النسمة السابعة - واشوقاه رسول الله - (5)
8. لكى تذوق حلاوة الإيمان: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كنٌ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» (صحيح كما في ص ج ص رقم 3044).
وهذه مكافأة يمنحها الله عز وجل لكل من آثر الله ورسوله على هواه.. فيحس أن للإيمان حلاوة تتضائل معه كل اللذات الأرضية، ولأن من أحب شيئا أكثر من ذكره، فكلما ازداد العبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبا كلما ازداد له ذكرا، ولأحاديثه ترديدا، ولسنته اتباعا ومع هذا كله تزداد
والله ما طلعت شمس ولا غربت *** إلا وأنت مني قلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم *** إلا وأنت حديثي بين جالسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش *** إلا رأيت خيالا منك في الكاس
9. وثيقة حبه.. وقعها بالدم:
ففي الطائف: وقف المشركون له صفين على طريقه، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعها إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه.
ومع بني عامر بن صعصعة: يعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام ويطلب النصرة، فيجيبونه إلى طلبه، وبينما هو معهم إذ أتاهم بيحرة بن فراس القشيري، فأثناهم عن إجابتهم له ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فالحق بقومك، فو الله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناقة فركبها، فغمزها بيحرة فألقت النبي صلى الله عليه وسلم من على ظهرها.
تصور حالته صلى الله عليه وسلم وقد قرب على الخمسين من عمره، ويسقط من ظهر الناقة ويتلوى من شدة الألم على الأرض، والارتفاع ليس بسيطا، إنه يسقط على بطنه من ارتفاع مرتين ونصف.
بينما النبي صلى الله عليه وسلم فى حجر الكعبة إذ أقبل عليه عقبة بت أبى معيط فوضع ثوبه على عنقه، فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر رضى الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [غافر: 28].
وغير ذلك: يوضع سلا الجزور على كتفه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وينثر سفيه من سفهاء قريش على رأسه التراب، ويتفل شقي من الأشقياء في وجهه صلى الله عليه وسلم.
صبر صلى الله عليه وسلم على ذلك كله لأنه يحبنا، أوذي وضرب وعذب، اتهم بالسحر والكهانة والجنون، قتلوا أصحابه، بل وحاولوا قتله، وصبر على كل ذلك كي يستنقذنا من العذاب ويهدينا من الضلال ويعتق رقابنا من النار.
وبعد كل هذا البذل والتعب؟! نهجر سنته، ونقتدي بغيره، ونستبدل هدى غيره بهديه؟!.
يا ويحنا.. وقد أحبنا وضحى من أجلنا لينقذنا، ودعانا إلى حبه لا لننفعه فى شيء بل لننفع أنفسنا فأين حياؤنا منه؟! بأي وجه سنلقاه على الحوض؟! بأي عمل نرتجي شفاعته؟! بأي طاعة نأمل مقابلته في الفردوس؟!.
مختارات