استحباب أذكار الصباح والمساء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فيستحب للمسلم أن يواظب على أذكار الصباح والمساء كل يوم لقوله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ذلك فيفعله المسلم اقتداء بالسنة ولأن هذه الأذكار تربط المسلم بربه وتعلق قلبه به وتحصنه من الشياطين والشرور وتحصل بها العافية والسعادة. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يداوم عليها فكان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله في مصلاه حتى تشرق الشمس كما في صحيح مسلم.
إن المواظبة على أذكار الصباح والمساء تحفظ المسلم من شر ما خلق من الجن والناس وتحميه من جميع الجوانب وتقوي إيمانه وتقربه للمولى وتغفر ذنوبه المتكاثرة وتمح سيئاته وتزيد من حسناته وتنور بصيرته وتجعله حافظا لعهد ربه مخبتا له مظهرا لفقره وفاقته لرحمة خالقه ورضاه وتضمن له دخول الجنة بإذن الله.
وقد ورد في أذكار الصياح والمساء أذكار متنوعة وصفات متعددة منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن ومنها ما لا يصح فينبغي على المسلم استيعاب جميع الأذكار الثابتة لأن هذا مقام ذكر يليق به كثرة الثناء والحمد والمناجاة وإظهار الافتقار والإنابة ولا يكره الجمع بينها وإن أتى ببعضها لشغله أو تعبه أو نحوه فيجزئه وفعله حسن لأنه يصدق عليه أنه ذكر الله في هذه الساعة المهم لا يترك ذكر الله بالكلية ويكون من الغافلين اللاهين ويحرم من البركة والثواب. قال النووي: (اعلم أن هذا الباب واسع جدا ليس في الكتاب باب أوسع منه وأنا أذكر إن شاء الله تعالى فيه جملا من مختصراته فمن وفق للعمل بكلها فهي نعمة وفضل من الله تعالى عليه وطوبى له ومن عجز عن جميعها فليقتصر من مختصراتها على ما شاء ولو كان ذكرا واحدا).
وينبغي على الذاكر أن يأتي بالأذكار بتؤدة وتأن وتعقل وتفهم لينشرح صدره وتأنس روحه ويذوق حلاوة الإيمان ولا يليق به أن يهذها هذ الشعر فيسرع بذكرها من غير حضور قلب وتفهم حتى لا يصبح كلامه لغو لا فائدة فيه ومجرد عادة كحال بعض الناس.
والسنة أن يأتي بها بصوت منخفض بحيث يسمع نفسه ولا يجهر بها في حضرة الناس حتى لا يشوش عليهم ويؤذيهم كما قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
ولا يشرع رفع اليدين حال الإتيان بأذكار الصباح والمساء لأنه لم يرد في السنة ما يدل على استحباب ذلك فالسنة ترك رفع اليدين مطلقا سواء كان الذكر في الثناء والحمد أو الدعاء فينبغي على المسلم أن يقتدي بالسنة ويلزم القصد ولا يتكلف في الذكر والخير في اتباع من سلف.
والسنة أن يأتي بها منفردا فلا يشرع ذكرها مع الإمام أو جماعة المسجد لأن هذا الذكر لا يشرع فيه الاجتماع فينبغي على المسلم أن يذكرها بنفسه ولا يتقيد بجماعة وإنما يباح له متابعة غيره إذا كان جاهلا بنطقها على سبيل التعليم والتلقين. أما مجرد سماعها من الشيوخ من غير نطق بها عبر وسائل التقنية فلا يحصل له ثواب وفضل أذكار الصباح والمساء لأنه لم يأت بها وإن كان يحصل له نوع خشوع وترقيق قلب وتفكر.
وقد اختلف أهل العلم في وقتها فمنهم من قال أن أذكار الصباح تبدأ من طلوع الفجر إلى زوال الشمس وأذكار المساء تبدأ من زوال الشمس إلى غروبها وأول الليل، ومنهم من قال أن أذكار الصباح تبدأ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس وأذكار المساء من صلاة العصر إلى غروب الشمس ولعل هذا أقرب لقوله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ). والإبكار أول النهار والعشي آخره. وقوله تعالى: (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا). والبكرة أول النهار والأصيل هو ما بين العصر والمغرب. ولأن حديث نزول الملائكة وتعاقبهم على المسلمين في صلاتي الفجر والعصر المخرج في الصحيحين يشعر بفضل هاتين الصلاتين ويدل على شرف الذكر في هذا الزمان وتخصيصه بهما له مزية. ولأن إطلاق وقت الأذكار من طلوع الفجر إلى ثلث الليل الأول يستوعب غالب اليوم فلا يصبح حينئذ مزية لوقت معين وهذا يخالف قاعدة الشارع في توقيت الأعمال وتقييدها بزمن مخصوص. وهذا القول هو اختيار ابن القيم ووجهه ظاهر الرجحان.
وهذه الأذكار وقتها الشارع حال الصبح والمساء فلا تشرع إلا بها فإذا فات وقتها لم يشرع الإتيان بها وإنما يشرع الذكر المطلق في كل وقت فإذا أتى بها المسلم بعد انتهاء وقتها من غير عذر لم تجزئه على أنها من أذكار الصباح والمساء وإنما تكون ذكرا مطلقا.
وإذا انشغل الإنسان عنها بنوم ونحوه أو نسيها شرع له قضاؤها بعد وقتها كسائر النوافل الفوائت فإذا أشرقت الشمس أو غربت وزال عذره أتى بها لأنها عمل خير وذكر يحصنه وينال بركته وفيه صلة بالرحمن.
ولا يشترط للإتيان بها المسجد فهي غير مؤقتة بمكان معين فيشرع للمسلم ذكرها في الطريق والبيت والسوق وفي أي مكان غير مستقذر. والمرأة يشرع لها الإتيان بها في بيتها فإذا صلت الصبح والعصر أتت بها.
خالد بن سعود البليهد
مختارات