" الفرق بين السابق واللاحق "
" الفرق بين السابق واللاحق "
ورد في كتب التفاسير والسير أن جماعة قالوا في غزوة تبوك: ما رَأَيْنَا مثلَ قراءنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء، قال رجل: كذبت، ولكنك منافق، لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل في ذلك قرآن وهو قوله عز وجل: " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ " [التوبة: 65، 66] فأرسل صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر قائلًا: «أدرك القوم؛ فإنهم قد احترقوا، فاسألهم عمَّا قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا» فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكبٌ على راحلته، فقالوا: والله يا رسول الله إنما كُنَّا نخوض ونلعب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ".
قلت: انظر يا رعاك الله كم هو الفرق بين قول الفريقين وعملهم؛ أولئك سيوفهم على عواتقهم مجاهدون في سبيل الله مع رسول الله وفي صحبته وتحت لوائه، وقالوا كلمة سخرية بالقراء من المهاجرين والأنصار، ولم يذكر من ذكر القصة أنهم سَخِروا بالله أو آياته.
إلا أن مَنْ يَعْلَم السِّرَّ وأخفى جعلهم قد سخروا بمن آمن بالله وبكتابه ورسوله؛ فكأن السخرية كانت موجَّهةً إلى الله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكما هو واضح فالفرق بين الفريقين يتَّضح في الآتي:
أولا: قال: " قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ": أثبت لهم الإيمان فقرَّر مصيرهم بتلك الكلمة كلمة الكفر بعد الإيمان، وهم يقطعون الطريق مع بُعْدِ المفازة ومَشَقَّةِ السفر الطويل سيرًا على الأقدام، فَزَلَّت به القدم بتلك الكلمة ثم خرجوا بها من دائرة الإسلام؛ حيث قال: " قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ".
أما هؤلاء فقد كَذَّبوا رسول الله وزعموا أن دعوته كانت لغرض الملك وتشييد الدولة الهاشمية وتحقيق أمنية جده عبد المطلب، ومن سياق كلامهم أنهم لم يدخلوا إلى حظيرة الإسلام.
ثانيًا: انتقاصهم للخليفة الراشد عثمان بن عفان وزعمهم أنه لم يكن كفئًا للإمارة.
ثالثًا: كذبُهم الفاحش ورميُهم لسيف الله خالد بن الوليد بفاحشة الزنى، واتهام أبي بكر بالمداهنة حيث لم يقم الحد على خالد حسب زعمهم قاتلهم الله.
رابعًا: كذبُهم على مجتمع يثرب صفوة البشر الأخيار خير مجتمعات العالم قاطبة؛ ألا وهو مجتمع الصحابة الكرام، ورميُهم بالدعارة والبصبصة للنساء في مواسم الحج وغيره.
خامسًا: فرية الدكتور الوثني سيد القمني وتقريره بوجود آلهة سماوية وأرضية ذكرانًا وإناثًا.
فإذا كان نفرٌ من الصحابة وهم مجاهدون قد كفروا بكلمة واحدة وهم كما أسلفت قافلون من ميدان الجهاد في سبيل الله فكيف بهؤلاء وقد أتوا بجميع المكفِّرات كلها؟!.
مختارات