فوائد من كتاب الرقة والبكاء
حكمــــــة
قال عبد الواحد بن زيد : يا إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله ؟ ألا إنه من بكى شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه . يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من النار ؟ ألا إنه من بكى خوفا من النار أعاذه الله منها ، يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من العطش يوم القيامة ؟ ألا إنه من بكى خوفا من ذلك سقي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، يا إخوتاه ألا تبكون ؟ بلى ، فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا ، لعله أن يسقيكموه في حظائر القدس مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا . ثم جعل يبكي حتى غشي عليه.
حكمــــــة
عن حمزة الأعمى ، قال : ذهبت أمي إلى الحسن ، فقالت : يا أبا سعيد ابني هذا قد أحببت أن يلزمك ، فلعل الله أن ينفعه بك ، قال : فكنت أختلف إليه ، فقال لي يوما : « يا بني أدم الحزن على خير الآخرة ، لعله أن يوصلك إليه ، وابك في ساعات الخلوة ، لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين » . قال : وكنت أدخل عليه منزله وهو يبكي ، وآتيه مع الناس وهو يبكي ، وربما جئت وهو يصلي ، فأسمع بكاءه ونحيبه ، فقلت له يوما : يا أبا سعيد إنك لتكثر من البكاء فبكى ثم قال : « يا بني فما يصنع المؤمن إذا لم يبك ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة ، فإن استطعت أن لا تكون عمرك إلا باكيا فافعل ، لعله يراك على حالة ، فيرحمك بها ، فإذا أنت قد نجوت من النار ».
حكمــــــة
عن إسماعيل بن ذكوان قال : دخل إياس بن معاوية وأبوه إلى مسجد فيه قاص يقص عليهم ، فلم يبق أحد من القوم إلا بكى ، غير إياس وأبيه ، فلما تفرقوا قال معاوية بن قرة لابنه : أترانا شر أهل هذا المجلس ؟ قال إياس : « إنما هي رقة في القلوب ، فكما تسرع إلى الدمعة ، فكذلك تسرع إليها الفتنة » فقال معاوية : ما أدري ما تقول يا بني غير أنهم قد تعجلوا الرقة ، ورجاء الرحمة.
حكمــــــة
قال فرقد السبخي قرأت في بعض الكتب : « أن العبد إذا بكى من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ولو أن عبدا جاء بجبال الأرض ذنوبا وآثاما ، لوسعته الرحمة إذا بكى وإن الباكي على الجنة لتشفع له الجنة إلى ربها ، فتقول : يارب ، أدخله الجنة كما بكى علي . وإن النار لتستجير له من ربها فتقول : يا رب أجره من النار كما استجارك مني ، وبكى خوفا من دخولي ».
حكمــــــة
قال أبو عبد الرحمن المغازلي : قال رجل ببلاد الشام في بعض تلك السواحل : » لو بكى العابدون على الشفقة حتى لم يبق في أجسادهم جارحة إلا أدت ما فيها من الدم والودك دموعا جارية ، وبقيت الأبدان يبسا خالية ، تردد فيها الأرواح إشفاقا ووجلا من يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، لكانوا محقوقين بذلك ثم غشي عليه .
حكمــــــة
عن مالك بن دينار قال : دخلت مع الحسن السوق ، فمر بالعطارين ، فوجد تلك الرائحة ، فبكى ، ثم بكى ، حتى خفت أن يغشى عليه ، ثم قال : يا مالك « والله ما هو إلا حلول القرار من الدارين جميعا : الجنة أو النار ، ليس هناك منزل ثالث ، من أخطأته والله الرحمة صار إلى عذاب الله . قال : ثم جعل يبكي ، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات ».
حكمــــــة
قال أبو الهيثم بياع القصب : مررت أنا وسعيد بن جبير على بني الأشعث ، وإذا هم على طنافس وعليهم ألوان الخز فسلم عليهم ، فجعلوا يقولون له : مرحبا بأبي عبد الله ، ويسلمون عليه : اجلس . فلما ولى عنهم بكى حتى بلغ الكناسة بكاء شديدا ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : إنني ذكرت الجنة ونعيمها وشبابها حين رأيت هؤلاء.
حكمــــــة
عن مولى لعمر بن عبد العزيز ، قال : استيقظ ذات ليلة باكيا ، فلم يزل يبكي حتى استيقظت قال : وكنت أبيت معه ، فربما منعني النوم كثرة بكائه قال : فأكثر ليلتئذ البكاء جدا ، فلما أصبح دعاني فقال : « أي بني ليس الخير أن يسمع لك ويطاع ، إنما الخير أن تكون قد عقلت عن ربك ثم أطعته ، يا بني لا تأذن اليوم لأحد علي حتى أصبح ، ويرتفع النهار ، فإني أخاف أن لا أعقل عن الناس ، ولا يفهمون عني » فقلت : بأبي أنت يا أمير المؤمنين رأيتك الليلة بكيت بكاء ما رأيتك بكيت مثله قال : فبكى ، ثم بكى ، ثم قال : « يا بني إني والله ذكرت الموقف بين يدي الله » ، قال : ثم غشي عليه ، فلم يفق حتى علا النهار ، فما رأيته بعد ذلك مبتسما حتى مات .
حكمــــــة
قال مسمع بن عاصم : بت أنا وعبد العزيز بن سلمان ، وكلاب بن جري ، وسلمان الأعرج ، على ساحل من بعض السواحل ، فبكى كلاب حتى خشيت أن يموت ، ثم بكى عبد العزيز لبكائه ، ثم بكى سلمان لبكائهم ، وبكيت والله لبكائهم ، لا أدري ما أبكاهم . فلما كان بعد ، سألت عبد العزيز فقلت : يا أبا محمد ما أبكاك ليلتك ؟ فقال : إني والله نظرت إلى أمواج البحر تموج وتخيل ، فذكرت أطباق النيران وزفراتها ، فذلك الذي أبكاني . ثم سألت كلابا أيضا نحوا مما سألت عبد العزيز ، فوالله لكأنما قصته فقال لي مثل ذلك . ثم سألت سلمان الأعرج نحوا مما سألتهما ، فقال لي : ما كان في القوم شر مني ما كان بكائي إلا لبكائهم ، رحمة لهم مما كانوا يصنعون بأنفسهم .
حكمــــــة
قال عبد العزيز بن علي الصراف أن حسان بن أبي سنان قدم له سكر من الأهواز ، فربح فيه مالا كثيرا ، فدخل عليه قوم من إخوانه يهنؤونه بذلك ، فوجدوه في ناحية الحجرة يبكي ، فقالوا : يا عبد الله هذه نعمة من الله عليك ، ففيم البكاء ؟ قال : « إني خشيت والله أن يكون ذلك سكرا ، فاستدراجا ، وإني أستغفر الله من نسياني ما ذكرني به ربي ، ومن غفلتنا عن ذلك ».
حكمــــــة
قال عبد الرحمن بن حفص القرشي : بعث بعض الأمراء إلى عمر بن المنكدر بمال ، فجاء به الرسول ، فوضعه بين يديه ، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي ، ثم جاء أبو بكر ، فلما رأى عمر يبكي جلس يبكي لبكائه ، ثم جاء محمد ، فجلس يبكي لبكائهما ، فاشتد بكاؤهم جميعا . فبكى الرسول أيضا لبكائهم ، ثم أرسل إلى صاحبه ، فأخبره بذلك ، فأرسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يستعلم علم ذلك البكاء ، فجاء ربيعة ، فذكر ذلك لمحمد ، فقال محمد : سله ، فهو أعلم ببكائه مني . فاستأذن عليه ربيعة ، فقال : يا أخي ما الذي أبكاك من صلة الأمير لك ؟ قال : إني والله خشيت أن تغلب الدنيا على قلبي ، فلا يكون للآخرة فيه نصيب ، فذاك الذي أبكاني . قال : فأمر بالمال ، فتصدق به على فقراء أهل المدينة ، فجاء ربيعة ، فأخبر الأمير بذلك ، فبكى وقال : هكذا والله يكون الخير.
حكمــــــة
عن فياض بن محمد قال : « كان شيخ ههنا من قريش سريع الدمعة كثيرا ، وكان ما علمته من المتهجدين قليل الآثام ، معتزلا للناس . فذكرته يوما لبعض علمائنا فقلت : هذا الشيخ طويل الاجتهاد ، وما أظنه اقترف إثما مذ خمسون عاما أو ما شاء الله ، ثم هو الدهر يبكي فقال لي الرجل : ما ينبغي أن يكون مثله إلا هكذا : ندي العينين دهره . قلت : وكيف ذاك ؟ قال : لأن البدن إذا عري دق ، فكذاك القلب إذا قلت خطاياه سرعت دمعته . قال : فعلمت أن ذاك كما قال ».
حكمــــــة
عن مسمع بن عاصم قال : « سألت عابدا من أهل البحرين فقلت : ما بال الحزين يجيبه قلبه إذا شاء ، وتهمل عيناه عند كل حركة ؟ فقال : أخبرك عن ذاك : إن الحزين بدا به الحزن ، فجال في بدنه ، فأعطاه كل عضو بقسطه ، ثم رجع إلى القلب والرأس فسكنهما ، فمتى حرك القلب بشيء تحرك ، فهاجت الحرقة مصاعدة ، فاستثارت الدموع من شؤون الرأس حتى تسلمها إلى العين ، فتذريها حينئذ الجفون . ثم خنقته عبرته فقام ».
حكمــــــة
قال أبو مودود : بلغني أن عمر بن عبد العزيز قرأ ذات يوم : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا ) فبكى بكاء شديدا حتى سمعها أهل الدار ، فجاءت فاطمة ، فجعلت تبكي لبكائه وبكى أهل الدار لبكائهم ، فجاء عبد الملك ، فدخل عليهم وهم على تلك الحال يبكون ، فقال : يا أبه ما يبكيك ؟ قال : « خير يا بني ، ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه ، والله يا بني لقد خشيت أن أهلك ، والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار ».
حكمــــــة
قال عبد الأعلى بن أبي عبد الله العنزي : رأيت عمر بن عبد العزيز خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة ، ووراءه حبشي يمشي ، فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي ، فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال : « هكذا رحمكما الله » ، حتى صعد المنبر ، فخطب ، فقرأ : ( إذا الشمس كورت ) فقال : « وما شأن الشمس ؟ » ( وإذا النجوم انكدرت ) حتى انتهى إلى ( وإذا الجحيم سعرت ) ( وإذا الجنة أزلفت ) فبكى وبكى أهل المسجد ، وارتج المسجد بالبكاء ، حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه.
حكمــــــة
قال الحكم بن نوح : « كنت مع ضيغم بعبادان ، فزاره بشر بن منصور ، فقال ضيغم : ويحك يا حكيم انظر لنا بعض أصحابنا ممن يقرأ ، فإن بشرا يعجبه حسن الصوت ، فانطلقت ، فأتيتهم بإنسان فارسي حسن الصوت ، فقالوا لي : لا تقل له يقرأ حتى يهدأ أهل الدير . فلما سكنت الرجل ، وهدأ الناس ، قالوا له : خذ الآن . فجعل والله الفارسي يقرأ ، والقوم يبكون وينتحبون قال : ثم أخذ فجعل ينوح بالفارسية ، فجعلوا والله يصرخون كما تصرخ الثكلى . قال : حتى استيقظ أهل الدير واجتمعوا . فأما بشر فغشي عليه تلك الليلة مرارا قال : وأما أبو مالك فجعل يقوم ويقعد ، حتى ظننت أن عقله قد ذهب قال : فبتنا والله بليلة ، أطيب ليلة ، وألذ عيش فكان بشر يقول لي بعد : ويحك يا حكيم ما فعل الفارسي ؟ ويحك يا حكيم يقتل الناس ذاك الفارسي هكذا عيانا بصوته ».
حكمــــــة
قال عبد العزيز من ولد توبة العنبري : كنا نجتمع كثيرا فبتنا ليلة بعبادان في أول ما اتخذت ، قال : ومعنا ليلتئذ الربيع بن صبيح ، وبكر بن خنيس الكوفي ، وعدة من الفقهاء ، إذ قالوا : قد جاء عبد الواحد بن زيد ، . . له القوم جميعا ، فدخل علينا ، وكان رجل يقرأ ، فدخل عبد الواحد وقد انتهى القارئ إلى هذه الآية : ( يوم تمور السماء مورا ) ( وتسير الجبال سيرا ) ، فصاح : وأي أذان دون ؟ فضج القوم بالبكاء ، وسقط عبد الواحد مغشيا عليه . فقام الربيع وأصحابه ، فأحاطوا به ، فجعلوا يبكون وهو بينهم صريع . فلم يزالوا على ذلك يبكون ، حتى ضربه البرد في السحر فأفاق.
حكمــــــة
عن أبي بكر الهذلي قال : رأيت الحجاج يخطب على المنبر ، فسمعته يقول : « يا أيها الناس إنكم غدا موقوفون بين يدي الله ، ومسئولون ، فليتق الله امرؤ ، ولينظر ما يعد لذلك الموقف ؛ فإنه موقف يخسر فيه المبطلون ، وتذهل فيه العقول ، ويرجع الأمر فيه إلى الله ؛ لتجزى كل نفس بما كسبت ، إن الله سريع الحساب ، بادروا آجالكم بأعمالكم ، قبل أن تخترموا دون آمالكم » ثم نحب وهو على المنبر ، فرأيت دموعه تنحدر على لحيته.
حكمــــــة
عن أبي سعد قال : سمعت الحجاج ، يخطب يوما وهو على المنبر يقول : « يا ابن آدم بينما أنت في دارك وقرارك ، إذ تسور عليك عبد يدعى ملك الموت ، فوضع يده من جسدك موضعا ، فذل له ، فاختلس روحك ، فأخذه ، فذهب به . ثم قام إليك أهلك ، فغسلوك وكفنوك ، ثم حملوك إلى قبرك فدفنوك ، ثم رجعوا ، فاختصم فيك حبيباك : حبيبك من أهلك ، وحبيبك من مالك فاتق الله ؛ فإنك اليوم تأكل ، وغدا تؤكل » . قال أبو سعد : ثم نعر نعرة ، فظننت أنه الموت به . ثم نظرت إلى عينيه تسكبان ، حتى نظرت إليه يتلقى دموعه بعمامته ، ثم ينزل ، فيفتل قال : وصعد المنبر ، فاستسقى ، وقد استسقى قبل ، قال : فلما كان في ذلك اليوم استسقى ، فلا والله ما نزل عن المنبر حتى مطر . فاستقبل القبلة وصلى ، وسقط رداؤه . قال : وبكى لما أجيب ، ثم أقبل بوجهه فقال : « أيها الناس ، إن العبد يسأل ربه الحاجة ، وطلبها إليه ، ومن أمر ربه أن يجيبه فيها ، فيطول الله عليه ؛ ليكون إذا أعطاها إياه أشد لشكره ، وإني أقسمت عليكم بالله لما صمتم شكرا » ثلاثا ، ثم خرج.
حكمــــــة
دخل عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز وهو جالس على سرير ، فحمد الله ، وأثنى عليه ثم أخذ في موعظته الطويلة ، فنزل عمر عن سريره حتى استوى بالأرض ، وجثا على ركبتيه ، وابن الأهتم يقول : « وأنت يا عمر وأنت يا عمر من أولاد الملوك ، وأبناء الدنيا الذين ولدوا في النعيم ، وغذوا به ، لا يعرفون غيره » وعمر يبكي ويقول : هيه هيه ابن الأهتم هيه ، فلم يزل يعظه وعمر يبكي ، حتى غشي عليه.
حكمــــــة
عن عقيبة بن فضالة قال : دخلت على سعيد بن دعلج وبين يديه رجل يضرب ، فقلت : أصلح الله الأمير أكلمك بشيء ، ثم شأنك وما تريد . قال : فأمر به فأمسك عنه ، فقال : هات كلامك . قال : فهبته والله ، ورهبت منه رهبة شديدة ، ثم قلت : إنه بلغني أصلح الله الأمير أن « العباد يوم القيامة ترعد فرائصهم في الموقف خوفا من شر ما يأتي به المنادي للحساب وإن المتكبرين يومئذ لتحت أقدام الخلائق قال : فبكى ، فاشتد بكاؤه ، فأمر بالرجل فأطلق . قال : فكنت إذا دخلت عليه بعد ذلك قربني وأكرمني قال : وقال لي يوما وقد دخلت عليه : ويحك يا عقيبة ما ذكرت حديثك إلا أبكاني قال : ثم بكى ».
حكمــــــة
عن رياح بن عبيدة الباهلي قال : كنت قاعدا عند عمر بن عبد العزيز ، فجاء أعرابي فقال : يا أمير المؤمنين ، جاءت بي الحاجة ، وانتهيت الغاية والله سائلك عني يوم القيامة . قال : « ويحك أعد علي » فأعاد عليه ، فنكس عمر رأسه ، وأرسل دموعه ، حتى ابتلت الأرض ثم رفع رأسه فقال : « ويحك كم أنتم ؟ » قال : أنا وثلاث بنات لي ففرض له على ثلاثمائة ، وفرض لبناته على مائة ، وأعطاه مائة درهم ، وقال له : « هذه المائة أعطيتك من مالي ، ليس من أموال المسلمين اذهب فاستنفقها حتى تخرج أعطيات المسلمين فتأخذ معهم ».
حكمــــــة
عن عبيدة بن حسان السنجاري : أن رجلا من أهل أذربيجان أتى عمر بن عبد العزيز ، فقام بين يديه فقال : يا أمير المؤمنين اذكر بمقامي هذا مقاما لا يشغل الله عنك فيه كثرة من يخاصم ، يوم تلقاه بلا ثقة من العمل ولا براءة من الذنب . فبكى عمر بكاء شديدا ، ثم قال : « ويحك اردد علي كلامك هذا » . فجعل يردده ، وعمر يبكي وينتحب ، ثم قال : « حاجتك » قال : إن عامل أذربيجان عدا علي فأخذ مني اثني عشر ألف درهم فجعلها في بيت مال المسلمين . فقال عمر : « اكتبوا له الساعة إلى عاملها حتى يرد عليه ».
حكمــــــة
لما أراد أبو جعفر بيت المقدس ، نزل براهب كان ينزل به عمر بن عبد العزيز إذا أراد بيت المقدس ، فقال : يا راهب ، أخبرني بأعجب شيء رأيته من عمر بن عبد العزيز قال : نعم يا أمير المؤمنين . بينا عمر عندي ذات ليلة على سطح غرفتي هذه وهو من رخام وأنا مستلق على قفاي ، فإذا أنا بماء يقطر من الميزاب على صدري ، فقلت : والله ما عندي ماء ، ولا رشت السماء مطرا . فصعدت « فإذا هو ساجد ، وإذا دموع عينيه تنحدر من الميزاب ».
حكمــــــة
عن مكحول قال : « رأيت سيدا من ساداتكم دخل الطواف ، فقلت : لأنظرن ما يصنع ، فقلت : من هو ؟ قال : سيد من بيننا ، ودخل ، فقام في الزاوية التي فيها الركن الأسود قدر . . . أربعين آية ، ثم تحول إلى الزاوية التي من ناحية الحجر ، ففعل مثل ذلك ثم تحول إلى الزاوية التي ما يلي الدرجة ، ففعل مثل ذلك . ثم تحول إلى الزاوية التي فيها الركن اليماني ، ففعل مثل ذلك ، ثم قام على الرخامة الحمراء حيال الجزعة ، فصلى ركعتين من أحسن الناس صلاة ، فسمعته يقول وهو ساجد : » اللهم اغفر لي ذنوبي ، وما قدمت ، وما قدمت يداي « ثم بكى حتى بل المرمر.