" التعفف عما في أيدي الناس "
" التعفف عما في أيدي الناس "
وإذا كان الإسلام يطلب من المسلم أن يرضى بما قسمه الله له، ويقنع ويكتفي برزقه الحلال، فإنه يطلب منه كذلك أن يعف نفسه عما في أيدي غيره مما لا حق له فيه فيستغني بما أوتي، ولا يطمع في كسب غير مشروع، أو زيادة من غير حلها؛ وبذلك يتحقق المطلوب من العفة وهو اليأس وقطع الطمع عما في أيدي الناس.
وقد مدح الله تعالى قومًا اتصفوا بالعفة في مظهرهم، مع فقرهم وحاجتهم، فقال: " لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا " [البقرة: 273].
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «.. ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله» ( أخرجه الشيخان ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي).
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» (أخرجه مسلم والترمذي).
وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم معياراً للمسلم إذا جعله نصب عينيه فسيكون قرير العين بما آتاه الله راضياً به عفيفاً عن التطلع والنظر إلى ما عند غيره.
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فَضُلَ عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه»(أخرجه البخاري ومسلم والترمذي).
وبهذا المعنى أمرنا رب العالمين فقال: " وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى " [طه: 131].
كما أمر القرآن من لا يملكون نفقة الزواج أن يعفوا نفوسهم عن الحرام حتى يغنيهم الله من فضله فقال: " وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه " [النور: 33].
وهذا الغنى وهذه العفة عما في أيدي الناس رغب فيها الإسلام وحث عليها وجعلها سبباً موصلاً إلى الجنة بل إن المتصف بها يكون من أهلها.
عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رفيق القلب لكل مسلم، وعفيف متعفف ذو عيال..» (من حديث طويل أخرجه مسلم).
وبعد: فهذه لمحة موجزة عن هدي الإسلام في طلب الكسب الحلال والاكتفاء به والقناعة برزق الله، والعفة عن الحرام، وهي حصن قوي ودرع واق للمسلم من الوقوع في الحرام أو التطلع إليه.
مختارات