اسم الله الرؤوف 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الرؤوف ) :
أيها الأخوة الأكارم ، لازلنا في مع اسم الرؤوف .
من امتلأ قلبه رحمة ورأفة أحسن إلى الناس فارتقى إلى الله عز وجل :
هذا الاسم ما أثره في المؤمن ؟ أو ما علاقة المؤمن بهذا الاسم ؟ العلماء قالوا : ينبغي أن يمتلئ قلب المؤمن بالرحمة والرأفة التي تشمل عامة المسلمين وخاصتهم ، هذا القلب إذا امتلأ رحمة أحسن إلى الخلق فارتقى الإنسان إلى الله ، والقاعدة الدقيقة أنك إذا اتصلت بالله اكتسبت منه الرحمة ، فانعكست الرحمة في المعاملة ليناً ، فالتف الناس حولك ، وسعدوا بك ، وسعدت بهم ، وارتقيت بهم وارتقوا بك ، فكان المصير الجنة التي خلقت من أجلها ، وإذا كان العبد منقطعاً عن الله عز وجل امتلأ القلب قسوة ، وانعكست القسوة غلظة ، فانفض الناس من حولك ، ولم تحقق الهدف الذي خلقت من أجله .
محبة الطفل أودعها الله في قلب أمه وأبيه وهي في الحقيقة محبة الله :
لذلك لئلا يتوهم الإنسان أنه يرحم أولاده ، رحمة الأولاد أودعها الله في الإنسان كطبع ، هل يعقل أن يصدر قرار من حكومة بإلزام المؤمنين بتناول طعام الإفطار ؟ تناول طعام الإفطار طبع في الإنسان ، من أجل أن تسير الحياة ، من أجل أن يربى الصغار ، جعل الله محبة الصغار والعناية بهم طبعاً في الإنسان ، لكن الرحمة التي نقصدها في هذا المقام رحمة عامة ، أن ترحم الخلق جميعاً ، أن ترحم إنساناً لا ينتمي إليك ولا تنتمي إليه ، أن ترحم طفلا ليس ابنك ، بطولة المؤمن أن الرحمة التي في قلبه ، والتي اشتقها من الله رحمة عامة ، تشمل جميع الكائنات والمخلوقات ، الرحمة الخاصة الله عز وجل أودعها فيك شئت أم أبيت ، أي كملاحظة لو شخص زار مستشفى أطفال يأخذه العجب ، السافرة تبكي ، والمحجبة تبكي ، والمتعلمة تبكي ، والجاهلة تبكي ، والغنية تبكي ، والفقيرة تبكي ، محبة الطفل أودعها الله في قلب أمه وأبيه ، بل هي في الحقيقة محبة الله : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " [طه:39] .
الرحمة العامة تقتضي أن تعامل الناس معاملة واحدة :
أما الحديث الآن ليس عن رحمة أودعها الله في قلوبنا جميعاً ، الحديث عن رحمة اشتققناها من الله عز وجل ، هذه الرحمة نرحم بها كل الخلق ، يعني للتوضيح يوجد في البيت خادمة وهناك ابنتك ، الرحمة العامة تقتضي أن تعامل هذه الخادمة كما تعامل ابنتك ، بالبيت هناك ابنتك وزوجة ابنك ، الرحمة العامة تقتضي أن تعامل زوجة ابنك كما تعامل ابنتك،الأمثلة كثيرة،لذلك ورد في بعض الأحاديث : " الراحمون يرحمهم الرحمن " [الترمذي] .
" إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي " [الديلمى] .
" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " [الترمذي] .
الوسيلة الفعالة للتقرب إلى الله أن تشتق منه كمالاً تتقرب به إليه :
كنت أقول دائماً الوسيلة الفعالة للتقرب إلى الله أن تشتق منه كمالاً تتقرب به إليه ، إن اتصلت به تشتق الرحمة ، تقرب إلى الله بأن ترحم خلقه ، أن ترحم الضعيف ، لذلك من أدق الأحاديث الشريفة التي أرى أن فيها الخلاص للمسلمين : " هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ " [البخاري] .
إن أطعمت الضعيف ، سقيت الضعيف ، كسيت الضعيف ، نصرت الضعيف ، آويت الضعيف ، علمت الضعيف ، زوجت الضعيف ، أنصفت الضعيف ، يكافئك الله مكافأة من جنس عملك ، ينصرك على من هو أقوى منك ، والله عز وجل يقول في شأن عباده الموحدين المؤمنين الذين وحدوه باسم الرؤوف : " ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ " [الحديد:27] .
دققوا : " وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً " [الحديد:27] .
الرأفة في غير موضعها هلاك ودمار :
أيها الأخوة ، ولكن لابدّ من تنبيه دقيق ، لابد أن تكون الرأفة في موضعها ، فالرأفة في غير موضعها دمار ، وهلاك ، يعني عندك ابن تحبه كثيراً معه التهاب معدي حاد ، الطبيب أمرك أن تمنعه عن الطعام إلا الحليب لسبعة أيام ، الطعام في البيت يحبه الصغير ، و أنت تحب ابنك كثيراً ، فإذا أشفقت عليه ، ولم تتقيد بتعليمات الطبيب ، انقلبت هذه الحالة المرضية في المعدة إلى قرحة ، والقرحة تحتاج إلى عمل جراحي ، فكان من الممكن أن يشفى ابنك بحمية فقط ، الآن في عمل جراحي وله مضاعفات ، فالرأفة في غير موضعها هلاك ، ودمار ، لذلك ينبغي أن تكون الرأفة في موضعها : " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ " [النور:2] .
إن آمنتم أن الله حكيم ، وعدل ، ورحيم ، وأن هذا الحد لصالح المؤمنين ، لصالح المسلمين جميعاً ، لصالح البشر جميعاً ، لذلك قالوا : القتل أنفى للقتل .
بطولة الإنسان أن يعرف متى يجب أن يرحم ومتى ينبغي أن يقسو :
هناك ملاحظة الغرب أحياناً يتسامح مع جرائم كثيرة جداً أخلاقية ، أن الإنسان حر ، هذه الحرية الغير المنضبطة ، الحرية أن تعتدي على أعراض الآخرين ، الحرية أن تفسد الفتيات باسم الحرية ، معنى ذلك أن المجتمع بأكمله يمشي في طريق الهاوية : " وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ " [النور:2] .
تماماً كسلة فيها فواكه ، فالحبة الفاسدة بعد حين تفسد مئة حبة حولها ، فالبطولة أن تعرف متى يجب أن ترحم ، ومتى ينبغي أن تقسو : " وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ " [النور:2] .
التسامح في غير موضعه دمار وهلاك :
التسامح في غير موضعه دمار وهلاك ، والأمثلة لا تعد ولا تحصى ، وأوضح مثل : عندما تتسامح الأم الجاهلة مع ابنها في مواقف ينبغي أن تكون فيها حازمة ، تسامح الأم الجاهلة مع ابنها في مواقف تجعله منحرفاً ، تجعله سارقاً ، تجعله معتدياً .
سيدنا عمر يروى أن بعض أصحابه شكوا شدته فبكى الذي نقل هذه الشكوى ، سيدنا أبو ذر قال : والله يا أبا ذر لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه ، ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى .
أنت تتصور أب يحب أولاده ما درسوا أبداً ؟ لم يعاقبهم ، ولم يقسُ عليهم ، فلما كبروا لا شهادة ، ولا علم ، ولا وظيفة ، ولا زواج ، ولا بيت ، ولا حرفة ، فنقموا عليه ، الأب الآخر الشديد الدقيق الذي قسا على أولاده في مرحلة ما فأصبحوا بمراتب عالية ، هؤلاء الأولاد يثنون على أبيهم ، لولا تربيته الحازمة ، لولا قسوته أحياناً لما كنا بهذا المقام .
" ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً " [البيهقي] من هؤلاء الثلاثة الديوث،من هو؟ الذي لا يبالي من دخل على أهله .
هناك تساهل ، أعطى أهله حرية كاملة ، قد يزورهم أجنبي في غيبته ، وقد يقع حب ، وقد يتطور هذا الحب إلى خيانة ، هناك ضوابط لابدّ منها : " ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر " [البيهقي] .
تزويد الله عز وجل الإنسان بمقومات التكليف لرأفته به :
أيها الأخوة ، الله عز وجل أعطانا عقلاً وأعطانا فطرة ، وسخر هذا الكون لنا ، وأنزل على نبيه الكتاب ، أعطانا شهوة ، أعطانا حرية ، أعطانا تكليفاً ، أعطانا وحياً ، كون ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله ، عقل أداة أساسية لمعرفة الله ، فطرة خصيصة في الإنسان يكشف بها خطأه، منهج ، كتاب مشروح بكلام سيد الخلق ، حرية اختيار ، أعطانا مقومات التكليف ، ومع ذلك ، لأنه رؤوف بنا ، لأنه رحيم بنا ، يؤدبناً أحياناً ، يعالجنا ، يسوق لنا بعض الشدائد ، يخوفنا أحياناً ، هذه رحمته دقق في الآية : " فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ "[الأنعام:147] يعني تقتضي رحمته الواسعة أن لا يرد بأسه عن القوم المجرمين .
الاتصال بالله عز وجل يملأ القلب رأفة و رحمة :
لذلك هذا الذي يتحدث عنه العالم ، أي تساهل ؟ أي تسامح ؟ إلى أن أصبح المجتمع منحل الأخلاق ، منحرف السلوك ، يشقى الإنسان إذا انحرف ، إذاً رغم أن الله أعطانا كوناً ، وعقلاً ، وفطرة ، وشهوة ، وحرية ، ومنهجاً ، وتكليفاً ، ربانا ، وعالجنا ، وساق لنا من الشدائد ما يحملنا بها على التوبة ، هذا شأن المؤمن الذي اتصل بالله وامتلأ قلبه رحمة ورأفة ، يضع حدوداً ويضع منظومة قيم لمن حوله ، ولا يتساهل حتى يصبح الذين حوله في أعلى عليين .
يروى أنه سيدنا معاوية قال لعمرو بن العاص : يا عمر ما بلغ من دهائك ؟ قال : والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه ، فقال له : يا عمرو لست بداهية ، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه .
يعني أنت إذا امتلأ القلب رحمة ورأفة تبتعد عن احتمال الخطأ كثيراً لك ولمن حولك ، فكلما امتلأ القلب رأفة ورحمة بمن حولك تبعدهم عن احتمال الخطأ .
شخص عمره ثلاث وسبعون سنة ، ما دخل مخفراً ، آخذ احتياطاً بعلاقاته المالية ، بعقوده، البطولة أن تبتعد عن أسباب الخطأ .
من رحمة الله بالإنسان أنه إذا أخطأ في الاختيار أدبه :
الله عز وجل رؤوف معنى رؤوف أن هذا العبد مخير ، فلو اختار السوء لأدبه الله من شدة الرأفة والرحمة ، يعني هناك من يقول حر أنا ، بينت له ليفعل ما يريد ، هذا يقوله إنسان غريب أما الأب لا يقول هذا ، لو أنه شركة طلبت موظفاً أعطته مهلة ستة أشهر للتجريب ، مهمة الشركة أو مدير الشركة أن يحصي على هذا الموظف أخطاءه فقط ، فإذا تراكمت طردوه ، لو كان هذا الموظف ابن صاحب الشركة ، الموضوع آخر ، ليس الموضوع موضوع إحصاء أخطاء ، موضوع رأفة ورحمة ، فكلما أخطأ يأتي به أبوه إلى مكتبه هذا خطأ يا بني افعل كذا ، تقتضي رحمة الأب أن ينبه ابنه على أخطائه ، ليتخلص منها لا أن يحصي عليه أخطاء ، هناك فرق ، فلذلك من رحمة الله بنا أننا إذا أخطأنا في الاختيار أدبنا ، ضيق علينا ، شدد علينا ، أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي وتضيقي وتكدري على أوليائي حتى يحبوا لقائي .
" وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه ، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه " [ورد في الأثر] .
أكبر كسب يناله الإنسان أن يصل إلى القلب السليم قبل موته :
تأديب الله لنا إذا أوصلنا قبل الموت إلى قلب سليم هذا أكبر كسب يناله الإنسان ، لقوله تعالى : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] .
ورد في بعض الآثار القدسية :
" إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري ، أهل مودتي ، أهل شكري ، أهل زيادتي أهل معصيتي ، الله رؤوف رحيم ، رؤوف رحيم ، لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " [رواه البيهقي والحاكم] .
" إني والإنس الجن لفي نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إليّ بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إليّ ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي ـ الله رؤوف رحيم ـ أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب ، والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها ، وأزيد ، والسيئة بمثلها ، وأعفو ، وأنا أرأف بالعبد من الأم بولدها " [ورد في الأثر] .
أي إن تابوا فأنا رؤوف بهم ، رحيم بهم ، وإن لم يتوبوا فأنا رؤوف بهم ورحيم بهم .
من دلائل رحمته جلّ جلاله أنه يصون عباده عن موجبات عقوبته :
قال ومن دلائل رحمته جلّ جلاله أنه يصون عباده عن موجبات عقوبته .
أحيانا الأب وضع نظام الابن ما طبقه ، فاستحق عقوبته ، لكن الأب الأكمل يمنع ابنه من عمل يستوجب عقوبته ، أو الطبيب الناجح يمنع مريض من أكلة تستوجب عملاً جراحياً ما أوصله إلى هذا ، يعني إذا عصم الله عباده عن عمل يوجب لهم عقاباً رحمة بهم فهذا أعلى درجة من الرحمة ، أي حال الله بينه وبين معصية تستوجب عقاباً .
قال بعض العارفين بالله : ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء .
فالمؤمن ينظر بنور الله ، هذه النعمة أحياناً سبب هلاك الإنسان يحجبها عنه : " وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " [الشورى:27] .
إذاً ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك ، يعني أحياناً الدنيا العريضة يمكن أن تكون حجاباً بين العبد ربه ، وأحياناً بعض ألوان الشدة يمكن أن تسوق العباد إلى باب ربهم فيسعدوا بقربه ، وما خلق الله الإنسان ضعيفاً إلا ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره ، ولو خلقه قوياُ لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه .
رأفة الله عز وجل بالعباد تقتضي أن يؤدبهم إذا اتجهوا إلى غيره :
الآن من رأفة الله بنا أنك إذا توجهت إلى غيره ، واعتمدت على غيره ، ووضعت الأمل بغيره ، يؤدبك حتى تبقى معه ، حتى تبقى موحداً له ، حتى تبقى مقبلاً عليه ، حتى تبقى واثقاً به ، حتى تبقى متوكلاً عليه ، فأحياناً يأتي التأديب من الشرك الخفي ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله " [ورد في الأثر] .
أيها الأخوة ، النبـي عليـه الصــلاة والسـلام أمـره الله أن يقول : " قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً " [الأعراف:188] .
سيد الخلق وحبيب الحق أعلى إنسان في الأرض ، ومع ذلك لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً ، يعني أراد الله أن نتجه إليه ، أن نعتمد عليه ، أن نقبل عليه ، كي نسعد ، فرأفته تقتضي أنه يغار علينا ، يغار أن نتجه إلى غيره ، وإذا اتجهنا إلى غيره أدبنا ، لأنه رؤوف بنا ورحيم .
الحكمة من الشدائد التي يسوقها الله تعالى للإنسان تكشف يوم القيامة :
فملخص الملخص أن الإنسان في حياته الدنيا يسوق الله له بعض الشدائد ، يوم القيامة يكشف له عن حكمة الذي ساقه له من الشدائد ، أنا أقول دائماً إن لم تذب كالشمعة محبة لله على ما ساق لك من الشدائد يكون في إيمانك خلل ، الله عز وجل يقول : " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ " [آل عمران:147] .
فكل ما يساق للإنسان من شدة من أجل أن يستحق جنة عرضها السماوات والأرض ، وعندئذ تلخص علاقتك بالله يوم القيامة بكلمة واحدة : " وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ " [يونس:10] .
والحمد لله رب العالمين