" وما تخفي صدورهم أكبر "
" وما تخفي صدورهم أكبر "
معجزة في إعجاز القرآن وتفسيره بأحوال الخلق في كل زمان، وتصويره الدقيق لكل جماعة ولكل أمة ولكل مجتمع في طول الزمان وعرضه، وما يحدث فيه من خلل وتخلخل؛ فهو يرصد أحوال الناس ويصوغها ويصورها تصويرًا بليغًا وكأنه ينزل مع كل حادثة ويتجدد مع تقلبات الخلق في كل أرض وتحت كل سماء.
ألا ترى أن القرآن يلقي النذر ويحذر عباده المؤمنين من الركون إلى أعدائهم من المنافقين وأهل الكفر ألا يسروا إليهم، ولا يتخذوا منهم بطانة يطلعونهم على أسرارهم، وأنهم لا يؤتمنون على أسرار المسلمين؛ فهم لا تستريح نفوسهم إلا بما يغيظ المسلمين ويبعث لهم المتاعب، ويكدِّر عليهم صفو حياتهم؛ قال جل جلاله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " [آل عمران: 118-120]: يتبين من هذه الآيات أن الغل الخفي والحقد الدفين لا يغادر قلوبهم، يترجم خبث نواياهم ما يكتبون ويزوِّرون من مفتريات على الإسلام والمسلمين مما تغذت به أفئدتهم الخبيثة من نظريات اقتبسوها من جامعات الفكر العلماني والفكر الحداثي الغربي المعادي؛ فما أعظم هذا القرآن الذي لا تحدث حادثة ولا ينحرف منحرف إلا والقرآن الكريم يصف ذلك الحدث وكأنه أنزل في وقت حدوثه؛ ذلك لأنه تنزيل من حكيم حميد.
وفي قوله سبحانه: " هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " [آل عمران: 119] وفي هذه الآية وفي قوله سبحانه: " وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ " وفي هذه العبارة حين يعضون على أناملهم من شدة الغيظ والحنق على المسلمين؛ فقد ذهبت المصانعة في الظاهر وبدت سجيَّتُهم واضحة وأخلاقهم جلية حين يعضون على أناملهم وهذه أنجع وسيلة لديهم لما يخففون به ما يجدونه من كره للإسلام وأهله.
مختارات