3. فوائد من كتاب روضة العقلاء
حكمــــــة
كتب الربيع بن خثيم وصية: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الربيع بن خثيم، وأشهد عليه، وكفى بالله شهيدا، وجازيا لعباده الصالحين مثيبا: إني رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وأن نعبد الله، ومن أطاعني في العابدين، ونحمده في الحامدين، وننصح لجماعة المسلمين. والله المستعان وعليه التكلان.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: لا يحل التباغض ولا التنافس ولا التحاسد ولا التدابر بين المسلمين. والواجب عليهم أن يكونوا إخوانا كما أمرهم الله ورسوله، فإذا تألم واحد منهم تألم الآخر بتألمه، وإذا فرح فرح الآخر بفرحه، بنفي الغش والدغل، مع استسلام الأنفس لله - جل وعلا -، مع الرضا بما يوجب القضاء في الأحكام كلها، ولا يجب الهجران بين المسلمين عند وجود زلة من أحدهما، بل يجب عليهما صرفها إلى الإحسان والعطف عليه بالإشفاق، وترك الهجران.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله -: لا يجب للمرء أن يدخل في جملة العوام والهمج، بإحداث الود لإخوانه، وتكديره لهم بالخروج إلى السبب الذي يؤدي إلى الهجران الذي نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عنه بينهم، بل يقصد قصد الإغضاء عن ورود الزلات، ويتحرى ترك المناقشة على الهفوات، ولا سيما إذا قيل في أحدهم الشيء الذي يحتمل أن يكون حقا وباطلا معا، فإن الناس ليس يخلو وصلهم من رشق أسهم العذال فيه.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله -: السبب المؤدي إلى الهجران بين المسلمين ثلاثة أشياء: إما وجود الزلة من أخيه - ولا محالة يزل - فلا يغضي عنها، ولا يطلب لها ضدها. وإبلاغ واش يقدح فيه، ومشي عاذل بثلب له فيقبله ولا يطلب لتكذيبه سببا ولا لأخيه عذرا، وورود ملل به يدخل على أحدهما، فإن الملالة تورث القطع، ولا يكون لملول صديق.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام؛ فمن فعل ذلك كان مرتكبا لنهي النبي، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، والسابق بالسلام يكون السابق إلى الجنة. ومن هجر أخاه سنة كان كسفك دمه، ومن مات وهو مهاجر أخاه دخل النار، إن لم يتفضل الله - جل وعلا - عليه بعفو منه ورحمة. وغاية ما أبيح من الهجران بين المسلمين ثلاثة أيام.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: إن من نفاسة اسم الحلم وارتفاع قدره، أن الله - جل وعلا - تسمى به، ثم لم يسم بالحلم في كتابه أحدا إلا إبراهيم خليله، وإسحاق ذبيحه حيث قال: إن إبراهيم لأواه حليم [التوبة: 114]، وقال: فبشرناه بغلام حليم[الصافات: 101]. ولو لم يكن في الحلم خصلة تحمد إلا ترك اكتساب المعاصي، والدخول في المواضع الدنسة، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارق الحلم، ما وجد إلى استعماله سبيلا. والحلم: سجية، أو تجربة، أو هما.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل، إذا غضب واحتد، أن يذكر كثرة حلم الله عنه، مع تواتر انتهاكه محارمه، وتعديه حرماته، ثم يحلم، ولا يخرجه غيظه إلى الدخول في أسباب المعاصي. والناس على ضروب ثلاثة: رجل أعز منك، ورجل أنت أعز منه، ورجل ساواك في العز. فالتجاهل على من أنت أعز منه لؤم، وعلى من هو أعز منك حيف، وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين، ونقار كنقار الديكين، ولا يفترقان إلا عن الخدش والعقر والهجر، ولا يكاد يوجد التجاهل وترك التحالم إلا من سفيهين.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: ما ضم شيء إلى شيء هو أحسن من حلم إلى علم، وما عدم شيء في شيء هو أقبح من عدم الحلم في العالم، ولو كان للحلم أبوان لكان أحدهما: العقل، والآخر: الصبر، وربما يدفع العاقل في الوقت بعد الوقت إلى من لا يرضيه عنه الحلم، ولا يقنعه عنه الصفح، فحينئذ يحتاج إلى سفيه ينتصر له؛ لأن ترك الحلم في بعض الأوقات من الحلم.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الحلم على ضربين: أحدهما: ما يرد على الخلق من قضاء الله، من المصائب التي امتحن الله بها عباده، فيصبر عليها ويحتسب ورودها، ويحلم عن الخروج إلى ما لا يليق به من الجهل. والآخر: ما يرد على النفس بضد ما تشتهيه فيتحمل ذلك، فإن من تعود الحلم ليس بمحتاج إلى التصبر، لاستواء العدم والوجود عنده.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل لزوم الرفق في الأمور كلها، وترك العجلة والخفة فيها، إذ الله تعالى يحب الرفق في الأمور كلها، ومن منع الرفق منع الخير؛ كما أن من أعطي الرفق أعطي الخير، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء، على حسب الذي يحب، إلا بمقارنة الرفق ومفارقة العجلة.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العاقل يلزم الرفق في الأوقات كلها، والاعتدال في الحالات؛ لأن الزيادة على المقدار في المبتغى عيب، كما أن النقصان فيما يجب من المطلب عجز، وما أصلحه الرفق لم يصلحه العنف، ولا دليل أمهر من رفق، كما لا ظهير أوثق من العقل، ومن الرفق يكون الاحتراز، وفي الاحتراز ترجى السلامة. وفي ترك الرفق يكون الخرق، وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الرافق لا يكاد يسبق، كما أن العجل لا يكاد يلحق، وكما أن من سكت لا يكاد يندم، كذلك من نطق لا يكاد يسلم، والعجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يسأل، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعد ما يحمد، ويعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكني العجلة: أم الندامات.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: العجلة موكل بها الندم، وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة، واستفاد مذمة؛ لأن الزلل مع العجل، والإقدام على العمل بعد التأني فيه، أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه، ولا يكون العجول محمودا أبدا، والعاقل يعلم أن العجز في الأمور يقوم في النقص مقام الإفراط في السعي فيتجنبهما معا، ويجعل لنفسه مسلكا بينهما.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: سبب النجاح ترك التواني، ودواعي الحرمان الكسل؛ لأن الكسل عدو المروءة، وعذاب على المرء، ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة، فكما أن الأناة بعد الفكرة أعظم الخطأ، كذلك العجلة قبل الإمكان نفس الخطأ، والرشيد من رشد عن العجلة، والخائب من خاب عن الأناة، والعجل مخطيء أبدا، كما أن المتثبت مصيب أبدا.
حكمــــــة
كتب عمرو بن العاص رضى الله عنه إلى معاويةرضى الله عنه يعاتبه في التأني: أما بعد: فإن التفهم في الخير زيادة ورشد، وإنه من لا ينفعه الرفق يضره الخرق، ومن لا تنفعه التجارب لا يدرك المعاني - أو قال: المعالي -، ولا يبلغ الرجل مبلغ الرأي، حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يدرك ذلك إلا بقوة الحلم.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الفصاحة أحسن لباس يلبسه الرجل، وأحسن إزار يتزر به العاقل، والأدب صاحب في الغربة، ومؤنس في القلة، ورفعة في المجالس، وزين في المحافل، وزيادة في العقل، ودليل على المروءة. ومن استفاد الأدب في حداثته انتفع به في كبره؛ لأن من غرس فسيلا يوشك أن يأكل رطبها، وما يستوي عند أولي النهى، ولا يكون سيان عند ذوي الحجى، رجلان: أحدهما: يلحن، والآخر: لا يلحن.
حكمــــــة
عن سلم بن قتيبة قال: كنت عند ابن هبيرة، فجرى الحديث، حتى ذكروا العربية، فقال: والله ما استوى رجلان حسبهما واحد، ومروءتهما واحدة، أحدهما: يلحن، والآخر: لا يلحن، إلا أن أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن، قال: فقلت: أصلح الله الأمير! هذا أفضل في الدنيا، لفضل فصاحته وعربيته، أرأيت الآخرة، وما باله فضل فيها؟! قال: إنه يقرأ كتاب الله - جل وعلا - على ما أنزل الله - جل وعلا -، والذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه، ويخرج منه ما هو فيه. قال: قلت: صدق الأمير وبر!.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: لا زينة أحسن من زينة الحسب، كما أن من أكمل الجمال استعمال الأدب، ولا حسب لمن لا أدب له، ومن كان من أهل الأدب ممن لا حسب له، يبلغ به أدبه مراتب أهل الأحساب؛ لأن حسن الأدب خلف من الحسب. وليست الفصاحة إلا إصابة في المعنى والقصد، ولا البلاغة إلا تصحيح الأقسام واختيار الكلام. ومن أحمد الفصاحة: الاقتدار عند البداهة، والغزارة عند الإطالة. وأحسن البلاغة: وضوح الدلالة، وحسن الإشارة.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله -: إن من أحسن ما ينتفع المرء به في عمره وبعد الممات: تقوى الله، والعمل الصالح. والواجب على العاقل أن يعمل في شبابه فيما يقيم به أوده، كالشيء الذي لا يفارقه أبدا، وفيما يصلح به دينه، كالشيء الذي لا يجده غدا، وليكن تعاهده لماله ما يصلح به معاشه، ويصون به نفسه، وفي دينه ما يقدم به لآخرته، ويرضي به خالقه، والفاقة خير من الغنى بالمال الحرام، والغني الذي لا مروءة له أهون من الكلب، وإن هو طوق وخلخل.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله -: إن من أسعد الناس من كان في غناه عفيفا، وفي مسكنته قنعا؛ لأن من نزل به الفقر لم يجد بدا من ترك الحياء، والفقر يذهب العقل والمروءة، ويذهب العلم والأدب، وكاد الفقر أن يكون كفرا، ومن عرف بالفقر صار معدنا للتهمة، ومجمعا للبلايا، اللهم إلا أن يرزق المرء قلبا تقيا نقيا قنعا، يرى الثواب المدخر من الضجر الشديد، فحينئذ لا يبالي بالعالم بأسرهم والدنيا وما فيها، والفقر داعية إلى المهانة، كما أن الغنى داعية إلى المهابة.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: ليس خلة هي للغني مدح، إلا وهي للفقير عيب؛ فإن كان الفقير حليما قيل: بليد، وإن كان عاقلا قيل: مكار، وإن كان بليغا قيل: مهذار، وإن كان ذكيا قيل: حديد، وإن كان صموتا قيل: عيي، وإن كان متأنيا قيل: جبان، وإن كان حازما قيل: جريء، وإن كان جوادا قيل: مسرف، وإن كان مقدرا قيل: ممسك. وشر المال ما اكتسب من حيث لا يحل، وأنفق فيما لا يجمل، ووجوده وعدمه ليس بتجلد، ولا بكثرة حيلة، ولكنه أقسام ومواهب من الخلاق العليم.
حكمــــــة
قال أبو قيس ابن معدي كرب، وكان له أحد عشر ذكرا: يا بني، اطلبوا هذا المال أحسن الطلب، واصرفوه في أحسن مذهب، صلوا به الأرحام، واصطنعوا به الأقوام، واجعلوه جنة لأعراضكم تحسن في الناس قالتكم، فإن جمعه كمال الأدب، وبذله كمال المروءة، كما إنه ليسود غير السيد، ويقوي غير الأيد، وحتى إنه ليكون في أنفس الناس نبيها، وفي أعينهم مهيبا، ومن جمع مالا فلم يصن عرضه، ولم يعط سائلا، بحث الناس عن أصله؛ فإن كان مدخولا هتكوه، وإن كان صحيحا نسبوه: إما إلى عرض دنية، وإما إلى لوص لئيم حتى يهجنوه.
حكمــــــة
عن علقمة قال: سمع رجل صوتا في غمام: اذهبي إلى أرض فلان، فاسقه. قال: فقال الرجل: لآتين فلانا هذا، فلأنظرن ما يعمل في أرضه، فأتاه وقد مطر فيها، وهو قائم يفتح الأواعي، فسلم عليه، وقال: يا عبد الله، أخبرني: ما تعمل في أرضك هذه؟ قال: أنظر إلى ما أخرج الله منها، فأرد فيها ثلثه، وأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثه. قال علقمة: فكان ابن مسعود، يبعثني إلى أرض له مرارا، أن أفعل فيها مثل ذلك.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: إن شر المال ما لا يخرج منه حقوقه، وإن شرا منه ما أخذ من غير حله، ومنع من حقه، وأنفق في غير حله، واستثمار المال قوام المعاش، ولا بد للمرء من إصلاح ماله، وما ارتفع أحد قط عن إصلاح ماله: صالحا كان، أو طالحا. ولا يجب للعاقل أن يعتمد على مجاورة نعم الله عنده، فلا يقضي منها حقوقها؛ لأن من أساء مجاورة نعم الله أساءت مجاورته، وتحولت عنه إلى غيره.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله -: ما رأيت أحدا أخسر صفقة، ولا أظهر حسرة، ولا أخيب قصدا، ولا أقل رشدا، ولا أحمق شعارا، ولا أدنس دثارا، من المفتخر بالآباء الكرام وأخلاقهم الجسام، مع تعريه عن سلوك أمثالهم، وقصد أشباههم، متوهما أنهم ارتفعوا بمن قبلهم، وسادوا بمن تقدمهم، وهيهات! أنى يسود المرء على الحقيقة إلا بنفسه؟ وأنى ينبل في الدارين إلا بكده؟.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن يقيم مروءته بما قدر عليه، ولا سبيل إلى إقامة مروءته إلا باليسار من المال، فمن رزق ذلك، فضن بإنفاقه في إقامة مروءته، فهو الذي خسر الدنيا والآخرة، ولا آمن أن تفجأه المنية، فتسلبه عما ملك كريها، وتودعه قبره وحيدا. ثم يرث المال بعده من يأكله ولا يحمده، وينفقه ولا يشكره، فأي ندامة تشبه هذه؟ وأي حسرة تزيد عليها؟.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: الواجب على العاقل إذا أمكنه شيء من حطام هذه الدنيا الفانية، وعلم زوالها عنه، وانقلابها إلى غيره، فإنه لا ينفعه في الآخرة، إلا ما قدم من الأعمال الصالحة: أو يبلغ مجهوده في أداء الحقوق في ماله، والقيام بالواجب في أسبابه، مبتغيا بذلك الثواب في العقبى، والذكر الجميل في الدنيا، إذ السخاء محبة ومحمدة، كما أن البخل مذمة ومبغضة، ولا خير في المال إلا مع الجود، كما لا خير في المنظر إلا مع المخبر.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله تعالى -: أجود الجود من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره، ومن جاد ساد، كما أن من بخل ذل. والجود حارس الأعراض، كما أن العفو زكاة العقل، ومن أتم الجود أن يتعرى عن المنة؛ لأن من لم يمتن بمعروفه وفره. والامتنان يهدم الصنائع، فإذا تعرت الصنيعة عن إزار له طرفان: أحدهما: الامتنان، والآخر: طلب الجزاء، كان من أعظم الجود، بل هو الجود في الحقيقة.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله تعالى -: إن من أحسن خصال المرء الجود من غير امتنان، ولا طلب ثواب، والحلم من غير ضعف ولا مهانة. وأصل الجود: ترك الضن بالحقوق عن أهلها، كما أن أصل تربية الجسد أن لا تحمل عليه في الأكل والشرب والباه، كما لا تنفع المروءة بغير تواضع، ولا الحفظ بغير كفاية، كذلك لا ينفع العيش بغير مال، ولا المال بغير جود، وكما أن القرابة تبع للمودة، كذلك المحمدة تبع للإنفاق.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله تعالى -: البخل شجرة في النار، أغصانها في الدنيا، من تعلق بغصن من أغصانها جره إلى النار، كما أن الجود شجرة في الجنة، أغصانها في الدنيا، من تعلق بغصن من أغصانها جره إلى الجنة، والجنة دار الأسخياء. والبخيل يقال له في أول درجته: البخيل، فإذا عتا وطغى في الإمساك، يقال له: الشحيح، فإذا ذم الجود والأسخياء، يقال له: لئيم، فإذا صار يحتج للبخلاء ويعذرهم في فعالهم، يقال له: الملائم. وما اتزر رجل بإزار أهتك لعرضه، ولا أثلم لدينه، من البخل.
حكمــــــة
كان أبو حاتم - يعني: الطائي - سخيا، وكان يضع الأشياء مواضعها، وكان حاتم مبذرا، فاجتمع يوما عند أبيه أصحابه، فشكى إليهم حاتما، قال: والله ما أدري ما أصنع، لا يأخذ شيئا إلا بذره، فاجتمع رأيهم على أن لا يعطيه شيئا سنة، قال: فأقام أبوه، ولم يمكنه من شيء سنة، وهو في شدة من الضر، فلما مضت السنة، أمر له بمئة ناقة حمراء، قال: فلما وقفت عليه، قال حاتم: من أحب شيئا فهو له، حتى أخذوها كلها، فدعاه أبوه، فقال له: أي بني، ماذا تصنع؟ قال: والله يا أبي لقد بلغ الجوع مني شيئا، لا يسألني أحد شيئا إلا أعطيته إياه.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله -: ما رأيت أحدا من الشرق إلى الغرب، ارتدى برداء الجود، واتزر بإزار ترك الأذى، إلا رأس أشكاله وأضداده، وخضع له الخاص والعام، فمن أراد الرفعة العالية في العقبى، والمرتبة الجليلة في الدنيا، فليلزم الجود بما يملك، وترك الأذى إلى الخاص والعام. ومن أراد أن يهتك عرضه، ويثلم دينه، ويمله إخوانه، ويستثقله جيرانه، فليلزم البخل.
حكمــــــة
قال أبو حاتم - رحمه الله -: الواجب على العاقل إذا لم يعرف بالسماحة أن لا يعرف بالبخل، كما لا يجب، إذا لم يعرف بالشجاعة، أن يعرف بالجبن، ولا إذا لم يعرف بالشهامة أن يعرف بالمهانة، ولا إذا لم يعرف بالأمانة، أن يعرف بالخيانة، إذ البخل بئس شعار المرء في الدنيا والآخرة، وشر ما يدخر من الأعمال في العقبى.