مفهوم الحج والعمرة
مفهوم الحج والعمرة:
الحج لغة: القصد مطلقاً، وعن الخليل قال: الحج: كثرة القصد إلى من تعظمه.
وشرعاً: قصد الكعبة لأداء أفعال مخصوصة، أو هو زيارة مكان مخصوص في زمن مخصوص بفعل مخصوص.
والزيارة: هي الذهاب.
والمكان المخصوص: الكعبة وعرفة.
والزمن المخصوص: هو أشهر الحج: وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، ولكل فعل زمن خاص، فالطواف مثلاً عند الجمهور: من فجر النحر إلى آخر العمر، والوقوف بعرفة: من زوال الشمس يوم عرفة لطلوع فجر يوم النحر.
والفعل المخصوص: أن يأتي مُحرماً بنية الحج إلى أماكن معينة.
تاريخ مشروعية الحج والعمرة:
على الصحيح: أن الحج فرض في أواخر سنة تسع من الهجرة، وأن آية فرضه هي قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [آل عمران: 97] نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع وهو رأي أكثر العلماء، وأنه صلّى الله عليه وسلم لم يؤخر الحج بعد فرضه عاماً واحداً، وإنما أخره عليه السلام للسنة العاشرة لعذر، وهو نزول الآية بعد فوات الوقت، فكان حجه بعد الهجرة حجة واحدة سنة عشر، كما روى أحمد ومسلم.
والعمرة لغة: الزيارة، وقيل: القصد إلى مكان عامر، وسميت بذلك؛ لأنها تفعل في العمر كله. وشرعاً: قصد الكعبة للنسك وهو الطواف والسعي. ولا يغني عنها الحج وإن اشتمل عليها.
مكانة الحج والعمرة في الإسلام وحكمتهما:
الحج: هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فرضه الله تعالى على المستطيع، والعمرة مثله، فهما أصلان عند الشافعية والحنابلة، لقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196].
وهي سنة عند المالكية والحنفية، وقد اعتمر النبي صلّى الله عليه وسلم أربع عُمَر كلهن في ذي القعْدة إلا التي مع حَجَّته.
الأولى من الحديبية سنة ست من الهجرة.
والثانية سنة سبع وهي عمرة القضاء.
والثالثة سنة ثمان عام الفتح.
والرابعة مع حجته سنة عشر، وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة.
مكانة الحج بين سائر العبادات:
قال القاضي حسين من الشافعية: الحج أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن، وقال الحليمي: الحج يجمع معاني العبادات كلها، فمن حج فكأنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط في سبيل الله وغزا، ولأنا دعينا إليه، ونحن في أصلاب الآباء كالإيمان الذي هو أفضل العبادات.
والراجح عند الشافعية والحنابلة أن الصلاة أفضل منه؛ لأن الصلاة عماد الدين.
الحج والجهاد؟
اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها، فتارة تجعل الأفضل الجهاد، وتارة الإيمان، وتارة الصلاة، وتارة غير ذلك، من هذه الأحاديث: حديث الشيخين عن أبي هريرة قال: «سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله وبرسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور»، ومنها حديث الجماعة إلا أبا داود عن أبي هريرة أيضاً: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» والمبرور: المقبول، ورجح النووي أنه الذي لا يخالطه شيء من الإثم.
قال الشوكاني في نيل الاوطار[1]:
وأحق ما قيل في الجمع بين الأحاديث: أن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب، فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال، وقوة مقارعة الأبطال، قيل له: أفضل الأعمال: الجهاد، وإذا كان كثير المال، قيل له: أفضل الأعمال: الصدقة، ثم كذلك يكون الاختلاف على حسب اختلاف المخاطبين.
وقال المالكية: الحج ولو تطوّعاً أفضل من الجهاد، إلا في حالة الخوف من العدو، فيفضل الجهاد على حج التطوع.
الحج والحكمة منه:
للحج حكم ومحاسن وأسرار كثيرة أهمها:
1- الحج مظهر عملي للأخوة والوحدة الإسلامية.
حيث تذوب في الحج فوارق الأجناس والألوان واللغات والأوطان والطبقات، وتبرز حقيقة العبودية، والأخوة الإيمانية.
فالجميع بلباس واحد.. يتجهون لقبلة واحدة.. ويعبدون إلهاً واحداً.
2- الحج مدرسة الإيمان والأعمال الصالحة.
يتعود فيها المسلم على الصبر والرحمة والتواضع، ويتذكر فيها اليوم الآخر وأهواله، ويستشعر فيه لذة العبودية لله، ويعرف عظمة ربه، وافتقار الخلائق كلها إليه.
3- في الحج إظهار العبودية، وشكر النعمة.
ففي الإحرام يُظهر الحاج التذلل للمعبود بالشعث، ويتصور بصورة عبد سخط عليه مولاه، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه ورحمته إياه، وفي عرفة يقف بمنزلة عبد عصى مولاه، فوقف بين يديه متضرعاً إليه، معظماً له، حامداً له، مستغفراً لزلاته، مستقيلاً لعثراته.
وفي الطواف بمنزلة عبد معتكف بباب مولاه، لائذ بجنابه، حتى يقضي حاجته.
وفي الحج شكر لنعمة العافية والغنى، وباستعمالهما في طاعة المنعم.
4- في الحج تذكير بأحوال الأنبياء والمرسلين.
في عبادتهم، ودعوتهم، وأخلاقهم، وجهادهم، وصبرهم، ورحمتهم.
وفيه توطين النفوس على ترك المحبوب لما هو أحب منه بفراق الأهل والأولاد والأموال طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
5- الحج ميزان وبرهان يعرف به المسلمون أحوال بعضهم ما هم عليه من علم، أو جهل، أو غنى أو فقر، أو استقامة أو انحراف.
6- الحج موسم عظيم لكسب الأجور، وغسل الذنوب، وتكفير السيئات، ونزول الرحمات، وإغاثة اللهفات.
يقف فيه العبد مع جموع الحجاج بين يدي ربه، معظماً لربه، مقراً بتوحيده، معترفاً بذنبه، مظهراً عجزه عن القيام بحق ربه، فيتوب الله عليه ويغفر له، فيرجع من الحج نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه.
7- الحج مجمع عظيم يرى فيه المسلم إخوانه المسلمين من ذرية أبيه آدم، فيفرح ويستبشر بهم، ويفشي بينهم السلام، ويطعم الطعام، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويوصيهم بتقوى الله عز وجل.
8- الحج مجمع كبير للبر والمنافع والإحسان.
يدعو فيه الدعاة.. ويعلم فيه العلماء.. ويفتي فيه المفتون.. ويعظ فيه الواعظون.. ويتعارف فيه المؤمنون.
وينفق فيه الكرماء.. ويتصدق فيه الأغنياء.. ويطعم فيه الأسخياء.. فيؤدي الحجاج نسكهم على بصيرة، ويعودون إلى بلادهم بالهدى والعلم، والسنن النبوية، والأخلاق الإسلامية.
9- الحج مجمع أهل الإيمان والأعمال الصالحة.
تقوم فيه العبادة والدعوة والتعليم.. والتواصي بالحق.. وتحيا فيه السنن.. وتموت البدع.. ويتعلم فيه الجاهل.. ويتوب العاصي.. ويتذكر الغافل.. ويكرم فيه ضيوف الرحمن.
ومن الحكم والفوائد الحسنة للحج
والحج له فضائل كثيره كما ذكرنا وزيادة على ما سبق[2]:
يكفِّر الحج الذنوب الصغائر ويطهر النفس من شوائب المعاصي، وقال بعض العلماء كبعض الحنفية: والكبائر أيضاً، بدليل: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
فلا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، بل لا بد أن يدخل الجنة، ولقوله صلّى الله عليه وسلم أيضاً: «من حج، فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمُّه» أي بغير ذنب.
وقال عليه السلام: «الحجاج والعُمَّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» رواه عن أبي هريرة النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهم.
وقال أيضاً: «يُغْفَر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» رواه البزار والطبراني في الصغير، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم.
قال القاضي عياض: أجمع أهل السنة أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، ولا قائل بسقوط الدين، ولو حقاً لله تعالى، كدين الصلاة والزكاة.
فالحج يغفر الذنوب، ويزيل الخطايا إلا حقوق الآدميين، فإنها تتعلق بالذمة، حتى يجمع الله أصحاب الحقوق، ليأخذ كل حقه، ومن الجائز أن الله تعالى يتكرم، فيرضي صاحب الحق بما أعد له من النعيم وحسن الجزاء، فيسامح المدين تفضلاً وتكرماً، فلا بد من أداء حقوق الآدميين، أما حقوق الله فمبنية على تسامح الكريم الغفور الرحيم.
والحج يطهر النفس، ويعيدها إلى الصفاء والإخلاص، مما يؤدي إلى تجديد الحياة، ورفع معنويات الإنسان، وتقوية الأمل وحسن الظن بالله تعالى.
ويقوي الحج الإيمان، ويعين على تجديد العهد مع الله، ويساعد على التوبة الخالصة الصدوق، ويهذب النفس، ويرقق المشاعر ويهيج العواطف نحو بيت الله العتيق.
ويذكر الحج المؤمن بماضي الإسلام التليد، وبجهاد النبي صلّى الله عليه وسلم والسلف الصالح الذين أناروا الدنيا بالعمل الصالح.
والحج كغيره من الأسفار يعوِّد الإنسان على الصبر وتحمل المتاعب، ويعلمالانضباط والتزام الأوامر، فيستعذب الألم في سبيل الله تعالى، ويدفع إلى التضحية والإيثار.
وبالحج يؤدي العبد لربه شكر النعمة: نعمة المال، ونعمة العافية، ويغرس في النفس روح العبودية الكاملة، والخضوع الصادق الأكيد لشرع الله ودينه.
قال الكاساني في البدائع [3]:
في الحج إظهار العبودية وشكر النعمة، أما إظهار العبودية فهو إظهار التذلل للمعبود، وفي الحج ذلك؛ لأن الحاج في حال إحرامه يظهر الشعث ويرفض أسباب التزين والارتفاق، ويظهر بصورة عبد سخط عليه مولاه، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه. وأما شكر النعمة: فلأن العبادات بعضها بدنية وبعضها مالية، والحج عبادة لا تقوم إلا بالبدن والمال، ولهذا لا يجب إلا عند وجود المال وصحة البدن، فكان فيه شكر النعمتين، وشكر النعمة ليس إلا استعمالها في طاعة المنعم، وشكر النعمة واجب عقلاً وشرعاً.
ويمكن ادراج فوائد الحج الجماعية لعموم آلامه ومنها:
• فهو أنه يؤدي بلا شك إلى تعارف أبناء الأمة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم، وإمكان تبادل المنافع الاقتصادية الحرة فيما بينهم، والمذاكرة في شؤون المسلمين العامة، وتعاونهم صفاً واحداً أمام أعدائهم، وغير ذلك مما يدخل في معنى قوله تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28].
• ويُشعر الحج بقوة الرابطة الأخوية مع المؤمنين في جميع أنحاء الأرض المعبر عنها في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10] ويحس الناس أنهم حقاً متساوون، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
• ويساعد الحج على نشر الدعوة الإسلامية ودعم نشاط الدعاة في أنحاء المعمورة، على النحو الذي بدأ به النبي نشر دعوته بلقاء وفود الحجيج كل عام.
• تعليم الامة النظام والانضباط والاقتداء بإمام واحد والتوجه للمناسك بانتظام واوقات محدده وإدارة فاعلة للوقت.
وغيرها من الحكم والفوائد المتعددة والكثيرة لهذا المنسك العظيم في حياة الأمة تم ذكر ما سبق ونقله من المراجع التي سنذكرها لاحقا متمنيا للجميع الفائدة ولو بجزء يسير وتسليط الضوء على النزر اليسير حول الموضوع.
[1] نيل الاوطار للشوكاني ج4ص282 وما بعدها.
[2] الفقه الإسلامي للزحيلي ج3ص2067.
[3] بدائع الصنائع للكاساني ج2 ص118.
مختارات