فوائد من كتاب تسهيل الوصول لفوائد سير أعلام النبلاء لفرحان العطار
قال أنس بن مالك : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة ، كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد أحد عمومتي وقال ابن عباس : قال أُبي لعمر بن الخطاب : إني تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل عليه السلام وهو رطب .
عن الربيع عن أنس عن أبي العالية قال : قال رجل لأبي بن كعب أوصني ؟ قال : اتخذ كتاب الله إماما ، وارض به قاضيا وحكما ، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم ، شفيع مطاع ، وشاهد لا يتهم ، فيه ذكركم وذكر من قبلكم ، وحكم ما بينكم ، وخبركم وخبر ما بعدكم . و عن الربيع بن أنس عن أبي العالية : عن أبي – في قوله تعالى - }قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم { قال : هن أربع كلهن عذاب ، وكلهن واقع لا محالة ، فمضت اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، فألبسوا شيعا ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقي ثنتان واقعتان لا محالة : الخسف والرجم .
عن مسروق عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : " استقرئوا القرآن من أربعة : من ابن مسعود وأبي ومعاذ وسالم مولى أبي حذيفة "
ذكرت أخبار أبي بن كعب في طبقات القراء ، وأن ابن عباس وأبا العالية وعبد الله بن السائب قرؤوا عليه ، وأن عبد الله بن عياش المخزومي قرأ علية أيضا ، وكان عمر يجل أُبـياً ويتأدب معه ويتحاكم إليه .
عن أبي الأحوص قال : أتيت أبا موسى وعنده عبد الله وأبو مسعود الأنصاري ، وهم ينظرون إلى مصحف ، فتحدثنا ساعة ثم خرج عبد الله وذهب ، فقال أبو مسعود : والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحدا أعلم بكتاب الله من هذا القائم ، و عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال عبد الله : والذي لا إله غيره لقد قرأت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ، و لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته .
عن مسروق عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال : ما نزلت آية من كتاب الله ، إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيما نزلت .
عن شقيق قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - } ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة { على قراءة من تأمروني أن أقرأ ؟ لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله ، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه ، قال شقيق : فجلست في حلق من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فما سمعت أحداً منهم يعيب عليه شيئا مما قال ولا يرد عليه .
عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - أنهم ذكروا قراءته فكأنهم عابوه فقال : لقد علم أصحاب رسول الله أني أقرؤهم لكتاب الله ، ثم كأنه ندم فقال : ولست بخيرهم .
عن قيس بن مروان أنه أتى عمر فقال : جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة ، وتركت بـها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب ، فغضب عمر و انتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرجل ، فقال : ومن هو ويحك ؟ فقال : ابن مسعود ، فما زال يطفئ غضبه ويتسرى عنه حتى عاد إلى حاله ثم قال : ويحك ! والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه ، وسأحدثك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين ، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله يسمع قراءته ، فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " قال : ثم جلس يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : " سل تعطه " فقلت : والله لأغدون إليه فلأبشره ، قال : فغدوت فوجدت أبا بكر قد سبقني . رواه أحمد في مسنده .
عن محمد بن كعب قال : جمع القرآن خمسة ، معاذ وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبي وأبو أيوب ، فلما كان زمن عمر كتب إليه يزيد بن أبي سفيان : إن أهل الشام قد كثروا وملئوا المدائن ، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم ، فأعني برجال يعلمونهم ، فدعا عمر الخمسة فقال : إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن ، ويفقههم في الدين ، فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم ، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا ، فقالوا : ما كنا لنتساهم هذا شيخ كبير - لأبي أيوب - وأما هذا فسقيم -لأُبي - فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء ، فقال عمر : ابدؤوا بحمص ، فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة ، منهم من يَلْقن ، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس ، فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد ، وليخرج واحد إلى دمشق ، والآخر إلى فلسطين ، فكانوا بحمص حتى إذا رضوا من الناس ، أقام بها عبادة بن الصامت ، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ، ومعاذ إلى فلسطين ، فمات في طاعون عمواس ، ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين و بها مات ، ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات .
من جلالة زيد أن الصديق اعتمد عليه في كتابة القرآن العظيم في صحف ، وجمعه من أفواه الرجال ، ومن الأكتاف والرقاع ، واحتفظوا بتلك الصحف مدة ، فكانت عند الصديق ثم تسلمها الفاروق ، ثم كانت بعد عند أم المؤمنين حفصة ، إلى أن ندب عثمان زيد بن ثابت ونفرا من قريش ، إلى كتابة هذا المصحف العثماني ، الذي به الآن في الأرض أزيد من ألفي ألف نسخة ، ولم يبق بأيدي الأمة قرآن سواه ولله الحمد .
عن ابن سيرين قال : جمع القرآن على عهد رسول الله أُبي وعثمان وزيد وتميم الداري ، وروى أبو قلابة عن أبي المهلب : كان تميم يختم القرآن في سبع ، وروى عاصم الأحول عن ابن سيرين : أن تميما الداري كان يقرأ القرآن في ركعة ، وروى أبو الضحى عن مسروق قال لي رجل من أهل مكة : هذا مقام أخيك تميم الداري ، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد ، يقرأ آية يرددها ويبكي } أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات { ( الجاثية 20 ) .
عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا } فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد { فجعل ابن عمر يبكي ، حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي أقصر فقد آذيت الشيخ وروى عثمان بن واقد عن نافع كان ابن عمر إذا قرأ " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " بكى حتى يغلبه البكاء .
كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه قرأ الكهف ، وعن أبي رزين قال : خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة ، فقرأ سورة إبراهيم على المنبر حتى ختمها .
عن هلال بن يساف : سمعت الحسن يخطب ويقول : يا أهل الكوفة اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم ، و إنا أضيافكم ونحن أهل البيت الذين قال الله فيهم } : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت { قال : فما رأيت قط باكيا أكثر من يومئذ .
قال أبو وائل : خطبنا ابن عباس وهو أمير على الموسم ، فافتتح سورة النور ، فجعل يقرأ ويفسر ، فجعلت أقول : ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثل هذا ، لو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت .
عن ابن أبي مليكة : صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ، فكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ، ويرتل القران حرفا حرفا ، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب .
قيل لهرم بن حيان العبدي : أوص ؟ قال : قد صدقتني نفسي ، ومالي ما أوصى به ، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل .
قال مسروق : من سره أن يعلم علم الأولين والآخرين ، وعلم الدنيا والآخرة ، فليقرا سورة الواقعة . قلت : هذا قاله مسروق على المبالغة ، لعظم ما في السورة من جمل أمور الدارين ، ومعنى قوله : فليقرأ سورة الواقعة ، أي يقرأها بتدبير وتفكير وحضور ، ولا يكن كمثل الحمار يحمل أسفارا .
عن أبي العالية قال : تعلموا القرآن ، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه ، وإياكم وهذه الأهواء ، فإنها توقع العداوة والبغضاء بينكم ، فإنا قد قرأنا القرآن قبل أن يقتل - يعني عثمان - بخمس عشرة سنة ، قال : فحدثت به الحسن فقال : قد نصحك والله وصدقك .
عن عطاء بن السائب : أن أبا عبد الرحمن قال : أخذنا القرآن عن قوم ، أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات ،لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر ، حتى يعلموا ما فيهن ، فكنا نتعلم القرآن والعمل به ، وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء ، لا يجاوز تراقيهم .
عن أبي عبد الرحمن السلمي : أنه جاء وفي الدار جلال وجزر فقالوا : بعث بها عمر بن حريث لأنك علمت ابنه القرآن ، فقال : رد ، إنا لا نأخذ على كتاب الله أجرا .
عن مجاهد قال : عرضت القرآن ثلاث عرضات على ابن عباس ، أقفه عند كل آية ، أسأله فيم نزلت ؟ وكيف كانت ؟ قال ابن جريج : لأن أكون سمعت من مجاهد ، فأقول سمعت مجاهدا ، أحب إلي من أهلي ومالي . قلت : مع أنه قلما سمع من مجاهد حرفين .
قال مجاهد : لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود ، لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت .
عن قتادة قال : دخلنا على الحسن وهو نائم ، وعند رأسه سلة فجذبناها ، فإذا خبز وفاكهه ، وجعلنا نأكل فانتبه ، فرآنا فسره ، فتبسم وهو يقرأ : " أو صديقكم " لا جناح عليكم .
عن عكرمة قال : قرأ ابن عباس هذه الآية } لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا { ( الأعراف 164 ) قال ابن عباس : لم أدر أنجا القوم أم هلكوا ؟ قال : فما زلت أبين له ، أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا ، قال : فكساني حلة .
قال حماد بن سلمة : قرأ ثابت " أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا " ( الكهف 37 ) وهو يصلي صلاة الليل ، ينتحب ويرددها .
قيل للشعبي : إن إسماعيل السدي قد أعطي حظا من علم القرآن ، فقال : إن إسماعيل قد أعطي حظا من الجهل بالقرآن ، قلت : ما أحد إلا وما جهل من علم القرآن أكثر مما علم ، وقد قال إسماعيل بن أبي خالد : كان السدي أعلم بالقرآن من الشعبي رحمهما الله وقال سلم بن عبد الرحمن - شيخ لشريك - : مر إبراهيم النخعي بالسدي وهو يفسر فقال : إنه ليفسر تفسير القوم.
قال قتادة : ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا ، قال أبو هلال قالوا لقتادة : نكتب ما نسمع منك ؟ قال وما يمنعك أن تكتب ، وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب فقال }: علمها عند ربي في كتاب { ( طه 52 ) ، و عن قتادة } إنما يخشى الله من عباده العلماء { قال : كفى بالرهبة علما ، اجتنبوا نقض الميثاق ، فإن الله قدم فيه و أوعده ، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة ، إياكم والتكلف والتنطع والغلو والإعجاب بالأنفس ، تواضعوا لله لعل الله يرفعكم . قال سلام بن أبي مطيع : كان قتادة يختم القرآن في سبع ، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة .
قال رجل لأبي جعفر وكان في دينه فقيها : هنيئا لك ما آتاك من القرآن ، قال : ذاك إذا أحللت حلاله ، وحرمت حرامه وعملت بما فيه ، وكان يصلي خلف القراء في رمضان يلقنهم يؤمر بذلك ، وعن سليمان بن مسلم قال : رأيت أبا جعفر القارئ على الكعبة فقال : أقرئ إخواني السلام ، وخبرهم أن الله جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين . وروى إسحاق المسيبي عن نافع قال : لما غسل أبو جعفر نظروا ما بين نحره إلى فؤاده كورقة المصحف ، فما شك من حضره أنه نور القرآن ، وقد سقت كثيرا من أخبار أبي جعفر في طبقات القراء .
عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي ، إذ استبكى فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله ، وسألوه فاستعجم عليهم ، وتمادى في البكاء ، فأرسلوا إلى أبي حازم ، فجاء إليه فقال : ما الذي أبكاك ؟ قال : مرت بي آية ، قال : وما هي : قال " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما ، وروى عفيف بن سالم عن عكرمة بن إبراهيم عن ابن المنكدر : أنه جزع عند الموت فقيل له :لم تجزع ؟ قال : أخشى آية من كتاب الله " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب .
قال عمر بن ذر : اللهم إنا قد أطعناك في أحب الأشياء إليك أن تطاع فيه : الإيمان بك ، والإقرار بك ، ولم نعصك في أبغض الأشياء أن تعصى فيه : الكفر و الجحد بك ، اللهم فاغفر لنا بينهما وأنت قلت : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " ( النمل 39 ) ونحن نقسم بالله جهد أيماننا لتبعثن من يموت ، أفتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة ؟ ، قال شعيب بن حرب : قال عمر بن ذر : يا أهل معاصي الله ، لا تغتروا بطول حلم الله عنكم ، واحذروا أسفه فإنه قال : " فلما آسفونا انتقمنا منهم " (الزخرف 56) وعن عمر بن ذر قال : كل حزن يبلى إلا حزن التائب عن ذنوبه . إبراهيم بن بشار حدثنا ابن عيينة قال كان عمر بن ذر إذا قرأ " مالك يوم الدين " قال : يا لك من يوم ما أملأ ذكرك لقلوب الصادقين .
قال مسعر بن كدام : رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة . ابن سماعة عن محمد بن الحسن عن القاسم بن معن : أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى : " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " ( القمر 46 ) ويبكي ويتضرع إلى الفجر .
عن سفيان الثوري في قوله تعالى " سنستدرجهم " ( الأعراف 182 ( قال : نسبغ عليهم النعم ونمنعهم الشكر .
عن أبي سليمان الداراني قال : ما رأيت أحداً الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن صالح قام ليلة ب " عم يتساءلون " فغشي عليه فلم يختمها إلى الفجر وقال الحسن بن صالح ربما أصبحت وما معي درهم وكأن الدنيا قد حيزت لي .
قال جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى سمعت جدي يقول : كنت أقرأ على علي بن صالح فلما بلغت إلى قوله " فلا تعجل عليهم " ( مريم 84 ) سقط الحسن يخور كما يخور الثور ، فقام إليه علي فرفعه ومسح وجهه ، ورش عليه الماء وأسنده إليه .
قال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي : كنت عند ابني صالح ورجل يقرأ " لا يحزنهم الفزع الأكبر" (الأنبياء 103) فالتفت علي إلى أخيه الحسن وقد اخضر واصفر ، فقال : يا حسن إنها أفزاع فوق أفزاع ، ورأيت الحسن أراد أن يصيح ، ثم جمع ثوبه فعض عليه حتى سكن عنه ، وقد ذبل فمه واخضار واصفار .
صالح المري الزاهدي الخاشع ، واعظ أهل البصرة ، قال ابن الأعرابي :كان الغالب على صالح كثرة الذكر والقراءة بالتحزين ، ويقال : هو أول من قرأ بالبصرة بالتحزين .
قال مالك : لو أن لي سلطانا على من يفسر القرآن لضربت رأسه . قلت : يعني تفسيره برأيه ، وعن ابن وهب : سئل مالك عن الداعي يقول : يا سيدي ؟ فقال : يعجبني دعاء الأنبياء ربنا ربنا .
قال سليمان بن ميمون الخواص : قلت لنفسي : يا نفس اقرئي القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلم به ، فجاءت الحلاوة .
سلم الخاسر : هو من فحول الشعراء ، من تلامذة بشار بن برد ، مدح المهدي والرشيد ، وعكف على المخازي ، ثم نسك ، ثم مرق وباع مصحفه ، واشترى بثمنه ديوانا ، فلقب بالخاسر .
كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية ، فبينا هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو :" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم " [ الحديد 16 ] فلما سمعها قال : بلى يا رب ، قد آن ، فرجع فآواه الليل إلى خربة ، فإذا فيها سابلة فقال بعضهم : نرحل ، وقال بعضهم : حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا . قال : ففكرت وقلت : أنا أسعى بالليل في المعاصي ، وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني ، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع ، اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام .
قال مخزر بن عون : أتيت الفضيل بمكة فقال لي : يا محرز وأنت أيضا مع أصحاب الحديث ؟ ما فعل القرآن ؟ والله لو نزل حرف باليمن ، لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمعه ، والله لأن تكون راعي الحمر ، وأنت مقيم على ما يحب الله ، خير لك من الطواف ، وأنت مقيم على مايكره الله .
قال يحيى بن أيوب : دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن عياض ، فإذا معه شيخ ، فدخل زافر وأقعدني على الباب ، قال زافر : فجعل الفضيل ينظر الي ثم قال : هؤلاء المحدثون يعجبهم قرب الإسناد ألا أخبرك بإسناد لا شك فيه رسول الله عن جبريل عن الله" نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد " [ التحريم 6 ] فأنا وأنت يا أبا سليمان من الناس ، ثم غشي عليه وعلى الشيخ ، وجعل زافر ينظر إليهما ، ثم خرج الفضيل وقمنا ، والشيخ مغشي عليه .
علي بن الفضيل بن عياض من كبار الأولياء ، ومات قبل والده ، قلت : خرج هو وأبوه من الضعف الغالب على الزهاد والصوفية ، وعدا في الثقات إجماعا ، وكان علي قانتا لله خاشعا وجلا ربانيا كبير الشأن . قال الخطيب : مات قبل أبيه بمدة ، من آية سمعها تقرأ فغشي عليه وتوفي في الحال .
قال أبو بكر بن عياش : صليت خلف فضيل بن عياض المغرب ، وابنه علي إلى جانبي فقرأ " : ألهاكم التكاثر " فلما قال }: لترون الجحيم { سقط علي على وجهه مغشيا عليه ، وبقي فضيل عند الآية ، فقلت في نفسي : ويحك أما عندك من الخوف ما عند الفضيل وعلي ، فلم أزل أنتظر عليا فما أفاق إلى ثلث من الليل بقي ، رواها ابن أبي الدنيا عن عبدالرحمن بن عفان وزاد : وبقي فضيل لا يجاوز الآية ، ثم صلى بنا صلاة خائف ، وقال : فما أفاق إلى نصف من الليل .
عن محمد بن ناجية قال : صليت خلف الفضيل فقرأ الحاقة في الصبح ، فلما بلغ إلى قوله }: خذوه فغلوه { غلبه البكاء ، فسقط ابنه علي مغشيا عليه .
قال أبو سليمان الداراني : كان علي بن الفضيل لا يستطيع أن يقرأ : " القارعة " ولا تقرأ عليه . قال إبراهيم بن بشار : الآية التي مات فيها علي بن الفضيل في الأنعام " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد " ( الأنعام 27 ) مع هذا الموضع مات ، وكنت فيمن صلى عليه رحمه الله .
عن يحيى الحماني قال : لما حضرت أبا بكر الوفاة ، بكت أخته فقال لها : ما يبكيك ؟ انظري إلى تلك الزاوية ، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة .
لما نزل بابن إدريس الموت بكت بنته فقال : لا تبكي يا بنية ، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة .
أبو معاوية الأسود من كبار أولياء الله ، صحب سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم وغيرهما وكان يعد من الأبدال ، وقيل إنه ذهب بصره فكان إذا أراد التلاوة في المصحف أبصر بإذن الله .
قال يحيى بن معين : أقام يحيى بن سعيد القطان عشرين سنة يختم القرآن كل ليلة ، وقال علي بن المديني : كنا عند يحيى بن سعيد فقرأ رجل سورة الدخان ، فصعق يحيى وغشي عليه ، قال أحمد بن حنبل : لو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى - يعني الصعق .
عن علي بن عبد الله قال : كنا عند يحيى بن سعيد ، فلما خرج من المسجد خرجنا معه ، فلما صار بباب داره وقف ووقفنا معه ، فانتهى إليه الروبي فقال يحيى لما رآه : ادخلوا ، فدخلنا ، فقال للروبي : اقرأ فلما أخذ في القراءة نظرت إلى يحيى يتغير حتى بلغ " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين "(الدخان 40 ) صعق يحيى وغشي عليه ، وارتفع صوته ، وكان باب قريب منه ، فانقلب فأصاب الباب فقار ظهره وسال الدم ، فصرخ النساء وخرجنا ، فوقفنا بالباب حتى أفاق بعد كذا وكذا ، ثم دخلنا عليه فإذا هو نائم على فراشه وهو يقول : " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين " فما زالت فيه تلك القرحة حتى مات رحمه .
عن محمد بن منصور الطوسي قال : قعدت مرة إلى معروف ، فلعله قال : واغوثاه يا الله عشرة آلاف مرة وتلا : " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم " الأنفال 9 .
قال بكر بن خنيس : إن في جهنم لوادياً تتعوذ جهنم منه كل يوم سبع مرات ، وإن في الوادي لجبا يتعوذ الوادي وجهنم منه كل يوم سبع مرات ، وإن فيه لحية يتعوذ الجب والوادي وجهنم منها كل يوم سبع مرات ، يبدأ بفسقة حملة القرآن ، فيقولون : أي رب بدئ بنا قبل عبدة الأوثان ؟ قيل لهم : ليس من يعلم كمن لا يعلم .
عن يحيى بن معين قال : كنت إذا دخلت منزلي بالليل ، قرأت آية الكرسي على داري وعيالي خمس مرات , فبينا أنا أقرأ إذا شيء يكلمني : كم تقرأ هذا ؟ كأن ليس إنسان يحسن يقرأ غيرك ! فقلت : أرى هذا يسوءك ، والله لأزيدنك فصرت أقرؤها في الليلة خمسين ستين مرة .
قال حنبل : سمعت أحمد بن حنبل : يقول كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا ، وقد جعلت أبا إسحاق- يعني المعتصم - في حل ، ورأيت الله يقول " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قصة مسطح قال أبو عبد الله : وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك ؟
قال رجل للحسن : يا أبا سعيد إني إذا قرأت كتاب الله وتدبرته ، كدت أن آيس وينقطع رجائي ؟ فقال : إن القران كلام الله ، وأعمال ابن ادم إلى الضعف والتقصير ، فاعمل وابشر .
قال عمر رضي الله عنه : إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة : منافق يقرأ القرآن لا يخطئ فيه واواً ولا ألفا ، يجادل الناس أنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى ، وزلة عالم ، وأئمة مضلون .
قال محمد بن عوف الحمصي : رأيت أحمد بن أبي الحواري عندنا بأنطرسوس ، فلما صلى العتمة قام يصلي فاستفتح ب } الحمد لله { إلى }إياك نعبد وإياك نستعين { فطفت الحائط كله ، ثم رجعت فإذا هو لا يجاوزها ، ثم نمت ومررت في السحر وهو يقرأ } إياك نعبد { فلم يزل يرددها إلى الصبح
قال المازني : قرأت القرآن على يعقوب ، فلما ختمت رمى إلي بخاتمه وقال : خذه ليس لك مثل . وقيل : كان المازني ذا ورع ودين ، بلغنا أن يهوديا حصل النحو ، فجاء ليقرأ على المازني كتاب سيبويه ، فبذل له مئة دينار فامتنع وقال : هذا الكتاب يشتمل على ثلاث مئة آية ونيف ، فلا أمكن منها ذميا .
عن أحمد بن سهل الهروي قال : كنت ساكنا في جوار بكار بن قتيبة – و كان قاضياً - ، فانصرفت بعد العشاء فإذا هو يقرأ " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " الآية 26 قال : ثم نزلت في السحر ، فإذا هو يقرؤها ويبكي ، فعلمت أنه كان يتلوها من أول الليل .
من كلام محمد بن نصر قال : لما كانت المعاصي بعضها كفرا ، وبعضها ليس بكفر ، فرق تعالى بينها ، فجعلها ثلاثة أنواع : فنوع منها كفر ، ونوع منها فسوق ، ونوع منها عصيان ليس بكفر ولا فسوق ، وأخبر أنه كرّهها كلها إلى المؤمنين ، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان ، وليس فيها شيء خارج عنه ، لم يفرق بينها فما قال : حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات ، بل أجمل ذلك فقال " حبب إليكم الإيمان " الحجرات 7 ( فدخل فيه جميع الطاعات ، لأنه قد حبب إليهم الصلاة والزكاة وسائر الطاعات حب تدين ، ويكرهون المعاصي كراهية تدين ، ومنه قوله عليه السلام : " من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن .
قال عثمان الحيري الصوفي : من أمّر السنة على نفسه ، قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة ، قال تعالى " وإن تطيعوه تهتدوا " ( النور 54( قلت : وقال تعالى " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله "
ابن عطاء الزاهد العابد المتأله ، كان له في كل يوم ختمة ، وفي رمضان تسعون ختمة ، وبقي في ختمة مفردة بضع عشرة سنة ، يتفهم ويتدبر .
قال أبو عثمان المغربي : ليكن تدبرك في الخلق تدبر عبرة ، وتدبرك في نفسك تدبر موعظة ، وتدبرك في القرآن تدبر حقيقة ، قال الله تعالى " أفلا يتدبرون القرآن " النساء 82 ( جرأك به على تلاوته ، ولولا ذلك لكلت الألسن عن تلاوته .
قال أبو الفتح عبدالرحيم خادم ابن خفيف : سمعت الشيخ يقول: سألنا يوما أبو العباس ابن سريج بشيراز ونحن نحضر مجلسه للفقه فقال : أمحبة الله فرض أو لا ؟ فقلنا : فرض قال : ما الدليل ؟ فما فينا من أجاب بشيء ، فسألناه ، فقال : قوله تعالى " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم.... " إلى قوله " أحب إليكم من الله ورسوله " التوبة 24 قال : فتوعدهم الله على تفضيل محبتهم لغيره على محبته ، والوعيد لا يقع إلا على فرض لازم .
قال أبو الدرداء : مالي أرى علماءكم يذهبون ؟ وجهالكم لا يتعلمون ؟ تعلموا فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر . وعن أبي الدرداء – من وجه مرسل- : لن تكون عالما حتى تكون متعلما ، ولا تكون متعلما حتى تكون بما علمت عاملا ، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي : ما عملت فيما علمت ؟ . جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال أبو الدرداء : ويل للذي لا يعلم مرة ، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات .
عن ابن سيرين قال : قال عمر لأبي مسعود : نبئت أنك تفتي الناس ولست بأمير ، فول حارها من تولى قارها . يدل على أن مذهب عمر أن يمنع الإمام من أفتى بلا إذن .
كان أبو هريرة يقول : رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه - يعني من العلم - . قلت : هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث ، التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع ، أو المدح والذم ، أما حديث يتعلق بحل أو حرام ، فلا يحل كتمانه بوجه ، فإنه من البينات والهدى ، وفي صحيح البخاري قول الإمام علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء ، لأوذي بل لقتل ، ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة ، فله ما نوى ، وله أجر وإن غلط في اجتهاده .
أبو الزعيزعة كاتب مروان : أن مروان أرسل إلى أبي هريرة ، فجعل يسأله وأجلسني خلف السرير ، وأنا أكتب ، حتى إذا كان رأس الحول ، دعا به فأقعده من وراء الحجاب ، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب ، فما زاد ولا نقص ، ولا قدم ولا أخر . قلت : هكذا فليكن الحفظ .
عن ثابت البناني قال : أن أبا برزة كان يلبس الصوف ، فقيل له : إن أخاك عائذ بن عمرو يلبس الخز ، قال : ويحك ومن مثل عائذ ؟ فانصرف الرجل فأخبر عائذا ، فقال : ومن مثل أبي برزة ؟ . قلت : هكذا كان العلماء يوقرون أقرانهم .
كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إلي بالعلم كله ، فكتب إليه إن العلم كثير ، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس ، خميص البطن من أموالهم ، كاف اللسان عن أعراضهم ، لازما لأمر جماعتهم فافعل .
عن أبي العالية قال : كان ابن عباس يرفعني على السرير ، وقريش أسفل من السرير ، فتغامزت بي قريش فقال ابن عباس : هكذا العلم يزيد الشريف شرفا ، ويجلس المملوك على الأسرة . قلت : هذا كان سرير دار الإمرة لما كان ابن عباس متوليها لعلي رضي الله عنهما .
قال ابن شبرمة سمعت الشعبي يقول : ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث ، إلا أنا أعلم به منه ، ولقد نسيت من العلم ، ما لوحفظه رجل لكان به عالما .
قال الشعبي : إنا لسنا بالفقهاء ولكنا سمعنا الحديث فرويناه ، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل .
قال مالك بن مغول : سمعت الشعبي يقول : ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئا . قلت : لأنه حجة على العالم ، فينبغي أن يعمل به ، و ينبه الجاهل فيأمره وينهاه ، ولأنه مظنة ان لايخلص فيه ، وأن يفتخر به ، و يماري به لينال رئاسة ودنيا فانية .
عن عمرو بن مالك سمع أبا الجوزاء يقول : ما لعنت شيئا قط ، ولا أكلت شيئا ملعونا قط ، ولا آذيت أحدا قط . قلت : انظر إلى هذا السيد واقتد به .