فوائد من كتاب حتى لا تغرق السفينة لعائض القرني
حكمــــــة
أمة الوسط: نحن الأمة الوسط: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(البقرة: الآية143)، علماؤنا، فقهاؤنا، قضاتنا، دعاتنا، عقلاؤنا، أدباؤنا، طلابنا، رجالنا، نساؤنا، كلهم وسط، وهم جماعة الاعتدال، (فعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار)النبي صلي الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً) وقال سبحانه وتعالي:)وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63).
حكمــــــة
حرمة دم المسلم: إن دم المسلم وعرضه، وماله حرام علي المسلم، كحرمة الشهر المحرم، في البلد المحرم، في اليوم المحرم، يقول سبحانه وتعالي: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق)(الاسراء: الآية33)، وقال صلي الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والنفس بالنفس)، وقال صلي الله عليه وسلم: لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل امرئ مسلم)، وقال صلي الله عليه وسلم: (ولو اجتمع أهل السموات والأرض علي قتل امرئ مسلم لكبهم الله علي وجوههم في النار)، قال سبحانه وتعالي:)وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)، وقال صلي الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، ونظر ابن عمر رضي الله عنه إلي الكعبة، فقال: ما أعظمك وأشد حرمتك عند الله، والمؤمن أشد حرمة منك.
حكمــــــة
الأمن مطلب الجميع: فإن الأمن ينشده الوالي، وينشده الراعي والرعية، والعلماء والعامة، والرجال والنساء، فإذا ذهب الأمن فلا أمان والرسول عليه الصلاة والسلام عد الأمن من أعظم النعم، فقال: من اصبح في سربه، معافى في بدنه، عنده قوته وقوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، فالواجب علينا أن نسعي في استتباب الأمن، وأن نأخذ علي يد مهدد أمننا، ولا نرضي بسلوك منهجهم، ولا إتباع طريقهم، ولا نقرهم علي خطئهم، ونبرأ إلي الله من فعلهم. ألا نعتبر مما حصل في دول فقدت الأمن، وقدمت صوت البندقية علي صوت العقل، واستخدمت حوار الرصاص علي حوار المنطق، ألا ننظر ما حل في بعض البلدان؛ من سفك للدماء، وهتك للأعراض، بعد أن كانوا قبل ذلك مقبلين علي عودة صادقة إلي الله، كانت مساجدهم ممتلئة بالمصلين، وكان بينهم أخوة ووفاق، ثم انحرف الحال، قتمزقوا أيدي سبأ، وصاروا شذر مذر، وصاروا عظة للمتعظين.
حكمــــــة
طاعة ولي الأمر في طاعة الله: إن علينا واجب طاعة ولي الأمر في طاعة الله، نناصحه ولا ننافقه، ولا نحرج عليه، ما لم نر كفراً بواحاً، لأن الله سبحانه وتعالي يقول: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(النساء: الآية59)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن طاعتهم تحيط بمن وراءهم)، أو كما قال صلي الله عليه وسلم.
حكمــــــة
الحكمة سلاح العقلاء: ألا يسعنا ما وسع علماء الأمة، ودعاتها، وقضاتها، وعقلاءها، ألا يسعنا ما وسع العالمين الفاضلين المعاصرين؛ سماحة الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمن وغيرهما من علمائنا الأجلاء؛ حيث دعوا إلي الله عز وجل في هذا المجتمع بالحكمة والموعظة الحسنة، وأخرجوا طلاباً وعلموا تلاميذ، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وأسسوا، ودرسوا، وألفوا، ومع ذلك نصحوا بالتي هي أحسن، فأقاموا المعوج،ونبهوا علي الخطأ، وأبرأوا ذممهم، وهم في التقوى والورع من هم في محلتهم وميزانهم، أن علي الجيل أن يسعه ما وسع هؤلاء الأئمة العلماء، وأن يتقي الله عز وجل، فلن يأتي هو بعلم كعلمهم، ولا فضل كفضلهم.
حكمــــــة
لماذا نترك ما اجتمعت عليه الأمة ونأخذ بالشاذ؟ نترك الحجة والمحجة والطريق المستقيم، ونذهب إلي الطريق الملتوي، الذي يؤدي إلي الهلكة، لماذا نهجر الألفة وندعو للفرقة؟ لماذا نعرض عن اليقين إلي الظن؟ وعن الواضح إلي المشتبه؟ لماذا نعمل تحت الأرض في الظلام، ولا نبني فوق الأرض في رابعة النهار؟ لماذا نترك الواضحات من المسائل والمشتهرات، ونذهب غلي الشبهات؟ لماذا نهجر الحديث الصحيح الصريح إلي الحديث الضعيف الواهن؟ لماذا لا نثق بعلمائنا، ودعاتنا، وولاة أمرنا، وعقلائنا، ونذهب إلي آخرين لا نعرف علمهم، ولا نصحهم، ولا صدقهم؟
حكمــــــة
نحن نريد باختصار أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، فليس للداعية، ولا لطالب العلم، أهداف من وراء دعوته، بل الهدف أن يصلح الناس، وأن يكونوا عباداً صالحين أتقياء أخياراً، بررة، مهيئين لدخول الجنة، مهذبين في أخلاقهم، مؤدبين في سلوكهم، يؤدون حق الله، وحق الوالي، وحق الجار، وحق الضيف، كما قال صلي الله عليه وسلم: (إن لربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً ولضيفك عليك حقاً،فأعط كل ذي حق حقه)، فهاذ هو واجب الداعية، فليس له مقصد سياسي، ولا هدف دنيوي غير رفع لا إله إلا الله، وتعبيد الناس لرب العالمين.
حكمــــــة
هداية الناس إلي الطريق المستقيم قال سبحانه: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(الشورى: الآية52)وقال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب وهو يرسله إلي اليهود: (فوالذي نفسي بيده لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).لماذا لا نكون رحمة لا عذاباً؟ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) لماذا لا نكون برداً وسلاماً علي الناس بدل أن نكون مصدراً لشقاوتهم وتخويفهم، وزعزعة أمنهم، واضطراب أحوالهم؟، لماذا لا نكون فجراً جديداً علي العالم، نبشره بالرسالة الربانية والنبي الخاتم، والدين الخالد، والرحمة المهداة، والنعمة المسداة؟
حكمــــــة
أين التيسير يا دعاة التعسير، (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، ويقول سبحانه وتعاليك)فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران: الآية159)، اين دعاة الحكمة يا دعاة الغلظة؟، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: الآية125) (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44)، وقال صلي الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شئ إلا زانة، وما نزع من شئ إلا شانه)، وقال صلي الله عليه وسلم (يا عائشة، إن الله يعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف)، أين البشرى برحمة الله والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا).
حكمــــــة
إن علينا أن لا نجعل الممارسات الخاطئة جهاداً، ولا ننفرد بالراي الشاذن ولا نتبع الأهواء الشخصية،ولا نصدق الأفهام الفردية التي لا تنطلق من علم راسخ، ولا من فهم قويم، وإنما تأتي سداد في النظرةن ولا من دراسية للمصلحة، وإنما تأتي باندفاعات عاطفية، وبعقول طائشة، وبتخرصات ظنية، لا دليل ولا برهان، ولا نور ولا محجة.
حكمــــــة
لماذا لا نعرض الإسلام عبر الدروس، والخطبة، والكتاب، والشريط، والقناة، وعبر الخلق القويم، والسيرة العطرة، والمواهب الجليلة، ونفع الناس، وتقديم المساعدات لهم، ومد يد العون لهم؟ لا عرضه عبر فوهات البناديق، وأزير الرصاص، ورائحة البارود، فإن هذا هو التنفير من دين الله، وهذه هي الإساءة للإسلام، وتشويه صورته، والصد عن سبيل الله ـ عز وجل ـ، لقد دعا الرسول عليه الصلاة والسلام جاره اليهودي إلي الدين بأخلاقه عليه الصلاة والسلام، فلما أسلم اليهودي، ثم مات، قال عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار). وكان لعبد الله بن المبارك الإمام العادل، المجاهد الزاهد حار يهودي، فكان إذا اشتري لأهل بيته طعاماً بدأ باليهودي فأعطاه، وإذا لبس أطفاله بدأ باليهودي فلبسهم، فأتي اليهودي إلي ابن المبارك، وقال: والله، إن ديناً أخرجك لهو دني حق، اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
حكمــــــة
ماذا نريد؟ نريد جيلاً ربانياً مؤمناً بالله، يعبد الله في المسجد،والجامعة، والعيادة، والثكنة العسكرية، والمعمل، والمصنع، ولا نريد أن نربي في بلادنا ملحداً زنديقاً، يحارب الله، ويستهزي بالدين، ويغمز الصالحين، ويصد عن منهج الله، ولا نريد بالمقابل أن نربي غالياً متنطعاً منفراً، مكفراً، يحمل السلاح في بلاد الإسلام، ويهدد أمن المؤمنين، ويزعزع الثقة فيما بينهم، ويورث الفتنة، ويزرع الشر في المجتمع، قال سبحانه:)أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة)(النساء: الآية77) وقال سبحانه: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (لأعراف: الآية56).
حكمــــــة
نريد أن نعيد الجاليات الأجنبية مسلمين، ولا نعيدهم جنائز محمولين، ندلهم علي الله وكتابه ورسوله صلي الله عليه وسلم م ولا نكرههم في ديننا وقيمنا، بل نحبب لهم الطاعة، ونقدم لهم الرسالة في أحسن صورها، وفي أبهى حللها، رسالة، إسلامية، طيبة، نقية، سهلة، ميسرة، تخاطب العقل، توافق المنطق، ولها دليل وبرهان، وليس بالتعسف، وركوب الصعب، ب واستخدام العنف، والغلظة في الخطاب، واستخدام القوة، وفرض السيطرة، وحمل البندقية: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس: من الآية99) (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:22)،)لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين)(البقرة: الآية256). إن الوافدين إلي بلادنا أما يكونوا مستأمنين، أو معاهدين، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)،
حكمــــــة
لسنا معصومين: لسنا مجتمعنا ملائكياً، لا حكاماً ولا محكومين، ولسنا معصومين، لا الراعي ولا الرعية، ولكننا مسلمون، عندنا أخطاء نعم، ولدينا تقصير أجل، ومعنا ذنوب بالطبع، ولكننا عند النعم نشكر، وعند المصائب نصبر، وعند الذنوب نستغفر، فنحن مسلمون، لا نريد غير الإسلام ديناً، نقدم دماءنا، وأموالنا، وأرواحنا، فداء لديننا، وهو أعز مطالبنا، وغايتنا، نصره، ونشره في الأرض، والتمكين له.
حكمــــــة
حينما نفقد الأمن: إذا ذهب أمننا تعطلت المدارس، وأغلقت الجامعات، ودمرت المصانع، وكسدت السواق، وأقفلت المستشفيات، وصرنا خائفين لا نستطيع الخروج من بيوتنا، والصلاة في مصلياتنا، ولا ممارسة أعمالنا، ولا إقامة مشاريعنا، والليل مخيفاً، والظلام مرعباً، والفرقة حاصلة، والشتات وارداً. لماذا لا نوحد الخطاب في الدروس والمحاضرات، والندوات، والتلفزيون، والإذاعة، والصحف، والمنبر؟ لماذا لا نجعل كلمتنا واحدة، خطاباً راشداً واعياً وسطاً، حطاباً سهلاً ليناً وقوراً؟ قال سبحانه وتعالي: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33)، وقال عليه الصلاة والسلام : (الكلمة الطيبة صدقة).
حكمــــــة
لا للصوت النشاز!: لماذا يخترقنا صوتات نشزان غاويان، صوت يسب الدين وأهله، ويحتقر المصحف والرسالة والصالحين: (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة:14،15). ويقول سبحانه عن هؤلاء الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات: (ِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (التوبة: الآية79). وصوت في الطرف الآخر، يغلو في الدين، ويلوي أعناق النصوص، ويفسر الشريعة علي هواه دون علم، ولا فقه، ولا ورع، قال سبحانه:) لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)(النساء: 171). وقال صلي الله عليه وسلم: (إياكم والغلو). فنحن أمة واحدة لا نقر ولا نقبل إلا أمة إسلامية واحدة، ومجتمعنا إسلامياً واحداً، لننادي بملء أفواهنا حكاماً ومحكومين: (رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلي الله عليه وسلم رسولاً).
حكمــــــة
السفيه قد يغرق السفينة: علينا أن نأخذ علي يد السفيه؛ لأن السفيه قد يغرق السفينة، وقد وصف صلي الله عليه وسلم المجتمع المسلم بالسفينة، (فمثل من يسكت عن السفيه؛ كقوم علي السفينة، وقوم في أسفل السفينة، فكان أناس يأخذون الماء يريدون خرق السفينة لأخذ الماء، فيمرون عليهم قال: فإذا سكتوا عنهم غرقوا وغرقوا جميعاً، وإذا نهوهم وأخذوا علي أيديهم نجوا جميعاً) أو كما قال صلي الله عليه وسلم.
حكمــــــة
السفيه في مجتمعنا علي قسمين: ـ سفيه يحارب الدين: فهو منخلع من الديانة، سيئ المعتقد، خبيث النفس نذل الطباع، رذيل النهج، ينال القداسة، ويغمز الرسالة، ولا يحترم القبلة، ولا يعرف للدين قيمته وحرمته، همه أن يكون طابوراً خامساً، وسوسة تنخر في جسم الأمة، وغدة مليئة بالسم، ووباء قاتلاً في جسم هذا المجتمع الطاهر البريء، فهو مريض القلب، سيئ الإرادة، منحرف الطباع، فهذا سفيه يؤخذ علي يديه. ـ ويقابله سفيه يغلو في الدين: ركب من هواه الاعوجاج، واتخذ الغلو سفينة، فألغي آراء العلماء، وأخذ بالرأي المنفرد الشاذ، وجعل الشدة والعنف والقسوة سبيلا له، وهانت عليه الدماء، وقلب النصوص ظهراَ لبطن، وفهم من الدليل فهماً معوجاً،
حكمــــــة
قال عمر بن الخطاب في الطائفتين: قصم ظهري رجلان: (فاجر متهتك، وجاهل متنسك)، فالفاجر المتهتك لا هم له إلا النيل من هذا الدين الذي أكرمنا الله به. وجاهل متنسك: تدين ولكنه جاهل بالعلم، لم يحقق المسائل، ولم يطلب الدليل علي يد المشايخ، ولم يثن ركبه عند العلماء، ولم يغض في معرفة الحق، ولم يرسخ في فهم الدليل، بل ركب الصعب والذلول في تحقيق أغراضه، فكلما فهم من الدليل شيئاً أصدره، فهو المكفر، والمبدع، والمفسق، والمضلل، وهو الناجي وحده، والسالم من الخطأ، يقول صلي الله عليه وسلم: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم) رواه مسلم، والمعني: لإعجابه براية وانفراده بالشاذ من أحكامه، فحذار من هذا الفاجر المتهتك، ويصير خنجراً مسموماً في ظهر الأمة، وحذار أيضاً من الجاهل المتنسك، الذي يشد في الرأي، ويلغي الدليل، ويخالف العلماء.
حكمــــــة
يا أيها المربون: إن علينا واجب التربية لأبنائنا بحيث نرعاهم الرعاية الحقة؛ لقوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)(التحريم: الآية6)وقوله صلي الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فالتربية والتعليم أصلان عظيمان في تنشئة الجيل، قال تعالي:) وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)(آل عمران: الآية79) وإنما يخشى علي أبنائنا من مسلكين خطرين: مسلك الانحراف والفجور والإعراض عن طاعة الله وتعطيل أوامره وارتكاب نواهيه، ومسلك الغلو والخروج علي جماعة المسلمين، ونبذ إجماعهم، وشق صفهم، وتفريق كلمتهم، وإنما أرادنا سبحانه أن نكون إخوة متحابين صالحين، قال سبحانه: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)(لأعراف: الآية56) وقال سبحانه:)وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105)