أنماط: (53) نمط الهدَّام
والهدَّام نمط موجود ومشاهد بيننا بشكل واضح.
إنه شخص اتخذ الهدم منهجاً، ونهش المخالف سلوكاً، وإسقاط من لا يعجبه سبيلاً وطريقاً.
إنه نمط لا يعرف الإعذار، ولا يقبل الأعذار، ولا يقيل عثرة لذوي الهيئات أو من دونهم، وهو لا يفرق بين من هو عدو مجرم مضل مبين يتدين المرء بالتحذير منه، وبين من هو بشر يخطئ ويصيب، وإذا بلغ الماء قلتين لا يحمل الخبث.
عنده الحل فقط هو الهدم ثم الهدم.
وله في ذلك وسائل وطرق تتكرر وتتقرر:
أحياناً يكون النيل من القدرات الفكرية والإمكانات العلمية.
وأحياناً يكون من خلال التشكيك في النية أو عن طريق الرمي بالمؤامرة الخفية.
وكثيراً ما تكون الاتهامات بالأطماع الدنيوية والشهوات الدونية.
كل ذلك وغيره يرمي به المخالف ويسقط به المعارض وتتعدد الاتهامات والمآل واحد.
الهدم ثم الهدم وحسب..
ومعلوم أن التأثير واقع سواء بالبناء أو بالهدم، وأن الهادم يترك أثرا كما يفعل الباني وإن كان الفارق شاسعا بين الأثرين، ومن البديهيات أن الهدم هينٌ يسير والجميع يجيدونه، حتى الطفل الصغير يمكنه بمجهود بسيط أن يكسر أغلى الأشياء وأنفسها قدرا ولكن البناء أصعب بلا شك وليس الكل يجيده، بل ربما لا يريد أن يجيده.
قارن بين المجهود والإبداع اللازم لإقامة صرح أو رفع بنيان أو بذل شىء ينفع الناس، وبين المجهود اللازم لنقض أي من ذلك وهدمه أو تحطيمه، وعندئذ سيتضح لك الفارق جليًا.
فلماذا تتعب نفسك أيها الهادم في البناء بينما التحطيم أسهل تأثيراً وأكثر صخباً؟!
لماذا تنفق جهدك في تشييد ما ينفع أو إصلاح ما تكسر، بينما تستطيع بسهولة ويسر أن تكسر المزيد والمزيد؟!
لماذا توقد شمعة بينما تستطيع ببساطة أن تلعن الظلام؟!
هكذا يفكر الهادم.
وهكذا يستسهل الطريق.
وهكذا يصور له شيطانه كثيرًا أنه سيحل محل من هدمهم ويقوم مقام من أسقطهم.
والرسالة الضمنية: دعكم من هؤلاء جميعًا.. أنا هنا.. إليَّ فهلمُّوا..وعلى دربي فسيروا.. وغيري فلا تقربوا.. ولسواي لا تسمعوا..
فالمصيب الوحيد هو أنا ومن كانوا على دربي، أما الآخرون فهيا اصطفوا معي لنهدمهم ولنجلس أخيرًا مكانهم.
وينسى صاحبنا أن الذي يخفض ويرفع ليس هو ولا ملء الأرض من مثله ولكن من يفعل ذلك هو رب العالمين، وهو وحده القادر على غرس القبول لدعوة أو فكرة أو شخص أو هدمها إن شاء.
{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّـهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16].
فيا صديقي الهدام لو أنك تنشغل بأداء ما عليك وتجتهد في العمل والبناء بصدق ثم تترك النتائج لمن يخفض ويرفع ومن بيده الضر والنفع لارتحت وأرحت.
لو أنك يا عزيزي تجرب يومًا أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك وأعظم ذلك هو حبك للهداية لما يرضي الله وصلاح الحال فتشرع في نصح أخيك بدلاً من هدمه، ومحاولة إصلاحه بدلاً من إسقاطه، فثق أن الله بإذنه تعالى لن يخيب سعيك، ولن يضيع جهدك، وستجد ثمرة ذلك على قلبك وعملك وفي عقلك، وستستبدل تلك المشاعر السوداء في صدرك بالطمأنينة والرضا وحب الخير للناس.
أما لو اخترت دومًا أن يكون أثرك عن طريق الهدم وظللت على هذا الحال من عدم التفريق بين من يستحق الإسقاط لشناعة جرمه وبين عثرة تقال وزلة تُعذَر وخطأ يُغتَفَر فصدقني لن ينالك إلا اللهاث، وسيعمي عينيك غبار الهدم حتى لا تلحظ ذلك المعول يأتي من خلفك تحمله يد أولئك الذين تعلموا منهجك واقتفوا أثرك ثم أتوا ليطبقوا ما تعلموه منك عليك، وليُعمِلوا في جسدك معاول أنت أهديتهم إياها، وليُسقِطوا بها بنيانك مع أول زلة.
وصدقني ستَزَلّها لا محالة فما أنت إلا ابنٌ لآدم، وبنو آدم خطاؤون..
مختارات