5. فوائد من كتاب روضة العقلاء
حكمــــــة
قال الفضيل بن عياض: إذا خالطت فخالط حسن الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء. ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قارىء سيء الخلق، إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله، وخف على الناس وأحبوه، وإن العابد إذا كان سيء الخلق، ثقل على الناس ومقتوه.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: حسن الخلق بذل اكتساب المحبة، كما أن سوء الخلق بذر استجلاب البغضة، ومن حسن خلقه صان عرضه، ومن ساء خلقه هتك عرضه ؛ لأن سوء الخلق يورث الضغائن، والضغائن إذا تمكنت في القلوب أورثت العداوة، والعداوة إذا ظهرت من غير صاحب الدين أهوت بصاحبها إلى النار، إلا أن يتداركه الله بفضل منه وعفو.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: المتحبب إلى الناس أسهل ما يكون وجها، وأظهر ما يكون بشرا، وأخصر ما يكون أمرا، وأرفق ما يكون نهيا، وأحسن ما يكون خلقا، وألين ما يكون كنفا، وأوسع ما يكون يدا، وأدفع ما يكون أذى، وأعظم ما يكون احتمالا، فإذا كان المرء بهذا النعت لا يحزن من يحبه، ولا يفرح من يحسده، لأن من جعل رضاه تبعا لرضا الناس، وعاشرهم من حيث هم، استحق الكمال بالسؤدد.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الاستثقال من الناس يكون سببه شيئين: أحدهما: مقارفة المرء ما نهى الله عنه من المآثم؛ لأن من تعدى حرمات الله أبغضه الله، ومن أبغضه الله أبغضته الملائكة، ثم يوضع له البغض في الأرض، فلا يكاد يراه أحد إلا استثقله وأبغضه. والسبب الآخر: هو استعمال المرء من الخصال ما يكره الناس منه، فإذا كان كذلك استحق الاستثقال منهم.
حكمــــــة
من أعظم ما يتوسل به إلى الناس، ويستجلب به محبتهم: البذل لهم مما يملك المرء من حطام هذه الدنيا، واحتماله عنهم ما يكون منهم من الأذى، فلو أن المرء صحبه طائفتان: إحداهما: تحبه، والأخرى: تبغضه. فأحسن إلى التي تبغضه، وأساء إلى التي تحبه، ثم أصابته نكبة فاحتاج إليهما، لكان أسرعهما إلى خذلانه وأبعدهما عن نصرته الطائفة التي كانت تحبه، وأسرعهما إلى نصرته وأبعدهما عن خذلانه الطائفة التي كانت تبغضه، لأن الكلب إذا شبع قوي، وإذا قوي أمل، وإذا أمل تبع المأمول، وإذا جاع ضعف، وإذا ضعف أيس، وإذا أيس ولى عن المتبوع فمن عدم المال فليبسط وجهه للناس. فإن ذلك يقوم مقام بذل المعروف، إذ هو أحد طرفيه.
حكمــــــة
الفصل بين المداراة والمداهنة: هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلق المرء بخلق شانه بعض ما كره الله منه في تخلقه، فهذا هو المداهنة لا المداراة، فالعاقل يجتنب المداهنة، لأن عاقبتها تصير إلى قل ويلزم المداراة؛ لأنها تدعو إلى صلاح أحواله، ومن لم يدار الناس ملوه.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن يداري الزمان مداراة الرجل السابح في الماء الجاري، ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه، ولم تصف له مودتهم ؛ لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على ما هم عليه إلا أن يكون مأثما، فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة. والبشر قد ركب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة، فكما يشق عليك ترك ما جبلت عليه، فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله، فليس إلى صفو ودادهم سبيل، إلا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاء عن مخالفتهم في الأوقات.
5. فوائد من كتاب روضة العقلاء
قال ابنُ حِبَّانَ: (من لم يعاشِرِ النَّاسَ على لزومِ الإغضاءِ عمَّا يأتون من المكروهِ، وتَرْكِ التَّوقُّعِ لِما يأتون من المحبوبِ؛ كان إلى تكديرِ عيشِه أقرَبَ منه إلى صفائِه، وإلى أن يدفَعَه الوقتُ إلى العداوةِ والبغضاءِ أقرَبَ منه إلى أن ينالَ منهم الوِدادَ وتَركَ الشَّحناءِ) ومن لم يدار صديق السوء كما يداري صديق الصدق، لم يكن بحازم.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل إذا دفعه الوقت إلى معاشرة من يمزح بصداقته، أو صداقة من يثق بأخوته، فرأى من أحدهما زلة فرفضه لزلته، بقي وحيدا لا يجد من يعاشر، فريدا لا يجد من يخادن، بل يغضي على الأخ الصادق زلاته، ولا يناقش الصديق السيء على عثراته؛ لأن المناقشة تلزمه في تصحيح أصل الوداد، أكثر مما تلزمه في فروعه.
حكمــــــة
المزاح على ضربين: فمزاح محمود، ومزاح مذموم. فأما المزاح المحمود: فهو الذي لا يشوبه ما كره الله جل وعلا، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم. وأما المزاح المذموم: فهو الذي يشوبه ما كره الله - جلا وعلا - فمن المزاح المذموم تثور العداوة، ويذهب البهاء، ويقطع الصداقة، ويجتريء الدنيء عليه، ويحقر الشريف به.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل لا يستعبد نفسه لأمثاله، بالقيام في رعاية حقوقهم، والتصبر على ورود الأذى منهم، ما وجد إلى ترك الدخول فيه سبيلا؛ لأنه إذا حسم عن نفسه باب الاختلاط بالعالم، والمخالطة بهم، تمكن من صفاء القلب، وعدم تكدر الأوقات في الطاعات. ولقد استعمل العزلة جماعة من المتقدمين مع العام والخاص معا.
حكمــــــة
السبب الذي يوجب الاعتزال من العالم كافة: فهو ما عرفتهم به من وجود دفن الخير، ونشر الشر، يدفنون الحسنة، ويظهرون السيئة. فإن كان المرء عالما بدعوه، وإن كان جاهلا عيروه، وإن كان فوقهم حسدوه، وإن كان دونهم حقروه، وإن نطق قالوا: مكثار، وإن سكت قالوا: غبي، وإن قدر قالوا: مقتر، وإن سمح قالوا: مبذر. فالنادم في العواقب، المحطوط عن المراتب، من اغتر بقوم هذا نعتهم، وغره ناس هذه صفتهم.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل يعلم أن البشر مجبولون على أخلاق متباينة، وشيم مختلفة، فكل واحد يحب اتباع مساعدته، وترك مخالفيه، فمتى رام المرء من أخيه ضد ما وطن نفسه عليه قلاه، وإذا تبين له منه بخلاف ما أضمر عليه قلبه مله، ومن الملال يكون الاستثقال، ومن الاستثقال يكون البغض، ومن البغض تهيج العداوة، فالاشتغال بمن هذا نعته للعاقل حمق.
حكمــــــة
العاقل لا يواخي إلا من خالفه على الهوى، وأعانه على الدواء، ووافق سره علانيته، لأن خير الإخوان من لم يناقش، كما أن خير الثناء ما كان على أفواه الأخيار. والمستوخم لا يألف، كما أن غير الثقة لا يود، فمتى ما آخى المرء من لم يصافه الوفاء، يجب عليه الاستظهار بمن يسليه عنه؛ لأن التودد ممن لا يود يعد ملقا، ولا يفوت الإنسان في الأخوة أحد رجلين: إما أريب قصر في حقوقه، فاغتاله بمكر، وإما جاهل لم يصافه، فيؤذيه بسوء معاشرته. وصيانة الأخوة ليست إلا في الاستغناء عن الإخوان.
حكمــــــة
من أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها: مشي القصد، وخفض الصوت، وقلة الإعجاب، ولزوم التواضع، وترك الخلاف، ولا يجب للمرء أن يكثر على إخوانه المؤونات فيبرمهم ؛ لأن الرضيع إذا كثر مصه، ربما ضجرت أمه فتلقيه، ولا ينبغي لمن قدر أن يمنع أخاه شيئا يحتاج إليه، ليجبر به مصيبته، أو يفرج به كربته، والعاقل لا يؤاخي لئيما؛ لأن اللئيم كالحية الصماء لا يوجد عندها إلا اللدغ والسم، ولا يواصل اللئيم ولا يؤاخي إلا عن رغبة أو رهبة، والكريم يود الكريم على لقية واحدة، ولو لم يلتقيا بعدها أبدا.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل يتفقد ترك الجفاء مع الإخوان، ويراعي محوها إن بدت منه، ولا يجب أن يستصغر الجفوة الصغيرة، لأن من استصغر الصغير أوشك أن يجمع إليه صغيرا، فإذا الصغير كبير، بل يبلغ مجهوده في محوها؛ لأنه لا خير في الصديق إلا مع الوفاء، كما لا خير في الفقه إلا مع الورع، وإن من أخرق الخرق التماس المرء الإخوان بغير وفاء، وطلب الأجر بالرياء، ولا شيء أضيع من مودة تمنح من لا وفاء له، وصنيعة تصطنع عند من لا يشكرها.
حكمــــــة
رأس المودة: الاسترسال، وآفتها: الملالة. ومن أضاع تعاهد الود من إخوانه، حرم ثمرة إخائهم، وآيس الإخوان من نفسه. ومن ترك الإخوان مخافة تعاهد الود يوشك أن يبقى بغير أخ، كما أن من ترك نزع الماء إشفاقا على رشائه يوشك أن يموت عطشا. والعاقل يستخبر أمور إخوانه قبل أن يؤاخيهم، ومن أصح الخبرة للمرء وجود حالته بعد هيجان الغضب.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: من لم ينصفك عند غضبه، لم يودك أيامه، وليس الصديق كالمرأة يطلقها المرء إذا شاء، والجارية يبيعها متى أحب، لكنه عرضه ومروءته؛ فالتثبت والارتياد أولى به من التهاجر والانقطاع، ومن غاب عنه أخوه، فلا يغيبه عنه عن ما يجب له عليه، وليكثر منهم عدة للشدائد؛ لأن الشعر مع دقته إذا جمع عمل منه الحبل الغليظ الذي يقهر الفيل المغتلم، ولا يصلح أن يكون رفيقا من لم يزدرد ريقا.
حكمــــــة
خير الإخوان من إذا عظمته صانك، ولا يعيب أخاه على الزلة؛ فإنه شريكه في الطبيعة، بل يصفح، ويتنكب محاسدة الإخوان؛ لأن الحسد للصديق من سقم المودة، فالجود بالمودة أعظم البذل؛ لأنه لا يظهر ود مستقيم من قلب سقيم، وليحذر المرء في إخائه ألم التثقيل على أخيه؛ لأن من ثقل على صديقه، خف على عدوه، وإن من أعظم المؤنة على تسلية الهم الرضا بالقضاء، ولقي الإخوان.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: يجب على العاقل أن يعلم أن من يوده لم يحسده، ومن لم يحسده لم يعاده، فيكون للعدو المكاتم أشد حذرا منه للعدو المبارز. ومن وجد عنده مغترا، وكان ممن لا يعفو، ثم لم ينتصف منه؛ أصابته الندامة، والرأي إذا كان من الأريب كان أبلغ في هلاك العدو من عدد الكثير من الجنود. وترك العداوة على الإخوان كلها، أحوط للعاقل من الخوض في سلوكها.
حكمــــــة
إن العاقل لا يرحم من يخافه، ولا يترك إحصاء معائب العدو، ويتفقد عثراتهم، مع السكوت عن ثلبه، ولا يستضعف عدوا بحيلة؛ فإن من استضعف الأعداء اغتر، ومن اغتر لم يسلم، اللهم إلا أن يكون العدو ذليلا، فإذا كان كذلك عطف عليه بالإغضاء؛ لأن العدو الذليل أهل أن يرحم، كما أن المستجير الخائف أهل أن يؤمن، والمعاداة للعاقل خير من المصافاة للجاهل.
حكمــــــة
إن العاقل لا يعادي ما وجد إلى المحبة سبيلا، ولا يعادي من ليس له منه بد؛ لأن العدو الحنق لا يطاق؛ فإنه ليس له حيلة إلا الهرب منه، وحيلة السبيل إلى القدرة على العدو وجود الغرة فيه، وأن يري العدو أنه لا يتخذه عدوا، ثم يصادق أصدقاءه، فيدخل بينه وبينهم. وأحزم الأمور في أمر العدو: أن لا يذكره بسوء إلا عند الفرصة، وإن من أيسر الظفر بالأعداء اشتغال بعضهم ببعض، وإن مما يستعين به المرء على عدوه: مجانبة من يعاشره، ويصحب عدوه.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل لا يأمن عدوه على كل حال، إن كان بعيدا لم يأمن مغادرته، وإن كان قريبا لم يأمن مواثبته، والعاقل لا يخاطر بنفسه في الانتقام من عدوه؛ فإنه إن هلك في قصده قيل: أضاع نفسه، وإن ظفر قيل: القضاء فعله. فالمعاداة بعد الخلة فاحشة عظيمة، لا يليق بالعاقل ارتكابها، فإن دفعه الوقت إلى ركوبها ترك للصلح موضعا.
حكمــــــة
لا يجب على العاقل - إذا عادى - أن يغتر بإحسانه إلى عدوه، وما يرى من سكونه إليه؛ فإن الماء وإن أطيل إسخانه، ليس بمانعه من ذلك من إطفاء النار إذا صب عليها، ولا يجب أن يعظم عليه حمله عدوه على عاتقه إذا وثق بحسن عاقبته؛ لأن اللين والمكر أنكى في العدو من الفظاظة والمكابرة. ألا ترى النار مع حرها لا تحرق من الشجر إلا ما ظهر، والماء مع برده ولينه يستأصلها، ومجانبة المرء مع عدوه في العشرة، أحد الأعوان عليه عند الفرصة.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل لا يغيره إلزاق العدو به العيوب والقبائح ؛ لأن ذاك لا يكون له وقع، ولا لكثرته ثبات، ولا يلتذ المرء ما دام عدوه باقيا، كما لا يجد السقيم طعم النور والطعام حتى يبرأ. وأشد مكيدة العدو، ما يعمل فيك من سبيل مأمنك، والغالب بالشر مغلوب. وإن من أعظم الأعوان على الأعداء، تعاهد المرء ولده وعياله وخدمه، وتوقيه إياهم من المعائب والزلات.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل يلزم صحبة الأخيار، ويفارق صحبة الأشرار؛ لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها. وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم. فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريبا. كما أن صحبة الأخيار تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل لا يصاحب الأشرار؛ لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار، تعقب الضغائن، ولا يستقيم وده، ولا يفي بعهده، وإن من سعادة المرء خصال أربع: أن تكون زوجته موافقة، وولده أبرارا، وإخوانه صالحين، وأن يكون رزقه في بلده. وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا تكون مجالسة الكلب خير من عشرته، ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم، كما أن من يدخل مدخل السوء يتهم.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل يجتنب مماشاة المريب في نفسه، ويفارق صحبة المتهم في دينه؛ لأن من صحب قوما عرف بهم، ومن عاشر امرأ نسب إليه، والرجل لا يصاحب إلا مثله أو شكله، فإذا لم يجد المرء بدا من صحبة الناس، تحرى صحبة من زانه إذا صحبه، ولم يشنه إذا عرف به، وإن رأى منه حسنة عدها، وإن رأى منه سيئة سترها، وإن سكت عنه ابتدأه، وإن سأله أعطاه.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: إن من الناس من إذا رآه المرء يعجب به، فإذا ازداد به علما ازداد به عجبا، ومنهم من يبغضه حين يراه، ثم لا يزداد به علما إلا ازداد له مقتا، فاتفاقهم يكون باتفاق الروحين قديما، وافتراقهم يكون بافتراقهما، فإذا ائتلفا ثم افترقا فراق حياة من غير بغض حادث، أو فراق ممات، فهناك الموت الفظيع، والأسف الوجيع، ولا يكون موقف أطول غمة، وأظهر حسرة، وأدوم كآبة، وأشد تأسفا، وأكثر تلهفا، من موقف الفراق بين المتواخيين، وما ذاق ذائق طعما أمر من فراق الخلين، وانصرام القرينين.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: السبب المؤدي إلى إظهار الجزع عند فراق المتواخيين: هو ترك الرضا لما يوجب القضاء، ثم ورود الشيء على مضمر الحشا، بضد ما انطوى عليه قديما؛ فمن وطن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضد الجميل عليها من صحبته، وتأمل ورود المكروه منه في غفلته، لا يظهر الجزع عند الفراق، ولا يشكو الأسف والاحتراق، إلا بمقدار ما يوجب العلم إظهاره. ولقد ولع بجماعة الفراق حتى إنهم خرجوا إلى ثلب الطيور، ومدح الدمن، وتأولوا لعن نوح عليه السلام على الغراب.