7. فوائد من كتاب بهجة المجالس
قال جعفر بن محمد : لقد عظمت منزلة الصّديق حتى عند أهل النار ، ألم تسمع إلى قوله الله تعالى حاكيا عنهم : " فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم " .
قال علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه : لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ صديقه في غيبته وبعد وفاته.
كان أبو العباس السّفاح إذا تعادى اثنان من أهل بطانته لا يسمع من أحد منهما في صاحبه شيئاً ،وإن كان عدلا ،ويقول :العداوة تزيل العدالة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :ابذل لصديقك كلّ المودة ،ولا تبذل له كلّ الطمأنينة ،وأعطه من نفسك كلّ المواساة ،ولا تفضي إليه بكلّ الأسرار.
روى عن علىّ بن الحسين رحمه الله ،أنه قال :لا يكون الصديق صديقاً حتى بقطع لأخيه المؤمن قطعةًمن دينه يرقّعها بالاستغفار. قال غيره :من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً ،ولعدوّ صديقه عدوا.
قال معاوية : النبل مؤاخاة الأكفاء ، ومداجاة الأعداء. قيل لعبد الحميد الكاتب : أيّما أحب إليك أخوك أو صديقك ؟ قال : إنما أحب أخي إذا كان صديقي.
قال بعض علماء أهل المدينة : من ثقل على صديقه خفّ على عدوه ، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه مالا يعلمون.
عذل رجل رجلا ، فقال : أراك رطب اللسان من عيوب أصدقائك ، فلا تزدهم في أعداءك ، فإن الصديق يحوّل بالجفاء عدوا ، وكذلك العدو يحول بالصلة صديقا.
كان المغيرة بن شعبة يقول : إن أنكأ لعدوك ألاّ تعلمه أنك أتخذته عدوّا. كان يقال : لا تجترئ على عداوة رجل بصداقة ألف.
سئل أعرابي عن ابن العمّ ، فقال : عدوّك وعدوّ عدوّك. كان يقال : من سعادة المرء أن يرى عدوّه خلفه في حياته ، ويقدمه أمامه في وفاته.
كان يقال : لا تلتمس معاونة ذي عداوة بإعطائه فضل قوة يستكثر بها عليك في مخالفتك. قال موسى بن جعفر : أتّق العدوّ ، وكن من الصديق على حذر فإن القلوب إنما سميت قلوباً لتقلّبها.
جمع كسرى يوما مرازبته وعيون أصحابه ، فقال لهم : من أي شئ أنتم أشد حزراً ؟ قالوا من العدوّ الفاجر ، والصديق الغادر.
قال علىّ بن أبي طالب ،رضي الله عنه :لا خير في صحبة من تجتمع فيه هذه الخلال :من إذا حدّثك كذبك ، وإذا ائتمنته خانك ،وإذا ائتمنك اتهمك ،وإذا أنمت عليه كفرك ،وإذا أنعم عليك منّ عليك .
عن ابن عباس أنه قال :أحبب في الله ،وأبغض في الله ،وعاد في الله ،فإنه لا تنال موالاة الله إلا بذلك ،ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان ولو كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. قال :ولقد صارت عامة مؤاخاه الناس على أمر الدنيا ،وذلك لا يجدي علىأهله ،ثم قرأ ابن عباس : " الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين " ،وقرأ : " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادٌ الله ورسوله " ألآية.
قال المغيرة بن شعبة :النّازل للإخوان منزول. قال المنصور لإسحق بن مسلم العقيلي :ما بقي من لذّتك ؟ قال :أخٌ أشتهي معه طول السهر ،ودابةٌ أستهي معها طول السّفر.
قال جعفر بن محمد :حفظ الرجل أخاه بعد وفاته في تركته كرم. كان يقال :أنصح الناس لك من خاف الله فيك.
قال موسى بن جعفر :من لك بأخيك كلّه ،لا تستقص عليه فتبقى بلا أخ. كان يقال :الأخوّة قرابةٌ مستفاده. كان يقال :ما شئٌ أسرع في فساد رجل وصلاحه من صاحبه.
أوصى رجلٌ ابنه فقال : يابنىّ! اصحب من إذا غبت عنه خلفك ، وإن حضرت كنفك ، وإن لقي صديقك استزاده لك ، وإن لقي عدوّك كفّه عنك.
قالوا : من أراد أن يدوم له ودّ أخيه ،فلا يمازحه ، ولا يعده موعداً فيخلفه. قال بعضهم : لا تؤاخ شاعراً ، فإنه يمدحك بثمن ، ويهجوك مجاناً.
كان من كلام خالد بن صفوان : اصحب من إن صحبته زانك ، وإن خدمته صانك ، وإن أصابتك فاقة مانك ، وإن رأى حسنة عدها ، وإن رأىسيئة كتمها وسترها ، لا تخاف بوائقه ، ولاتختلف طرائقه.
قال المأمون :الإخوان على ثلاث طبقات :فإخوان كالغذاء لا يستغنى عنهم أبدا ،وهم إخوان الصّفاء ، وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات ،وهم الفقهاء ،وإخوان كالدّاء لا يحتاج إليهم أبدا ، وهم أهل الملق والنفاق لا خير فيهم. .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : اصحب من ينسى معروفه عندك ،ويذكر حقوقك عليه قيل لخالد بن صفوان :أيّ إخوانك أحب إليك ?قال :الذّي يغفر زللي ،ويقبل عللي ،ويسدّ خللي.
قيل لأعرابي : لم قطعت أخاك من أبيك ؟ فقال : إني لأقطع الفاسد من جسدي الذي هو أقرب إلي من أبي وأمي وأعز فقدا.
قال لقمان لابنه :ثلاثةٌ لا يعرفون إلاّ في ثلاثة مواطن :لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ،ولا الشجاع إلاّ عند الحرب ،ولا الأخ إلا عند الحاجة.
قال بعض الحكماء :الإخوان بمنزلة النار ،قليلها متاع ،وكثيرها بوار ،فلا تسرّنّ بكثرة الإخوان إذا لم يكونوا أخياراً. قال أسماء بن خارجة :إذا قدمت المودة سمج الثناء.
قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : أعقل الناس أعذرهم لهم. قال الأحنف : العتاب مفتاح التّقالى ، والعتاب قرين الحقد.
عن الأصمعيّ قال : قال أعرابي : عاتب من ترجو رجوعه. قال بعض الحكماء : العتاب علامة الوفاء ، وسلاح الأكفاء ، وحاصد الجفاء.
قال العتابي : ظاهر العتاب خير من مكنون الحق ، وضربة الناصح خير من محبة الشّاني. قال بعض الحكماء : من كثر حقده قلّ عتابه.
قال محمد بن داود : من لم يعاتب على الزلة ، فليس بحافظٍ للخلّه. قال أسماء بن خارجة الإكثار من العتاب ، داعية إلى الملال.
قيل لبعض الأعراب : من الأديب العاقل ؟ قال : الفطن المتغافل. قال بعض الأدباء : من أحب أن يسلم له صديقه ، فليقبل عذره ، وليقل عتابه ، فإن العتاب يجرّ الملال.
قال غيره : العتاب مفتاح القطيعة. قال عمرو بن بحر العتاب رائد الإنصاف وشفيع المودة ، ويد للمحافظة.
قال الحسن البصري ،في قوله عز وجل :"فإذا طعمتم فانتشروا"نقال :نزلت في الثقلاء. قال السّري :ذكر الله تعالى الثقلاء في القرآن ،في قوله :"فإذا طعمتم فانتشروا".
قال سفيان بن عيينة :قلت لأيوب السّختياني :لم لم تكتب عن طاووس ؟ قال :أتيته فوجدته بين ثقلين ،عبد الكريم بن أبي الخارق ،وليث بن أبي سليم.
كان أبو هريرة إذا استثقل رجلا ،قال اللّهم اغفر لنا وله ،وأرحنا منه. رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه ،عن أبي هريرة.
كان حمّاد بن سلمة إذا رأى من يستثلقه ،قال : " ربنّا اكشف عناّ العذاب إنّا مؤمنون " . عن حمّاد بن سلمة أيضاً ،أنه قال :الصوم في البستان من الثقل.
قيل لأبي عمرو الشيباني :لأيّ شئ يكون الثقيل أثقل على الإنسان من الحمل الثقيل ؟ فقال : لأن الثقيل يقعد على القلب ، والقلب لا يحتمل ما يحتمل الرأس والبدن من الثقل.
كان فلاسفة الهند يقولون : النظر إلى الثقيل يورث موت الفجأة. قال ثقيل لمريض : ما تشتهي ؟ قال : أشتهي ألا أراك.
مرض الأعمش فعاده أبو حنيفة ، فقال : يا أبا محمد!لولا أنه يثقل عليك ،لعدتك كل يوم , فقال الأعمش : والله إنك على لّثقيل وأنت في بيتك ، فكيف إذا عدتني؟ .
قال معمر : ما بقي من لذّات إلاّ ثلاثة : محادثة الإخوان ، وحكّ الجرب ،والوقعة في الثقلاء ، وهي أفضل الثلاث.
كان يقال :مجالسة الثقيل عذابٌ وبيل. قال عبد الأعلى بن مسهر : كان نقش خاتم أبي : " أبرمت فقم " فكان إذا استثقل جليسه ناوله خاتمه ليقرأنقشه.
سلم ثقيل على إبراهيم بن عبد الله القارئ صاحب هارون ، فقال له : يا هذا! قد واللّه بلغت منى غاية الأذى ، أسلفنى سلام شهر وأرحنى منك.
قال معمر : كنت جالساً مع سماك بن الفضل في مجلس بصنعاء ، فدخل علينا صاحبٌ له ثقيل فلمّا جلس قال لي سماك : يا معمر! تعال حتى ندعو على كل ثقيل بصنعاء.
قال الهيثم بن عدّى : كنت يوماً عند مسعر بن كدام ، فأتاه رقبة بن مصقلة العبدى ، فقال له معسر : مالك يا ابن مصقلة ؟ قال : صريع فالوذج. قال : وأين ؟ قال : عند من قضى أبوه في الجماعة ، وحكمّ في الفرقة.
فقال أبو حازم : عود نفسك الصبر الجليس والسوء ، فإنه لا يكاد يخطئك. قيل لبعض الطفيليين :كم اثنين في اثنين ؟ قال كأربعة أرغفة.
دخل طفيليٌّ دار قوم بغير إذن ،فاشتد عليه صاحب الدار في القول ،فأغلظ له الطفيلي في الجواب ،وقال :والله لئن قمت لأدخلنّك من حيث خرجت. فقال له صاحب المنزل :أما أنا فأخرجك من حيث دخلت.وأخذ بيده فأخرجه.
قال مطرّف بن مازن ،قاضي اليمن : قال لي الرشيد يوماً : من عبد الرزاق ابن همام الصنعاني ؟ فقلت : رجل من أهل الحديث ، سليم الحديث ثقة. فقال : إن صاحب خبرنا في اليمن كتب يذكر أنه كتب ثقلاء اليمن , فقلت : صدق يا أمير المؤمنين فكتبني فيهم. قال : ولم كتبك فيهم ؟ إنك لحسن الحديث خفيف المجلس ، فما أستثقل منك ؟ قلت : عظم قلنسوتي ، وطول عنقي بغلتي. فضحك هارون ، فما خرجت من عنده حتى أمر لي بكسوة وحملان.
قال ابن عباس : لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مقاله. قيل لسعيد بن جبير : المجوسي يوليني خيراً فأشكره ؟ قال : نعم. قيل : فإن سلم علي أفأرد عليه ؟ قال : نعم.
قال ابن مسعود : إن من التواضع أن تبدأ بالسلام كلَّ من لقيت. عن ابن عباس ، أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب : السلام عليك.
وسئل عبد الله بن وهب ، صاحب مالك ، عن غيبة النصراني ، فقال : أو ليس من الناس ؟ قالوا : بلى. قال : فإن الله عز وجل يقول : " وقولوا للناس حسناً " .
قيل لمحمد بن كعب القرظي : إن عمر بن عبد العزيز سئل عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال ترد عليهم ولا تبدؤهم. فقال محمد بن كعب : أما أنا فلا أرى بأساً أن تبدأهم بالسلام ، قيل له : لم ? فقال : لقوله عز وجل : " فاصفح عنهم وقل سلام " . ومن حجة من ذهب إلى هذا قوله عز وجل : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين " . وذهب جماعة من العلماء إلى مثل ما ذهب إليه عمر بن عبد العزيز في ذلك.
سئل مالك ، أترى بأساً إذا أهدى اليهودي أو النصراني للمسلم أن يكافئه ، فقال : معاذ الله وما للمسلم أن يقبل هديته حتى يكافئه.
قال عروة في قوله تعالى : " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " . هو ألا يمنعهما من شيء أراده قال يزيد بن أبي حبيب : كان العلماء يقولون : حق الأم أعظم من حق الأب ،ولكل حق. قال الحسن : البر أن تطيعهما في كل ما أمراك به ، ما لم تكن معصية الله ،والعقوق هجرانهما ،وأن تحرمهما خيرك.
رأى ابن عمر رجلا يطوف بالبيت حاملا أمه ، وهو يقول لها : أتريني جزيتك يا أمه ? فقال ابن عمر : ولا طلقة واحدة ، أو قال : ولا زفرة واحدة.
سئل ابن عباس ، عن رجل قتل امرأته وما توبته ؟ قال : إن كان له أبوان فليبرهما ماداما حيين ، فلعل الله أن يتجاوز عنه. وقد جاء عنه مثل ذلك في المرأة التي تعلمت السحر ثم جاءته تطلب التوبة.
قال مكحول : بر الوالدين كفارة للكبائر. قال محمد بن المنكدر : بت أغمز رجل أمّي ، وبات عمي يصلي ليلته ، فما تسرني ليلته بليلتي.
قال كعب : مكتوبٌ في التوراة ، اتق ربك ، وبرّ والديك ، وصل رحمك ، يمدّ لك في عمرك ، وييسِّر لك يسرك ، ويصرف عنك عسرك.
قال محمد بن سليمان : البنون نعمٌ ، والبنات حسنات ، والله عز وجل يحاسب على النعم ، ويجازي على الحسنات.
قال محمد بن علىٌّ بن حسن لابنه جعفر : يابنيّ! إن الله رضيني لك وحذّرني منك ، ولم يرضك لي فأوصاك بي ، يا بنيّ! إن خير الأبناء من لم يدعه البر إلى الإفراط ،ولم يدعه التقصير إلى العقوق .
رأى ابن عباس رجلا ومعه ابنٌ له ، فقال : أما إنّه لو عاش فتنك ، ولو مات أحزنك. كان يقال : الولد ريحانتك سبعاً ، وخادمك سبعاً ، وهو بعد ذلك صديقك أو عدوّك أو شريكك.
سأل معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس عن الولد ،فقال : يا أميرالمؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم نصول عند كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبّوك جهدهم ، ولا تكن عليهم قفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قربك ويملوا حياتك. فقال له معاوية : لله أنت !لقد دخلت علىّ وإني لمملوء غيظا على يزيد ولقد أصلحت من قلبي له ما كان فسد. فلما خرج الأحنف من عند معاوية بعث معاوية إلى يزيد بمائتي ألف درهم ، فبعث يزيد إلى الأحنف بنصفها.
قال علىّ بن أبي طالب :ينبغي لأحدكم أن يتخيّر لولده إذا ولد الاسم الحسن. قال عمر بن الخطاب : عجّلوا بكني أولادكم لا تسرع إليهم الألقاب السّود.
قال قتادة : رب جاريةً خير من غلام ، ورب غلام قد هلك أهله على يديه. كان يقال : من تمام ما يجب للأبناء على الآباء ، تعليم الكتابة والسباحة.
كتب عمر بن الخطاب إلى أهل الأمصار :علّموا أولادكم العوم والفروسيّة ،ورووهم ما سار ،من المثل ، وما حسن من الشعر.
قال الحجّاج لمعلّم ولده :علّم ولدي السباحة قبل أن تعلمهم الكتابة ، فإنهم يجدون من يكتب عنهم ، ولا يجدون من يسبح عنهم
كان لعبد الملك بن مروان بيت ملٍ كان قد حجزه من خالص غلاته وضياعه ،لا يدخله شئ من الغلول ،يعدّه للتزويج وشراء الجواري اللواتي يطلب أولادهن ،وكان يقول :إنّ الغلول يبقى في الولد.
قال أعرابي لأبيه وهو عمر بن ذّر الهمداني يعاتبه :يا أبت!إن عظيم حقك علىّ لا يذهب صغير حقيّ عليك ،والذي تمتّ به إلىّ أمت بمثله إليك ،ولست أزعم أنا سواء ولكني أقول لا يحل الاعتداء.
قيل لأعرابي ،وكان له ابن عاقّ :كيف ابنك ؟ قال :عذابٌ أزغف علىّ به الدهر ،فليتني قد أودعته القبر ،فإنه بلاء لا يقاومه الصبر ،وفائدة لا يلزم عليها الشكر.
قال ابن عباس : قد تقطع الرحمّ ، وقد تكفر النعمى ، ولا شئ كتقارب القلوب. وفي رواية أخرى عنه ، تكفر النعمة ، والرحم تقطع ، واللّه يؤلف بين القلوب ، وإذا قارب بين القلوب لم يزحزها شئٌ أبداً ، ثم تلا : " لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم " .
قال العتابي : عشيرتك من أحسن عشرتك ، وابن عمك من عمك خيره ،وقرابتك من قرب منك نفعه ، وأحب الناس إليك أخفّهم ثقلا عليك.
كان يقال : التسلط على المملوك دناءة. قال بعض الحكماء : اذكر عند قدرتك وغضبك قدرة الله عليك ، وعند حكمك حكم الله فيك.
كان يقال : أنعم الناس عيشاً من حسن عيش غيره في عيشه. كان يقال : الإحسان إلى الخادم يشجي العدو ، ويذهب البؤس ، والكسوة تظهر الغنى.
اشترى عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عبد بني الحسحاس واسمه سحيمٌ ، وكان حبشياً سمحاً شاعراً ، وكتب إلى عثمان بن عفان : إني قد اشتريت لك غلاماً حبشياً شاعراً فكتب إليه عثمان : لا حاجة لي به ، فإنما حظ أهل العبد الشاعر إذا شبع أن يشبِب بنسائهم ، وإذا جاع أن يهجوهم.
قال لقمان لابنه : يا بني إياك وخدمة العين. قال : وما خدمة العين ؟ قال : ألا يكون لك عبد لا يخدمك إلا حيث يراك.
قال بعض الحكماء : أفضل المماليك الصغار ، لأنهم أحسن طاعة ، وأقل خلافاً ،وأسرع قبولا. كان يقال : استخدم الصغير حتى يكبر ، والأعجمي حتى يفصح.
قال كعب الأحبار : إذا أحببتم أن تعملوا ما للعبد عند ربه فانظروا ما يتبعه من حسن ثناء. قال مطرف بن الشخير : عنوان كرامة الله لعبده حسن الثناء عليه ، وعنوان هوانه سوء الثناء عليه.
قيل لبعض الحكماء : بأي شيء يعرف وفاء الرجل دون تجربة واختبار ؟ قال : بحنينه إلى أوطانه ، وتلهفه على ما مضى من زمانه.
قال بعض الحكماء : من نظر بعين الهوى خاف ، ومن حكم بالهوى جار قال سفيان الثوري : أشجع الناس أشدهم من الهوى أمتناعاً. وقال : من المحقّرات تنتج الموبقات.
قال عمر بن عبد العزيز : أفضل الجهاد جهاد الهوى. قال بعض الحكماء : إنما يحتاج اللبيب ذو الرأى والتّجربة إلى المشاورة ليتجرّد له رأيه من هواه.
قيل للمهلّب : بم ظفرت ؟ قال : بطاعة الحزم وعصيان الهوى. قالوا : ما ذكر الله تعالى الهوى في شيئ من القرآن إلاذمه.
قيل لشريح : أحمد الله لما سلمك من الفتن , قال : كيف أصنع بقلبي وهواي ؟ قال : الهوى غالب ، والقلوب مغلوبة.
قال بعض الحكماء : الهوى عدو العقل ، فإذا عرض لك أمران ولم يحضرك من تشاوره فاجتنب أقربهما إلى هواك. قال غيره : اغتنم من الخير ما عجلت ، ومن الهوى ما سوفت.
كان يقال : إذا غلب عليك عقلك فهو لك ، وإن غلب عليك هواك فهو لعدوك. قال عمر لمعاوية : من أصبر الناس ؟ قال : من كان رأيه راداً لهواه.
عن نفطويه ، قال : تضيّف صديقٌ لي من أهل الأدب إلى إمرأة من أهل البصرة ، فتعرض لها ، فقالت : أيها الرجل مالك حظ في غيرة الرجال على الحرم ، فيكون ذلك زاجراً لك عن التعرض لحرم غيرك ، إن لم يكن لك ناه من دين ؟ أما علمت أن الأمور إلى أواخرها تؤول إلى أوائلها ، وإن من عوّد نفسه الرفث والخنا كان كمن اتخذ المزابل مجلساً ، وقلما مجن رجل إلا هلك.
سئل بعض الحكماء عن العشق ، فقال : شغل قلبٍ فارغ. وصف أعرابي عاشقا ، فقال : كان يستر عيناً قد درت مآقيها ، ويحنو على كبد قد أعيت مداويها.
وجد في صحيفةٍ لبعض أهل الهند : العشق ارتياحٌ جعل في الروح ، وهو معنى تنتجه النجوم بمطارح شعاعها ، وتتولد الطوالع بوصلة أشكالها ، وتقبله النفوس بلطيف خواطرها ، وهو بعد جلاء للقلوب ، وصقيل للأذهان ما لم يفرط ، فإن أفرط عاد سقما قاتلا ، ومرضا منهكا ، لا تنفد فيه الآراء ، ولا تنجع فيه الحيل ، العلاج منه زيادة فيه.
حضر عند المأمون يوماً يحيى بن أكثم ، وثمامة بن أشرس ، فقال المأمون ليحيى : خبرني عن حد العشق فقال : يا أمير المؤمنين سوانح تسنح للعاشق يؤثرها ويهيم بها تسمى عشقا. فقال ثمامة : اسكت يا يحيى ، فإنما عليك أن تجيب في مسألة من الفقه ، وهذه صناعتنا. فقال المأمون : أجب يا ثمامة. فقال : يا أمير المؤمنين إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة أثقبت لمحنورٍ ساطع تستضيء به بواطن العقل فتهتز لإشراقه طبائع الحياة ، ويتصور من ذلك اللمح نور حاضر بالنفس متصل بجوهرها فيسمى عشقا.
ذكر رجلٌ أيام شبابه وامرأة كان يهواها ، فقال : ذلك هوى شربته النفس أيام شبابها ، فاستخفت بالعاذلات وعتابها.
وصف بعض الحكماء الهوى الذي هو عشقٌ للنساء ، فقال : بطن فرقَّ ، وظهر فكثف ، وامتنع وصفه عن اللسان فهو بين السحر والجنون ، لطيف المسلك والكمون.
قال بعض الأدباء : الهوى جليسٌ ممتع ، وأليف مؤنس وصاحب مملّك ، مسالكه لطيفة ، ومذاهبه متضادة وأحكامه سائرة ، ملك الأبدان وأرواحها ، والقلوب وخواطرها ، والعيون ونواظرها ، والعقول وآراءها ، وأعطى عنان طاعتها ، وقاد نصرفها ،توارى الأبصار مدخله ، وغمض في القلوب مسلكه.
وصف أعرابي النساء، فقال: ظعائن في سوالفهن طول، غير قبيحات العطول، إذا مشين أسبلن الذيول، وإذا ركبن أثقلن الحمول.
قيل لأعرابي: أي النساء أفضل ؟ قال: الطويلة السالفة، الرقيقة الرادفة، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، التي في حجرها غلام، وفي بطنها غلام، ولها في الغلمان غلام
قالوا: عقل المرأة في جمالها، وجمال الرجل في عقله. سئل مالك بن أنس: أيسلم الرجل على المرأة ؟ فقال: أما المتجالّة فلا بأس، وأما التي كلامها أشهى من الرطب فلا.
كان يقال: أربعة تزيد في البصر: النظر إلى الوجه الحسن، وإلى الخضرة وإلى الماء الجاري، والنظر في المصحف.
قال الحسن البصري: ينبغي للوجه الحسن ألا يشين وجهه بقبيح فعله وينبغي لقبيح الوجه ألا يجمع بين قبيحين.
مما أوصى به محمد بن عبد الله بن حسين ابنيه، فقال: واعلما أن لن تسقط امرأة واظبت على ثلاث خلال: الماء والسواك والكحل فعليكما بهن.
قال معاذ بن جبل: أخوف ما أخاف عليكم النساء، إذا تسورن الذهب، ولبسن عصب اليمن، ورباط الشام، فأتعبن الغنىّ وكلفن الفقير مالا يجد.
قال أبو الأسود لبنيه: يا بني! قد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف ذلك ؟ قال: التمست لكم من النساء الموضع الذي لا تعابون به.
وشوور بعض الحكماء في تزويجٍ، فقال للمشاور: يا ابن أخي! إياك أن تزوج لأهل دناءةٍ أصابوا من الدنيا، فإنك تشركهم في دناءتهم، ويستأثرون عليك بدنياهم. قال: فقمت عنه وقد اكتفيت بما قال لي.
قال عمر بن الخطاب رحمه الله: استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر. قال أيضاً: عليكم بالسراري؛ فإنا رأيناهن يأخذنَ بعز العرب وملك العجم.
كان يقال: لا تسترضعوا الحمقاء؛ فإن اللبن ينزع بالشبه إليها. قال عمرو بن العاص: الناكح مغترس، فلينظر امرؤ حيث يقع غرسه.
قال علي بن أبي طالب: خيرُ نسائكم الطيبة الرائحة، الطيبة الطعام، التي إن أنفقت أنفقت قصدا، وإن أمسكت أمسكت قصدا، فتلك من عمال الله، وعامل الله لا يخيب.
قال علي بن أبي طالب: من أراد البقاء - ولا بقاء - فليخفف الرداء، وليباكر الغداء، وليقل مجامعة النساء. قيل له: وما خفة الرداء ؟ قال: الدين. ثم قال: المرء بجدّه والسيف بحدّه، والثناء بعد البلاء.
قال المغيرة بن شعبة: صاحب المرأة الواحدة امرأة مثلها، إن بانت بان معها، وإن حاضت حاض معها، وإن مرضت مرض معها، وصاحب المرأتين على جمرتين، وصاحب الثلاث على رستاق، وصاحب الأربعة كل ليلةٍ عروس .
قال أكثم بن صيفي لبنيه: يا بني لا ينكبنكم جمال النساء عن صراحة النسب، فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف.
قال الحسن: إياكم وسمنة البنات، فإن كنتم لابد فاعلين، فاحفظوهن. قال إياس بن معاوية: من يمن المرأة الولد، ومن بركتها مياسرتها في المهر.
كان يقال: لا تزوج كريمتك إلا من عاقل، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها أنصفها. قال غيره: لا تزوج وليتك إلا من ذي دين، فإن أحبها أحسن إليها، وإن أبغضها لم يظلمها.
قال الحسن: كان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل المرأة تقول: ما حسبه، وما حسبها ؟ فلما جاء الإسلام، قالوا: ما دينه، وما دينها ؟ وأنتم اليوم تقولون: ما ماله، وما مالها ؟.
قال عبد الملك: من أراد النجابة فبنات فارس، ومن أراد النكاح فبنات البربر، ومن أراد الخدمة فالروميات. قال سعيد بن المسيب: ما عرفنا أولادنا حتى عرفنا بنات فارس.