قول الله تعالى : ﴿ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ... ﴾ .
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
قول الله تعالى: ﴿ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً... ﴾. إلى قوله: ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ﴾.
----------------
المعنى الإجمالي للآيات: أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنكر على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء من قبله، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، ويحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده أن يكفروا به، ولكن الشيطان يريد أن يضل هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الهدى والحق ويبعدهم عنه، وإذا دعي هؤلاء إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا إعراض استكبار وتمنع ــ فماذا يكون حالهم وصنيعهم إذا نزلت بهم المصائب واحتاجوا إلى الرسول في ذلك؟ ! ليدعوا الله لهم ويحل مشاكلهم ــ وجاءوهم يعتذرون عما صدر منهم بأنهم لم يريدوا مخالفته في عدو لهم إلى غيره، وإنما أراد الإصلاح والتأليف بين الناس. فيبدون هذه الأعذار الباطلة ليبرروا فعلهم حينما يفتضحون.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
وقوله تعالى: ﴿ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ﴾. الأعراف (56)
----------------
﴿ ولا تفسدوا ﴾ الإفساد على قسمين: القسم الأول: إفساد حسي مادي، وذلك مثل هدم البيوت، وإفساد الطرق، وما أشبه ذلك. القسم الثاني: إفساد معنوي، وذلك بالمعاصي، فهي من أكبر الفساد في الأرض، قال تعالى: ﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ﴾.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
وقوله تعالى: ﴿ أفحكم الجاهلية يبغون ﴾. المائدة (50)
----------------
أول الآيات: ﴿ وإن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون ﴾. ﴿ أفحكم الجاهلية يبغون ﴾ المراد بالاستفهام هنا الإنكار والتوبيخ. ﴿ يبغون ﴾ يريدون.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). قال النووي: ” حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح “. ورواه ابن أبي عاصم في السنة (1 / 121) والبغوي في شرح السنة (1 / 213) والخطيب البغدادي (4 / 269) ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ شواهد هذا الحديث في القرآن كثيرة: قال تعالى: ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ﴾. وقال تعالى: ﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾. وقال تعالى: ﴿ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ﴾. هذا الحديث أعله ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) قال: ” تصحيح هذا الحديث بعيد من وجوه “. وضعفه الألباني. وصحح الحديث الشيخ فريح البهلال في كتابه (تخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد) وقال: ” والحاصل أن حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى...) حسن أو صحيح سنداً ومتناً “. (لا يؤمن أحدكم) أي لا يحصل له الإيمان الواجب، ولا يكون من أهله. (حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) هواه: ما يهواه، أي تحبه نفسه وتميل إليه، فإن كان الذي يحبه وتميل إليه نفسه ويعمل بها، تابعاً لما جاء به الرسول لا يخرج عنه إلى ما يخالفه، فهذه صفة أهل الإيمان المطلق. وإن كان بخلاف ذلك أو في بعض أحواله أو أكثرها، انتفى عنه من الإيمان كماله الواجب. وقد سمى الله الهوى المخالف لما جاء به الرسول إلهاً فقال: ﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴾. قال ابن رجب: ” أما معنى الحديث: أن الإنسان لا يكون مؤمناً كامل الإيمان، حتى تكون محبته تابعة لما جاء به رسول الله من الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به ويكره ما نهي عنه “.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
قال الشيخ الشعبي: ” كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهناً من جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت: ﴿ ألم تر إلى الذين يزعمون... ﴾ الآية.
----------------
يخبر الشعبي رحمه الله تعالى في هذا الأثر أن رجلاً من المنافقين ورجلاً من اليهود قد حصل بينهم نزاع، فطلب اليهودي التحاكم إلى رسول الله بنزاهته وعدله وابتعاده عن قذارة الرشوة ودناءتها، أما المنافق فطلب التحاكم إلى اليهود لعلمه أن اليهود يأخذون الرشوة، وأنه يريد أن يرشوهم فيصل إلى ما يريد بالباطل، وبعد ذلك اتفقا الطرفان على أن يترافعا إلى كاهن من جهينة، فأنزل الله فضيحتهم في كتابه الذي ينشر عارهم وخزيهم إلى يوم القيامة.
حديث شريف
شرح كتاب التوحيد للهيميد
وقيل نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله: أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله. (هذا الأثر رواه ابن جرير وابن المنذر ونحوه).
----------------
(كعب بن الأشرف) طاغوت من رؤساء اليهود وعلمائهم. ذكر بن اسحاق وغيره أنه كان موادعاً للنبي في جملة من وادعه من يهود المدينة، فلما قتل أهل بدر شق ذلك عليه وذهب إلى مكة ورثاهم لقريش، وفضّل دين الجاهلية على دين الإسلام، ثم رجع إلى المدينة فأخذ ينشد الأشعار يهجو بها رسول الله، فقال النبي: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ ـ وذكر قصة قتله ـ وقتله محمد بن مسلمة، وأبو نائلة، وأبو عيسى بن جبير، وعباد بن بشر ـ رضي الله عنهم.