" النفس اللَّوامة "
" النفس اللَّوامة (الروح لابن القيم) "
هي تلك النفس التي لا تثبت على حال واحدة، فهي كثيرة التردد والتقلب والتلون، وهي من أعظم آيات الله. وهي مخلوق من مخلوقاته تتقلب وتتلون في الساعة الواحدة، فما بالك كيف تكون في اليوم والأسبوع والشهر والعام والعمر كله، نجد ألوانًا كثيرة وحالات متعددة ومتغايرة، فنجدها تذكر وتغفل، وتُقبل وتُعرض، وتلطف وتكشف، وتثيب وتجفو، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصى وتتقي وتفجر، إلى أضعافِ أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها.
لذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: «هي نفس المؤمن، إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا على الفعل: لِمَ فعلت هذا، وما أَردت بهذا؟ ونحو ذلك» ولكن غيره يقول: هي نفس المؤمن توقعه في الذنوب والمعاصي ثم تلومه، وهذا اللوم من الإيمان، بخلاف الشقي، فإن نفسه لا تلومه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فواته دون فعله.
وهناك آخرون يقولون: إن هذا اللوم للسعيد والشقي أيضًا، فالأول يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والثاني لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها.
وطائفة أخرى فسرت ذلك على أن هذا اللوم يكون يوم القيامة، فإن كان مسيئًا لام نفسه على إساءته، محسنًا لام نفسه على التقصير في طاعة الله. وحقيقة هذه الأقوال المذكورة أعلاه كلها اجتهادات المفسرين وهي كلها حق ولا تتنافى فيما بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله، وباعتبارها سميت اللوامة وهي نوعان:
1- اللوامة الملومة: وهي تلك النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته.
2- لوامة غير ملومة: وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله، مع بذل جهده (فهذه غير ملومة) وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله، واحتملت لوم اللوام في مرضاته، فلا تأخذها في الله لوم لائم.
أما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله لوم اللوام فهي تلك التي يلومها الله تبارك وتعالى.
ثالثًا: النفس الأمارة (فتاوى ابن تيمية):
وهي تلك التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي. وهي مذمومة (الروح لابن القيم) نظرًا؛ لأنها تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، قال تعالى في كتابه حاكيًا عن امرأة العزيز: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي " [يوسف: 53].
وقال تعالى: " وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا " [النور: 21].
ومن هدي المصطفى نجد أنه يعلم أصحابه خطبة الحاجة: «الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له» إذًا فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الأعمال إلا من أعانه الله ووفقه.
والخالق سبحانه امتحن الإنسان بالنفس اللوامة والنفس الأمارة، وأكرمه بالنفس المطمئنة، فالنفس هي نفس واحدة تكون أمارة، ثم لوامة، ثم مطمئنة، وهي غاية كمالها وصلاحها، فأيد المطمئنة بجنود عديدة؛ فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها، ويسددها، ويقذف فيها الحق، ويرغبها فيه، ويريها حسن صورته، ويزجرها على الباطل، ويزهدها فيه، ويريها قبح صورته، وأمدها بما علمها من القرآن والأذكار وأعمال البر، وجعل وفود الخيرات وأمداد التوفيق تنساب إليها وتصل إليها من كل ناحية، وكلما تلقتها بالقبول والشكر والحمد لله ورؤية أوليته في ذلك كله؛ ازداد مدها فتقوى على محاربة الأمارة.
وأما النفس الأمارة، فإن الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها، فهو يعدها ويمنيها ويقذف فيها الباطل، ويأمرها بالسوء ويزينه لها، ويطيل الأمل، ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحسنها، ويمدها بأنواع الأمداد الباطلة من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة، ويستعين عليها بهواها وإرادتها، فمنه يدخل عليها كل مكروه، فما استعان على النفوس بشيء هو أبلغ من هواها وإرادتها. وقد علم ذلك إخوانه شياطين الإنس فلا يستعينون على الصور الممنوعة منهم بشيء أبلغ من هواهم وإرادتهم، فإذا فتحت لهم النفس باب الهوى دخلوا منه فجاسوا خلال الديار فعاثوا وأفسدوا وفتكوا وَسَبَوْا، ومن مداخل (لبيان في مدخل الشيطان) الشيطان حيث يأمر بالسوء ونسيان الاستحواذ، والنزعات، وتخويف بالفقر، والاستهواء، والإيحاء بالمجاملة، واليأس، والاستفزاز، وتفكك الأسرة، والنفس الأمارة (تزكية النفوس) هي عكس النفس المطمئنة وفي تضاد، فكلما جاءت النفس المطمئنة بالخير، فإن النفس الأمارة تضاهيها بالشر بما يقابله، فإذا جاءت بالتوحيد والإيمان جاءت بالشرك والشك والنفاق، وتريه حقيقة الجهاد في صورة تقتيل النفس، وتنكح الزوجة، ويصير الأولاد يتامى، ويقسم المال من بعده.
وتريه حقيقة زكاة المال والصدقة في صورة مفارقة المال ونقص وخلو اليد منه واحتياجه إلى الناس ومساواته للفقير، وهكذا مع كل أعمال الخير والبر.
مختارات