإسناد ألا أخبرك بإسناد لا شك فيه رسول الله عن جبريل عن الله " نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد " [التحريم 6] فأنا وأنت يا أبا سليمان من الناس، ثم غشي عليه وعلى الشيخ، وجعل زافر ينظر إليهما، ثم خرج الفضيل وقمنا، والشيخ مغشي عليه.
حكمــــــة
قال أبو بكر بن عياش: صليت خلف فضيل بن عياض المغرب، وابنه علي إلى جانبي فقرأ ": ألهاكم التكاثر " فلما قال }: لترون الجحيم { سقط علي على وجهه مغشيا عليه، وبقي فضيل عند الآية، فقلت في نفسي: ويحك أما عندك من الخوف ما عند الفضيل وعلي، فلم أزل أنتظر عليا فما أفاق إلى ثلث من الليل بقي، رواها ابن أبي الدنيا عن عبدالرحمن بن عفان وزاد: وبقي فضيل لا يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائف، وقال: فما أفاق إلى نصف من الليل.
حكمــــــة
عن علي بن عبد الله قال: كنا عند يحيى بن سعيد، فلما خرج من المسجد خرجنا معه، فلما صار بباب داره وقف ووقفنا معه، فانتهى إليه الروبي فقال يحيى لما رآه: ادخلوا، فدخلنا، فقال للروبي: اقرأ فلما أخذ في القراءة نظرت إلى يحيى يتغير حتى بلغ " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين " (الدخان 40) صعق يحيى وغشي عليه، وارتفع صوته، وكان باب قريب منه، فانقلب فأصاب الباب فقار ظهره وسال الدم، فصرخ النساء وخرجنا، فوقفنا بالباب حتى أفاق بعد كذا وكذا، ثم دخلنا عليه فإذا هو نائم على فراشه وهو يقول: " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين " فما زالت فيه تلك القرحة حتى مات رحمه.
حكمــــــة
قال حنبل: سمعت أحمد بن حنبل: يقول كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا، وقد جعلت أبا إسحاق- يعني المعتصم - في حل، ورأيت الله يقول " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قصة مسطح قال أبو عبد الله: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك؟
حكمــــــة
عن أحمد بن سهل الهروي قال: كنت ساكنا في جوار بكار بن قتيبة – و كان قاضياً -، فانصرفت بعد العشاء فإذا هو يقرأ " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " الآية 26 قال: ثم نزلت في السحر، فإذا هو يقرؤها ويبكي، فعلمت أنه كان يتلوها من أول الليل.
حكمــــــة
من كلام محمد بن نصر قال: لما كانت المعاصي بعضها كفرا، وبعضها ليس بكفر، فرق تعالى بينها، فجعلها ثلاثة أنواع: فنوع منها كفر، ونوع منها فسوق، ونوع منها عصيان ليس بكفر ولا فسوق، وأخبر أنه كرّهها كلها إلى المؤمنين، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان، وليس فيها شيء خارج عنه، لم يفرق بينها فما قال: حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات، بل أجمل ذلك فقال " حبب إليكم الإيمان " الحجرات 7 (فدخل فيه جميع الطاعات، لأنه قد حبب إليهم الصلاة والزكاة وسائر الطاعات حب تدين، ويكرهون المعاصي كراهية تدين، ومنه قوله عليه السلام: " من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن.
حكمــــــة
قال أبو الفتح عبدالرحيم خادم ابن خفيف: سمعت الشيخ يقول: سألنا يوما أبو العباس ابن سريج بشيراز ونحن نحضر مجلسه للفقه فقال: أمحبة الله فرض أو لا؟ فقلنا: فرض قال: ما الدليل؟ فما فينا من أجاب بشيء، فسألناه، فقال: قوله تعالى " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم.... " إلى قوله " أحب إليكم من الله ورسوله " التوبة 24 قال: فتوعدهم الله على تفضيل محبتهم لغيره على محبته، والوعيد لا يقع إلا على فرض لازم.
حكمــــــة
قال أبو الدرداء: مالي أرى علماءكم يذهبون؟ وجهالكم لا يتعلمون؟ تعلموا فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر. وعن أبي الدرداء – من وجه مرسل-: لن تكون عالما حتى تكون متعلما، ولا تكون متعلما حتى تكون بما علمت عاملا، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت؟. جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
حكمــــــة
كان أبو هريرة يقول: رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه - يعني من العلم -. قلت: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث، التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع، أو المدح والذم، أما حديث يتعلق بحل أو حرام، فلا يحل كتمانه بوجه، فإنه من البينات والهدى، وفي صحيح البخاري قول الإمام علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء، لأوذي بل لقتل، ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة، فله ما نوى، وله أجر وإن غلط في اجتهاده.